تواجه مصر فى الوقت الحاضر العديد من القضايا و المشاكل البيئية ، و التى قد تمثل عقبة أمام التنمية الشاملة و التخطيط البيئى المستقبلى ، و يأتى فى مقدمة المشاكل البيئية.
وأخطرها فى جمهورية مصر العربية مشكلة التلوث البيئى و التى قد تصل إلى أقصى درجات الخطورة فى المناطق الصناعية التى تجاوز فيها نسبة التلوث الحد المسموح به . و لاشك أن لهذه المشكلة آثار ضارة على الإقتصاد القومى المصرى ، و من هنا سوف نتطرق الى عددة محاور رئيسية عن هذا الموضوع وهى :
أولاً : مفهوم التلوث البيئى و أسبابه :
مفهوم البيئة :
البيئة هى كل ما يحيط بالكائن الحى من أشياء و ظواهر و عوامل تؤثر فيه و يؤثر هو فيها ، و هى الحيز الذى يمارس فيه الإنسان أنشطته الحيوية ، و من بينها النمو و التكاثر ،وهى الوسط الذى يستمد منه موارده اللازمة للحياة و الرفاهية كما أنها الوعاء الذى يصب فيه مخلفاته و نواتج نشاطه.
مفهوم التلوث البيئى :
هو حدوث تغير فى الصفات الطبيعية لكل من الغلاف الجوى ، أو المائى أو الصخرى ، أو فى الفضاء الخارجى ، و قد يشمل التلوث جميع هذه الأغلفة بنسب متفاوتة و فى موقع واحد و لهذا تعد مشكلة التلوث البيئى من أخطر المشاكل التى تواجه الإنسان فى هذا العصر.
مفهوم الإقتصاد القومى :
يعنى الإقتصاد القومى التنمية و الإكتفاء الذاتى و الرفاهية من خلال ثلاث عناصر رئيسية هى :
1- تأمين الموارد الإقتصادية الحيوية حتى تتجنب الدولة أى ضغوط خارجية.
2- أن التنمية هى جوهر مفهوم الأمن للدولة فهما وجهان لعملة واحدة .
3- أن الموارد الإقتصادية يجب حمايتها من أى تلوث حتى تستطيع الدفع بعجلة التنمية .
أسباب التلوث البيئى فى جمهورية مصر العربية :
يرجع تلوث البيئة إلى عدة عوامل متداخلة عديدة نذكر منها على سبيل المثال :
1-النمو الضخم فى الصناعات التعدينية و الصناعات التحويلية و ما صاحب ذلك من تزايد كمية المخلفات الصناعية و الأدخنة المتصاعدة من المصانع.
2- التوسع فى إستخدام مصادر الطاقة الملوثة للبيئة فى كافة نواحى الحياة مثل التدفئة والأغراض المنزلية و الخدمات العامة (مياه – كهرباء – صرف صحى ) و المصانع و المناجم ووسائل النقل البرى و البحرى و الجوى ، إلى جانب الأغراض الزراعية فى محطات الرى و الصرف و آلات الزراعة الحديثة .
3-التوسع فى المناجم و المحاجر و غيرها من النظم البيئية المنتجة بدون مراعاة للتوابع التى تصاحب مثل هذا التوسع .
4- التوسع فى تطبيق أساليب الزراعة العلمية الحديثة و الإفراط فى إستخدام الكيماويات الزراعية (مبيدات – أسمدة معدنية – أسمدة ورقية) .
5 -تلوث الصوت الناجم من التوسع فى ميكنة الحياة اليومية للمواطن .
6- تعرض العاملين فى بيئات العمل المختلفة للعديد من الملوثات الضارة بالصحة العامة .
7-التوسع فى إنشاء المفاعلات الذرية بدون الإعداد المسبق لحماية البيئة فى هذه المناطق .
ثانياً : التلوث البيئى فى ج . م . ع :
1- تلوث المياه فى جمهورية مصر العربية :
تعتبر المياه ملوثة إذا كانت تحتوى على نسبة أعلى من المعتاد من المواد المذابة أو العالقة من المواد الغريبة مثل الأملاح ، العناصر المعدنية ، المواد العضوية أو غيرالعضوية أو مواد غذائية
أنواع تلوث المياه ينقسم تلوث المياه الى :
1-تلوث بيولوجى :
و يشمل التلوث الميكروبى و الطفيلى و الحشرات الناقلة للأمراض ، و ينتج من المخلفات الآدمية و الحيوانية .
2-تلوث كيميائى :
و يشمل المواد الكيميائية الناتجة عن عمليات التصنيع و النشاط الزراعى و حركة النقل النهرى .
3- تلوث حرارى :
يقصد به رفع درجة حرارة المياه بالمسطحات المائية عن المعدل الطبيعى ، و ينتج عن صرف مياه ذات درجة حرارة مرتفعة بالمجارى المائية أو نتيجة لإستعمال المياه فى عمليات التبريد.
1- تلوث بواسطة المواد البترولية أو المواد الطافية : مثل الزيوت و الدهون و الرغوة.
2- تلوث بمواد إشعاعية : و تنتج عن صرف المواد الإشعاعية من المصانع أو نتيجة لصرف مخلفات التجارب الذرية و دفن النفايات المشعة ، و نشاط عمليات نقل الوقود النووى .
