نتائج التفكير المنطقي
دعانا الله -سبحانه وتعالى- إلى التدبر في آياته، وإعمال الفكر فيها لِيَخْرُجَ النورُ، ويهتدي بهذا النورِ مَنْ يُؤمن، فلا يَضلُّ طريقه الطويل والمحفوف بالمهالك، فيصل إلى الغاية السامية، ويفوز الفوز الكبير، ويخلد في النعيم المقيم.
ودارس القرآن يجد فيه دعوة إلى التفـكر في الخلق عامةً<!--، وفي الأكوان<!-- والنفس خاصة، لأن في دراسة الأكوان والتفكر فيها تقريبٌ للشعور إلى الواقع، وفيها الإحساس الصادق بالوضع الحقيقي للإنسان في الكون من حيث المكان والزمان، وهذا الإحساس يجعل الإنسان أكثر التصاقا بالقوة القاهرة التي فجَّرَت هذا الخلق وأبدعتْهُ وزينتْهُ، ويجعله أيضا يصل إلى نتيجة هامة وهي: إذا كان هذا هو الخلق البديع الذي ليس فيه تفاوت، وهو المتقن من كل الوجوه، فهل يُعقل أن يَفْنَى هذا الخلق مطويا على مظالم معلقة؟ وهل يموت المظلوم ويموت معه الحق؟ والواقع أن عمق النظر في خلق الكون والنفس؛ يجيب بأنه لا يُعقل أن يكون هذا قد خُلق باطلا؛ ولابد من إقامة العدل المطلق.
وفي التفكر ونتيجتُه الحتمية بوجوبِ وجودِ حياةٍ أخرى يُقامُ فيها العدلُ المطلق، يقول سبحانه وتعالى:-
"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ{190} الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{191}" آل عمران3
وأمام هذه الحقيقة التي يستنتجها الإنسان بفكره الحر، ينشرح صدرُ كلِّ مؤمنٍ بها، في كلِّ الظُرُوف، مهما قَسَتْ هذه الظروف، حتى الموت، فهذه الحياةُ عندهُ قليلةٌ بالمقارنة بالحياةِ الدائمة، التي يُؤمِن بها وينتظرها، ونفسه تقول له أن كلَّ ذا قيمةٍ محدودةٍ لا يساوي شيئا، بالمقارنة بالقيمة اللانهائية.
ونخرج من هذا بأن التفكر في خلق الأكوان يجعل الإنسان أكثر استفادة من بيئته، وأكثر حفاظا عليها ويجعله أكثر علما بحقوقه وحقوق الآخرين، ولا يكون عدوا لما يؤمن به وهو لا يشعر، ولا يفسد ويظن أنه يصلح.
وفي الذين يظنون أنهم يصلحون، وهم في الواقع يفسدون ولكن لا يشعرون، يقول الله الحكيم العليم:-
"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ{11} أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ{12}" البقرة2
"قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا{103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا{104}" الكهف18
ويقول الله جل وعلا شأنه في تدبر القرآن وذم عدم التدبر، حيث أن التدبر هو استقراء الآيات والنظر والتفكر فيها:-
"أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا{24}" محمد47
وأيضا يقول الله الحكيم مبينا عدم وجود أدنى اختلاف في آياته، نافيا ذلك عما يأتي من عند غير الله:-
"بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ، الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ{1}" هود11
"أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا{82}" النساء4
هذا والفكر السليم المستقيم فطرة، والكتب المنزلة من الله -سبحانه وتعالى- تذكر بدين [الفطرة]، والفطرة هي الصفات والقوانين الطبيعية للجسم و[النفس]، والتي تكفل سلوكًا يُحقِّق رغبات الفرد والجماعة دون الإخلال بالمجتمع أو البيئة أو حرية ومصالح الآخرين.
فالجسم على فطرته التي فطره الله عليها ما لم تمْسَسْهُ يدٌ بالتغيير في خلقه سواء بالقطع أو الجرح أو الوشم أو الحرق، والنفس على فطرتها ما لم تفسد بالاعتداء من الغير، أو على الغير، بالنفاقِ والكذب والخديعة والوقيعة والدسيسة والطمع في مالِهم والخوضِ في أعراضهم وسمعتِهم.
