جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
سحر / القدس شعر : د / رمضان الحضري
*******************
نفسي لها تجري فلتذهب
النفسُ
غاب الحبيب
كما قد غابت القدسُ
قلبي لها يسعى !!!
فلتبك ياقلبي أنت الذي تهوى !!!
.لحبيبة تقسو
مازلت تعشقها ؟؟ !! ...
وحبها بحر
تجري الى الشط وأشك
أن ترسو
أشكو
ابتسامتها لطلعة الصبح
تنير للدنيا ،!!!!!!!! .. وعندنا
الحبس
من وجهها الملكي :
تنساب أحلامي ولنور وجنتها ، !!!! يتراقص
الحسُ
محبوبتي قالت :
.. فلتسمعوا حقا ، لاترمشوا العين !! لا لا
ولا تنسوا
من صوتها يسري نهر !!!
وأودية من جيدها ينمو الزرع
والغرسُ
من سحرها:
تشدو أطيار بلدتنا
من وجدها :
يعلو النجم والشمسُ
باتت :
تحاورني والصمت أغنيتي
لم أنطق
الحرف قد جاءني خرسُ
وحين :
تبعدني ستموت آمالي
هي :
إن تغب عني قد غابت
القدسُ ..
*************
د / رمضان الحضري
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
تصبو هذه الدراسة إلى تحليل المحتوى النصي لقصيدة ( سحر / القدس ) للشاعر د / رمضان الحضري ، حيث تقوم الدراسة على رصد التطور النفسي واللفظي للنص الشعري الذي بين أيدينا .
يبدأ النص باستهلال بديع قوي مفاجئ ( نفسي لها تجري فلتذهب النفس ) جملة تحمل الكثير من المعاني
صور لنا الشاعر باقتدار صورة عجيبة حقا ، جعلتي أشعر أن هناك انسلاخا للنفس من الجسد الذي تسكنه ، وأنه يحاول الإمساك بها بقوة ثم أذعن لرعونتها ، بعد أن خارت قواه ، فتركها تهفو و تحلق لديار الحبيبة ، مباركا الرحيل قائلا بسخرية و رضا : _ ( فلتذهب النفس ) .
وجاءت الإجابة سريعة ، فالحبيب بعيد محتل ، يستحيل بالوضع الراهن ان يكون مجاورا للنفس ، لذا كانت حتمية الرحيل لدياره _ روحا لا جسدا _ ، فجاء قوله : _ ( غاب الحبيب كما غابت القدس )
و هنا جاء إلحاق الخاص بالعام لتعظيم قدر الحبيبة و تقديسها بأسلوب واضح و صريح
وحتما يجئ دور القلب بعد أن رحلت الروح ليبقي الجسد البعيد معتلا باكيا ، فالسعي هنا بدائرة مفرغة ، ( قلبي لها يسعي !!! فلتبك ياقلب ياقلبي انت الذي تهوي ) حتي علامات التعجب أضافت الكثير للمعني البديع ، فكيف يكون السعي بهذه الحالة المستعصية ؟
وبأسلوب فريد يحاول الشاعر التنصل مما لحق به ، و يلقي اللوم علي قلبه ...
وجاء التقديم والتأخير هنا موفقا جدا فقد كان من الممكن أن يقول ( ياقلبي أنت الذي تهوي .. فلتبك ياقلب )
ولكنه آثر أن تكون النتيجة المحتومة مسبقة علي السبب المؤدي لذلك .... اعجبتني جدا جدا ، ( لحبيبة تقسو مازلت تعشقها ) إمعان في التنصل و تأكيد لما سبقه ، مازال الشاعر يلقي اللوم علي قلبه وكأن ليس عليه أي سلطان أو تحكم حتي إنه يحاول أن يقول له ضمنيا : _ أجننت ان تعشق من تعذبك هكذا ؟ !!
و يستمر الخطاب للقلب معاتبا ساخرا ، ( مازلت تعشقها و حبها بحر تجري إلي الشط و أشك أن ترسو ) ، جاء لفظ أشك هنا ليخبرنا بما لا يريد أن يفصح عنه الشاعر بالأبيات الأولي ، ولم يقل يستحيل أن ترسو ، لأن عنده أملا كبيرا ورغبة شديدة أن يصل يوما ما وأن عتابه للقلب غير حقيقي ، ولكنه جاء من باب المكابرة .
