هل يوجد في مصر ما يسمى بالتعليم الحكومي المجاني؟ وهل بالفعل تعمل الدولة على تطوير منظومة التعليم؟ وهل اختلف الوضع عن ما هو عليه بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير؟ مظاهرات واعتصامات وفتنة طائفية تحدث بفعل فاعل، فقر وجهل وانعدام للثقافة العامة، بلطجة ومأجورين يقتلون أنفسهم وغيرهم من أجل بضعة جنيهات. كل هذا وأكثر يجب أن يحدث طالما لم نهتم بالتعليم والمعلم، كل هذا وأكثر سيحدث طالما ظل التعليم في مصر هو آخر اهتمامات الحكومات المصرية المتعاقبة، كل هذا وأكثر سيحدث طالما أن الطفل المصري أصبح في أعين الدولة هو منتج لا يصح الصرف عليه إلا بنسبة لا تتعدى 4 % من إجمالي الموازنة العامة للدولة، كل هذا وأكثر سيحدث طالما يحصل كمسري القطار ومحصل شباك التذاكر في المترو على راتب أكثر مما يحصل عليه مدير المدرسة.
الجهل ونشر الجهل في مصر كان الهدف الرئيسي لحكومات مبارك وأعوانه؛ ففي عهده تم تخفيض ميزانية التربية والتعليم، وفي عهده تجاهلت الدولة بناء المدارس فتكدس الطلاب داخل الفصول، حتى أن بعض الفصول يصل فيها عدد الطلاب إلى 100 و120 طالب، وفي عهده تجاهلت الدولة المعلم وتعاملت معه وكأنه عبأ على ميزانية الدولة، بل وشجعته على الدروس الخصوصية، وكأنها بذلك تقوم بطحن أولياء الأمور في مطحنة الحياة، وتتخلص من مطالب المعلمين بالحياة مثلهم مثل الآخرين، وفي النهاية فالكل يدور خلف رغيف الخبز ولا أحد يفكر كيف يدير هؤلاء اللصوص هذه الدولة التي تركوها أرض بور تحتاج لسنوات حتى تتقبل أن يتم زراعتها من جديد.
الحقيقة أن مصر لا يوجد فيها ما يسمى بالتعليم الحكومي المجاني، وما هي إلا مسميات يعلم كل من هو داخل المنظومة التعليمية أنها غير حقيقية؛ فعندما نعرف أن متوسط صرف الدولة على الطالب المصري في الشهر هو 37 جنيها مصريا تشمل الكتب المدرسية والأنشطة والتغذية المدرسية، وعندما نعرف أن متوسط صرف الأسرة على الطالب المصري في الشهر الواحد هو 300 جنيه تشمل الملبس والمواصلات والغذاء والكتب الخارجية والدروس الخصوصية، وهو ما يعادل تقريبا عشرة أضعاف ما تصرفه الدولة، ولاحظ أن هذا الرقم هو متوسط ما تصرفه الأسرة على طالب واحد.. فما بالك بمن لديه أكثر من طالب في التعليم؟ ولاحظ أيضا أن هذا الرقم يتضاعف مرتين وثلاثة عندما يصل الطالب إلى التعليم الثانوي، وبعد كل هذا يصر البعض أن في مصر ما يسمى بالتعليم المجاني.
بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير تفائل العاملون والمهتمون بالتعليم بأن يتغير الحال وتتحسن المنظومة التعليمية وتتغير القرارات الإدارية التي أدت لخروج طالب من المرحلة الإعدادية وهو لا يعرف القراءة والكتابة، ولكن للأسف لم يتغير الحال ولم تتغير القرارات، وظل الإهمال والتجاهل هو شعار الحكومة المصرية عند التحدث عن التعليم في مصر، ويبدو أن جميع من حكموا مصر -رؤساء وحكومات- يهتمون بالجهل والتطرف أكثر مما يهتمون بالتعليم والثقافة.
أحد المعلمين أرسل لي يصرخ كيف يتم ترقيته من الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى فيتم خصم جزء من مرتبه! وعندما سألته عن المرتب الذي يحصل عليه قال إنه يحصل على 1150 جنيه حاليا، مع العلم أنه كان يحصل على 1180 جنيه قبل الترقيه، وياللعجب.. نحن في دولة يقل فيها راتب المعلم عند ترقيته! وبغض النظر عن هذا إلا أن الرقم أدهشني فسألت عن المرتب بعد الكادر الذي تتحدث عنه الحكومة منذ مبارك وحتى الآن، فأقسم المعلم بأن هذا إجمالي الراتب الذي يحصل عليه كل شهر بعد 18 سنة عمل كمدرس بالتربية والتعليم.
أتعجب أيضا من الذين يرفضون التحدث عن مرتبات المعلمين بحجة أنهم يحصلون على الكثير من الدروس الخصوصية، وهل سنقبل ببقاء الدروس الخصوصية أم أنها آفة في المجتمع يجب أن نحاربها ونقضي عليها؟! وأتعجب أكثر عندما يخرج أحد المثقفين ليؤيد إضراب سائقي القطارات الذي يحصل أقل سائق فيهم على أكثر من 5000 جنيه شهريا، ثم يعترض على إضراب المعلمين الذين مازال بعضهم يحصلون على 150 جنيه في الشهر بحجة أنهم متعاقدون أو غير معينين، وكأن المتعاقدين وغير المعينين ليسوا ببشر يستحقون الحياة على أرض بلادهم!
سيادة الرئيس وسيادة رئيس الوزراء ويا حزب الأغلبية ويا أحزاب الأقلية والمعارضة.. ألم ينتبه أيا منكم إلى وضع التعليم والمعلم في مصر؟ ألم يفكر أحد منكم في أن إصلاح الحال في مصر يجب أن يبدأ بإصلاح منظومة التعليم؟ أعتقد أنكم جميعا لا تهتمون لا بالمواطن ولا بالتعليم، ولا تسعون إلا للسلطة والحكم. وأخيرا أقول -وبكل ألم- عجبت لك يا زمن أصبح للمجرمين صفحات على "الفيس بوك" لوضع صورهم وهم ينفذون جرائمهم فيدخل عليها الناس للتحية والإعجاب! |
المصدر: جريدة الشروق نشر فى : الأربعاء 10 أبريل 2013 - 9:20 م
الأحدث من منبر الشروق المزيد »
عبد الرازق أحمد الشاعر يكتب: لصوص التاريخ
محمود البدري يكتب: رمانة الميزان
خميس النقيب يكتب: الرئاسة بين الشراسة والفراسة
هاني مراد يكتب: أين أمتنا؟
خَـلَّاف عيسى يكتب: أن تكون رئيساً
محمود عمر يكتب: ع السريع
طباعة
وائل سعيد محمد
نشرت فى 16 إبريل 2013
بواسطة SchoolsAlpatanon
مرحبا بكم
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
725,971
عبدالمقصودمحمدحجازى
موجه بالتربية والتعليم المصرى »
ساحة النقاش