وكما قلت سابقا أنه من السمات الفطرية للنفس القدرة على التفكير المنطقي المترابط الذي يوصل إلى غاية، فالتاجر ينجح في تجارته بفضل التفكير المنطقي السليم، والصانع يُخرج صنعته بفضل فكره المنطقي الصحيح، والعامل الماهر يخطط بفكره المستقيم لِيُبْدِعَ في مهارةٍ ويُخرج عملا باهرا، والطبيب فنانٌ عالمٌ بنوع من العلوم يخطط بعلمه ليهزم مرضا أو يُجمِّلَ وجها تشوَّه مستندا إلى مقاييس الجمال والتناسق بالتصور الفطري أيضا، وكل الناس كلٌّ في مجال عمله لا ينجح في أداء عمله إلا بفضل استقامة الفكر، ومع ظاهرة النجاح هذه يتأكد لدينا أن الفكر السليم هو الصفة السائدة في الإنسان، وأيضا من النجاح نتأكد من أن الفكر غالبا ينجح ما لم يشوش بالأهواء.
والفكر المستقيم الفطري لا ينحرف إلا إراديا عندما يريد الإنسان أن يعتدي، فيَخرجُ بفكره عن استقامته ليُبَرِّرَ لنفسه الاعتداء.
أما إن استمر على استقامة فكره فإنه يبلغ به العُلَا في حياته الدنيا، ويتخطى به المنية إلى حياةٍ أبديةٍ سعيدةٍ في الدار الآخرة.
ألم تر كيف فكر إبراهيمُ له الشكر والثناء ووصل بفكره إلى الحق، وإلى تَصَوُّرِ السماوات والأرض بفطرته، واستطاع بفكر صائب أن يرد على قومه عندما حاجوه بفكرهم الأعوج، إنه مثلٌ رائعٌ وبارزٌ لنموذج الفكر المستقيمِ في الفطرة.
إذ تدرج فكر إبراهيم، عن الإله والخلق، منطلقا من مبدأ عدم وجود نقص أو عيب في الإله، ومبدأ عدم الغياب عن مخلوقاته، ولكن إبراهيم لم يكن قد أدرك أن الخالق لطيف بعد، بمعنى أنه لا يمكن إدراكه بالبصر.
فرفض الأصغر عندما برز الأكبر، ورفض الأكبر عندما لاحظ غيابه، وعندها فطن إلى أن الإله ليس بالضرورة أن تراه العين، فأكبر المخلوقات وهي الشمس قد غابت.
وعندما حاجه قومه بعد ذلك قال لهم من أحق بالأمن، أنا الذي يعبد إلها واحدا خالقا وهاديا أم الذين يعبدون ما لا ضرر ولا نفع له ويشركونه بالله بدون علم؟!.
يقول الله عز وجل:-
"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ{74} وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ{75} فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ{76} فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ{77} فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ{78} إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{79} وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ{80}وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ{81} الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ{82} وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ{83}" الأنعام6
والفكر إن انحرف فهو خطِرٌ على صاحبه فقط ما لم يخرج إلى دائرة الإعلان، فإن خرج إلى دائرة الإعلان فالخطر ينحصر في الاستجابة له من الآخرين، فإنْ لم يستجيبوا له فلا ضير، والناسُ أصناف أمام قابلية الاستجابة للفكر المنحرف، فمنهم [جهلاء]<!--، يعتقدون اعتقادات فاسدة، غيرَ واقعية، وهؤلاء أعدُّوا أنفسَهم لمعاداة [الحق]، يستجيبون بسهولة لكل فكرٍ معادٍ للحق، ويلهثون في محاربةِ كل فكرٍ مستقيم.
ومنهم من لا يعلمون، خواء من العقائد سواء الفاسدة أو الصحيحة، وهم متعطشون لأي فكر في الغالب، ويستهويهم سماع الجديد، فإنْ صادَفَهُم الفكرُ الصحيحُ وقع في أنفسِهم موقعَ [الفطرة] السليمة، ورسخ، وصاروا من خيرة الناس وأقواهم، وهم مستعدون دائما للدفاع عن عقائدهم بأنفسهم، وإن صادفهم الفكرُ المنحرف؛ إما صدوا عنه ورفضوه بحكم تعارضه مع [الفطرة] في داخلهم؛ وإما قبلوه قبولا سطحيا وعاشوا به عيشة الضلال، فتجدُهم في ظلم دائمٍ لأنفسهم ولفئات منهم، ربما هذه الفئات من أبنائهم أو بناتهم أو أزواجهم، كمن يؤمنون بضرورة وأد البنات أو الختان أو كي منابت الأنياب أو الوشم أو تحريم ما أحل الله أو إباحة ما حرم الله.
وهذه الجماعة الأخيرة لا ينقطع الأملُ في هدايتهم؛ عند النداء عليهم؛ حتى ولو تأخرت عودتُهم.
أما الفئة الأولى الجاهلة فيصعب هدايتهم؛ إن لم تكن مستحيلة، لأنهم قد طمسوا فطرتهم، وأزاحوا عليها ركاما من سوء العمل، فأصبح صوت النداء الفطري الداخلي غيرَ مسموعٍ، بعكس الفئات الأخرى يسهل عليهم سماع النداء الفطري الداخلي عندما يتناغم مع النداء الخارجي عن طريق الرسل، فتجدهم ساجدين، يقولون لبيك ربنا لبيك.