ينتقل بنا الشاعر بسلاسة إلي قسم آخر من القصيدة ، وهو استحضار لصورة الحبيبة ، في محاولة لإيجاد عذرا مقبولا ، لما يفعله به قلبه ( ابتسامتها لطلعة الصبح تنير الدنيا !!!!!!!!! ) إذن هناك مسبب قوي ، فهي السبب لسعادة الدنيا .. ومالبث أن تراجع قائلا ( وعندنا الحبس ) هنا للمرة الأولي ، امتزج مع قلبه رأفة ولم يقل عندي ، بل قال عندنا وبهذا جب كل ماسبقه من عتاب ،
تغير الأسلوب هنا تماما ، فاستشعر أنه نسي الألم تماما ، لاستحضاره الصورة المثالية للحبيبة ، وارتسمت علي وجهه ابتسامة عريضة و صحوة طارئة ، وأيضا دمعة متحجرة أراها معلقة بأحداقه ( من و جهها الملكي تنساب أحلامي و لنور وجنتها يتراقص الحس ) الله عليك .
تحركت الحواس تباعا ، فبعد النظر لوجهها بدأ يسمع الصوت وهنا دلالة علمية معروفة أن سرعة الضوء تسبق سرعة الصوت ، فبعد أن برقت بدأ الصوت يقترب حثيثا ، حتي ارتعدت الأوصال لوقوعه بنفسه ( محبوبتي قالت فلتسمعوا حقا لا ترمشوا العين لا لا ولا تنسوا )
بعد أن كان الحديث للقلب هامسا ، أصبح الحديث للدنيا مدويا ناصحا حتي يشاركه الكون حالته ، التي بدأ التفاخر بها ، بعد أن كان منزويا خجولا .
وتابع الوصف لإثارة و جذب المتلقي للتعايش معه ، قائلا : _ ( من صوتها يسري نهر !!!! و أودية من جيدها ينمو الزرع و الغرس ) ، أري هنا المحاولات مستمرة لاستدرار عطف الدنيا عليه ، و بذكاء بالغ وحرفية عالية و دهاء يحسد عليه ، يريد أن يسعي كل الوري لاستحضار الحبيبة ، وكأن الخير سيعم علي الجميع بالتقاء الحبيبين
ولم يكتف ، بل أشرك الطيور بالسماء معه ، بعد أن أسقط علي الحبيبة صفة السحر ( من سحرها تشدو أطيار بلدتنا ) ، انتقال من الانسان للطيور فيه ارتقاء للمنزلة و القدرة الفائقة علي التأثير ،
وبمزيد من العلو والارتقاء ، تخيل قدرتها التي وصلت إلي الفضاء البعيد لتتحكم بهذا بكل كون الشاعر ، ( من وجدها يعلو النجم و الشمس ) .
تراجع _ سريعا جدا _ وغلق للبصيرة وكأنه قد أسدل ستار معتم علي ما قبله ، ودخل بوتقته وحيدا ، ومعه بقايا همس وصدي صوت من الحبيبة ( باتت تحاورني والصمت أغنيتي لم أنطق الحرف قد جاءني خرس ) أراه هنا وقد أفاق من الحلم ، تصاحبه اللحظات الأخيرة منه .
جاءت الإفاقة كاملة و رؤية جلية للواقع ، بعد أن هام بحلمه السعيد ونظرة طارئة علي المستقبل ، وكيف سيكون الحال لو لم يتحقق الحلم ( و حين تبعدني ستموت امالي ) ، ( هي ان تغب عني قد غابت القدس ) ، رجوع وتذكير أن الحبيبة هي المقدسة الغائبة البعيدة المحتلة .
جاء انتقاء الكلمات _ بشكل انتقائي _ موفقا جدا ..
الصور ثرية وعميقة المعاني ...
سرد انسيابي جعلنا نجوب الارض و السماء بحرية وكأننا نستقل البراق ...
موسيقي النص سريعة الإيقاع رغم أنها جاءت على بحر البسيط وتفعيلته ( مستفعلن فعلن مستفعلن فعلن ) في كل شطر ،
وإن كانت علي أنغام ناي حزين ، إلا أنها في بعض الأبيات جاءت مغردة.........
لله درك تقبل تحليلي المتواضع و مجازفتي الفائقة الرعونة لدخول عرين الأسد
تحياتي وتقديري د رمضان الحضري عميد النقد و الأدب العربي .
*************************
بقلم / شيرين الزيني .
المصدر: شعبة المبدعين العرب ، الكاتب والشاعر سمير احمد القط