الحفظُ والتوَازُن الذَّاتِي
"... وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ.." 12 فصلت41
لكل شيء في الكون نقيض، إن التقى به أفنى هيأته وحوله إلى شيء آخر وإياه، وهذا الشيء واضح في الجسيمات الذرية، ولكن لماذا لا يلتقي النقيضان في معظم الوقت، الإجابة العلمية تجدها بين أيدي الباحثين.
أما هنا فنقول بأن الله قَدَرَ هذا ووضعه مبدأ للخلق، فوضع القوانين الحافظة لهيكل خلقه [إلى أجل] محدود.
ونفس الشيء ينطبق على كل الخلق، فكل مخلوق له أعداءٌ من بيئته، ومع هذا نجده يجابِهُ العداءَ ويستمر في الوجود إلى أجله، ومثال ذلك الحياة على كوكب الأرض، لها أعداء كثيرة، كالكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وأشعة ضارة بأنواع عديدة، ومع هذا نرى أن لكل منها عوامل تحد من مخاطرها إلى الحد الذي يسمح باستمرار الحياة وتَرَقِّيها.
فالأرض خلقت قشرتها على هيئة صفائح[1] وجبال، تعملان على استقرار الحركة السطحية وعدم تدمير إنشاءات الإنسان عليها، وحول الغلاف الجوي للأرض طبقة الأوزون الحامية من الأشعة فوق البنفسجية الضارة، وأغلفة الطبقات الجوية للحماية من النيازك، وغلاف مغناطيسي للحماية من الجسيمات المشحونة المقذوفة من الشمس تجاه الأرض.
"أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا{6} وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا{7}" النبأ78
وهناك أيضا أعداء للحياة من الحياة نفسها، مثل الحيوانات المفترسة والميكروبات والفيروسات، فأوحى الله في نفس كل كائن الوسائل والنظم الدفاعية المناسبة لكل حالة.
"... وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ.." 12 فصلت41
وكلمة (حِفْظًا) معطوفة على المنصوب لأنها منصوبة، وأقرب منصوب مناسب لها كلمة (أَمْرَهَا) المفعول به للأمر (أَوْحَىٰ)، فيكون المعنى هو: وأوحى في كل سماء أمرها وحفظا، وإنما كان التأخير لبيان الترتيب، فإيحاء الحفظ جاء في الترتيب بعد مبدأ الجمال والزينة.
[1] هي المعروفة جيولوجيا باسم الصفائح التكتونية.