انظر ماذا قال الله -سبحانه وتعالى- في وصفِ النوريْن، نور الفطرة ونور الرسالات:-
"اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{35}" النور24
وفي هذه الآية مثَّل الله -سبحانه وتعالى- الإنسانَ بالمصباح في زجاجة، والدولةَ بالمشكاةِ<!--الحاويةِ له والحاميةِ إياه من العوامل الخارجية.
والفرد الذي خلقه الله بفطرة سليمة ثم اتبع فطرته، ثم جاءه كتاب الله فصدقَّه، وهو محمي في ظل دولة قوية تمنع عنه ذل الأعداء، وتخفف عنه نوازل الزمن من فقر أو مرض، أو أي كوارث، هذا الفرد يعطي نتاج فكرٍ وعملٍ عظيمين، وتسمو به دولته وترتقي، ويلتقي نور [الفطرة] مع نور [الكتاب] الذي لا ينحاز لشرق أو لغرب، مشكلا نور الله الذي يهدي لنوره من يشاء.
وقال سبحانه وتعالى مبيِّنًا طمس القلب تحت ركام سوء العمل، فلا يرى الحقائق ويكذبها عمدا وتعديا، حيث كان من الواجب رؤيتها والعمل بمقتضاها:-
"كِتَابٌ مَرْقُومٌ{9} وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ{10} الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ{11} وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ{12} إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ{13} كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{14}" المطففين83
وفي سورة القيامة إشارة إلى [النفس اللوامة] أي الضمير كمصطلح دارج، وهذه النفس اللوامة لديها معايير للمقارنة ثم التنبيه عند حدوث انحراف (انظر تعريف النفس البشرية في التعريفات الاشتراطية لتعبيرات القرآن الكريم):-
"بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ، لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ{1} وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ{2}" القيامة75
ومن أخطر الأفكار فكر المتمسحين في الدين، إذ يتمتعون بثقة الناس فيهم، فيتبعهم الناس، ويكون المصير المحتوم للتابع والمتبوع حياة أبديَّة شقيَّة، يحاول فيها التابع أن ينتقم من المتبوع بطلب المزيد من الشقاء له، ويحاول المتبوع أن يتبرأ من التابع، ويكون هذا مصير كل من لا يتبع فكرَ نفسِه الفطري السليم، والذي يُسَلِّمُ زمامَ أمورِه لغيره دون مراجعة على معايير موثقة (الفطرة والعلم والمنطق).
وفي هذا يقال حديثٌ عن الرسول له الشكر والثناء (بروايات متشابهة):-
"يا وابصة! جئتَ تسأل عن البر والإثم؟, قلتُ: نعم, قال: فجمع أصابعه، فضرب بها صدره وقال: اسْتَفْتِ نفسَك, واستفت قلبك -ثلاثا-؛ البرُّ ما اطمأنت إليه النفسُ, واطمأن إليه القلبُ, والإثمُ ما حاك في النفسِ, وتردد في الصدرِ, وإن أفتاك الناسُ".
---- الراوي: وابصة بن معبد الأسدي المحدث: الألباني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 2705
خلاصة حكم المحدث: [فيه] ابن مكرز وهو مجهول، وفي المسند بإسناد صحيح على شرط مسلم دون قوله: "استفت نفسك...ثلاثا"، وله شاهد دون الزيادة وسنده صحيح
---- الراوي: وابصة بن معبد المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 3/135
خلاصة حكم المحدث: [حسن كما قال في المقدمة]
---- الراوي: وابصة بن معبد المحدث: الرباعي - المصدر: فتح الغفار - الصفحة أو الرقم: 1149/3
خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن
---- الراوي: وابصة بن معبد الأسدي المحدث: النووي - المصدر: بستان العارفين - الصفحة أو الرقم: 39
خلاصة حكم المحدث: حسن
---- الراوي: وابصة بن معبد الأسدي المحدث: النووي - المصدر: تحقيق رياض الصالحين - الصفحة أو الرقم: 254
خلاصة حكم المحدث: حسن
---- الراوي: وابصة بن معبد المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 3/23
خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن
---- الراوي: وابصة بن معبد المحدث: أحمد شاكر - المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 1/332
خلاصة حكم المحدث: [أشار في المقدمة إلى صحته]
إنَّ الاتِّباع الأعمى عادةُ أكثر الناس، ومن هنا كان خطرُ القِلَّة المتبوعةِ كبيرًا، إذْ يَسِيرُ خلفهم غالبية الناس العظمى، وتجدُهم يرمُقُون القلة المخالفة لهم في غيظٍ وغضبٍ وكثيرًا ما يعتدون عليهم بالقتل والتشريد.
والنتيجة ظهور الفساد الذي يشمل البيئة والأفراد، ثم الضعف والتفكك والانهيار.
وفي هذا يقول الله -سبحانه وتعالى-:-
"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ{165} إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ{166} وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ{167}" البقرة2
وقال تعالى في نتائج الاتباع الأعمى، الذي يورد أهله دار البوار:-
"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ{96} إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ ۖ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ{97} يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ{98} وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ{99}" هود11
وفي اتباع أكثر الناس بالتقليد لغيرهم من الكفار:-
"تَرَىٰ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ{80}" المائدة5
وفي الأغلبية غير المؤمنة:-
"وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ{103}" يوسف12
وفي الذين يعجبون الناس ومنهم من ليس على صواب:-
"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ{204} وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ{205}" البقرة2
وفي الذين يعادون أصحاب الحق:-
"إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{21}" آل عمران3
ملخص ما سبق أن الفطرة بها جملة من القواعد الهادية للسلوك البشري الطبيعي، إلى مجتمع راق، يتمتع بأقصى درجات الحرية، وبأقل قدر من القيود، ويتمتع أفراده ببيئة نظيفة جميلة وبسعادة مستقرة دائمة حتى بعد الموت.
ومثال على هذا السلوك البشري الطبيعي هو حب التملك، فإن امتلك إنسان حديقةً ونازعه عليها آخرون، فدور [الفطرة] هنا هو وخز الضمير الذي يصيب غير صاحب الحق، إذ يشعر هذا بأنه لا حق له في منازعة صاحب [الحق]، لأنه لو كان هو صاحب [الحق] ما قبِل أن ينازعه أحد على حقه، ومن هنا فالقاعدة الهادية للسلوك هي اعتراف داخلي بأن لكل فرد نفس الرغبة في التملك، وهذا يدفع الفرد في المثال السابق إلى طريق يشعر معه بأن الطرف الآخر راض به، كعرض شراء مثلا، بدلا من الاغتصاب.
وبنفس الطريقة حب الذكر للأنثى وكراهيته الشديدة أن يشاركه فيها غيره، ففي مقابل هذه الرغبة شعور بأن الكل يحمل نفس الصفة، مما يجعل هذا الشعور كابتا ذاتيا تجاه نساء الآخرين. وقس على ذلك مختلف أنواع السلوك البشري، فلو أن مجتمعا ما أتاح الفرصة للعمل طبقا للقواعد الفطرية ويحَكِّمُها في السلوك الإنساني لَنَشَأَ مجتمع عظيم على [دين] [الفطرة].
وإنما أنزل الله كافة الأديان تذكرة للإنسان الذي يتجاهل قواعد الفطرة أمام ما يرثه من مأثورات مضَلِّلة وانحرافات وشذوذ، فإن تجاهل دين الله المنزل أيضا فقد أجرم مرتين، الأولى بتجاهله دين الفطرة المنشئ، والثانية بتجاهله دين التذكرة الكاشف.
انظر إلى هذه الآيات من الكتاب المقدس لترى إشارة واضحة جدا لدين الفطرة:-
بسْمِ الرَّبِّ "(11)إِنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ الِّتِي أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ لَيْسَتْ عَسِرَةً عَلَيْكَ وَلَا بَعِيدَةً مِنْكَ. (12)لَيْسَتْ هِيَ فِي السَّمَاءِ حَتَّى تَقُولَ مَنْ يَصْعَدُ لِأَجْلِنَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَأْخُذُهَا لَنَا وَيُسْمِعُنَا إِيَّاهَا لِنَعْمَلَ بِهَا. (13)وَلَا هِيَ عَبْرَ الْبَحْرِ حَتَّى تَقُولَ مَنْ يَعْبُرُ لِأَجْلِنَا الْبَحْرَ وَيَأْخُذُهَا لَنَا وَيُسْمِعُنَا إِيَّاهَا لِنَعْمَلَ بِهَا. (14)بَلْ الْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ جِدًّا فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ لِتَعْمَلَ بِهَا." سفر تثنية الإصحاح الثلاثون
<!--[if !supportFootnotes]-->
<!--[endif]-->
<!-- مثل خلق الأنفس والملائكة والأحياء من كل الكائنات.
<!-- هي السماوات في لغة القرآن وهي عوالم متعددة متداخلة لطيفة، كما سترى فيما يلي.
<!-- الجاهل هو الذي يعتقد اعتقادات فاسدة غير حقيقية، إذ قال الله -سبحانه وتعالى-: " .. يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ.." 273 البقرة2
<!-- فجوة في مكان لوضع المصباح لحمايته.