مصادر تلوث المياه :
يمكن حصر مصادر التلوث تحت ثلاثة مصادر رئيسية هم :
1- صرف مخلفات المدن : و تشمل مياه الصرف الصحى من المنازل و المبانى العامة و المستشفيات . و عادة ما تجمع هذه المياه و يلقى بها فى مجارى الأنهار أو البحار دون معالجة أو بعد معالجة جزئية مما يؤدى إلى ترسب المواد الصلبة و تحلل المواد العضوية ، مما يقلل من نسبة الأكسجين فى الماء و من ثم إبادة الأحياء المائية و إنتشار الروائح الكريهة.
2- صرف مخلفات المصانع السائلة : و عادة ما تحتوى المياه على مواد سامة خطرة يصعب التخلص منها .
3-تلوث ناتج عن المبيدات : التى ترش على المحاصيل الزراعية فينساب بعض منها مع مياه الصرف الى المصارف ، التى قد تصب فى بحيرات أو بحار ، كذلك تلوث مياه الترع و القنوات التى تغسل فيها الآت و معدات الرش .
ويتحكم فى درجة تلوث المياه مجموعة من العوامل المتداخلة و تشمل حمضية أو قلوية المياه ، درجة التخفيف و الخلط و التأثيرات الكيميائية و الحيوية، معدل تدفق المياه، و التأثيرات المتضافرة و المضادة للمواد الملوثة من و على بعضها البعض، و المتطلبات الإقتصادية التى تربط معايير جودة المياه بإستعمالتها مثل تجديد مصادر المياه و الحياة المائية و البرية و الزراعية والصناعيةهذا و تعانى مناطق كثيرة فى جمهورية مصر العربية من مشكلة تلوث المياه خاصة فى المناطق الصناعية . فقد أوضحت دراسة أجريت عن تلوث المياه بمنطقة حلوان الصناعية من خلال إجراء تحليل لعدد 17 عينة من المياه السطحية من نهر النيل و ترعتى الخشاب و الحاجر ، تبين ما يلى :
1-تحتوى المياه على مواد صلبة عالقة بلغت كميتها 3.39 طن / يوم و تراوحت كمية المواد العالقة بين 500 الى 4300 مليجرام / لتر و هى تزيد عن المنسوب الذى حددته منظمة الصحة العالمية عام 1975 و هو 30 مليجرام / لتر .
2- تسود نسبة أكاسيد الحديد فى المواد العالقة حيث تمثل 74.4 % من إجمالى نسبة المواد العالقة ، و ذلك لأنها تمثل الجزء الرئيسى من مواد الهيماتيت الخام المستخدمة فى الصناعات الثقيلة .
3-الأملاح الذائبة و تشمل إيونات ذائبة قاعدية من الصوديوم ، البوتاسيوم ، الكالسيوم ، الماغنسيوم . و بصفة عامة ترتفع نسبة الصوديوم . و هذا مؤشر لزيادة نسبة ملوحة المياه ، مما يؤدى إلى أضرار جسيمة للحياة بالمنطقة خاصة المحاصيل الزراعية و الثروة الحيوانية ، أما الإيونات الذائبة الحامضية فتشمل الكلوريد و البيكربونات و الكبريتيت . و قد إرتفعت نسبها ، و تتراوح كمية الأملاح الذائبة بين 430 الى 2860 جزء / مليون .
4- تتكون المعادن الثقيلة من الرصاص ، الحديد ، الزنك ، المنجنيز ، النحاس و أوضحت الدراسة وجود نسبة من الرصاص تراوحت بين 0.09 إلى 0.2 جزء / مليون و هذا مؤشر خطير ، فعنصر الرصاص عنصر سام له أخطار عديدة .
وترجع الزيادة الواضحة فى نسبة التلوث فى المياه فى منطقة حلوان الصناعية للأسباب التالية :
1- النمو الضخم للعديد من الصناعات الاستراتيجية والتحويلية فى مدينةحلوان،وما إرتبط بها من زيادة واضحة فى كمية المخلفات الصناعية و المواد السائلة التى تنصرف من المصانع إلى نهر النيل و الترع .
2-الزيادة الواضحة فى إستخدام الوقود الحفرى بأنواعه المختلفة كقوى محركة فى المصانع و وسائل النقل و الأغراض الزراعية .
3-إستخدام الأسمدة الكيميائية و المبيدات الحشرية فى الأراضى الزراعية.
4- إرتفاع نسبة ثانى أكسيد الكبريت و الرصاص فى الهواء ، و المنبعثة من المصانع وعوادم السيارات و التى تؤدى إلى تلوث مياه الأمطار .
هذا و تعانى البحيرات الشمالية فى مصر من إرتفاع نسب التلوث فى مياهها وخير مثال على ذلك حالة التدهور الخطرة التى تعانى منها مياه بحيرة مريوط منذ السبعينات و حتى الآن ، حيث أدت إرتفاع نسب التلوث فى مياه البحيرة إلى قتل الحياة بصفة شبه كاملة فى مساحات كبيرة منها ، و ذلك بسبب الكميات الهائلة من مياه الصرف الصحى و الصناعى التى تلقى فى البحيرة و التى تصل إلى 750 ألف متر مكعب يومياً تصل من عدة مصارف . و قد نتج عن ذلك إختفاء عدة أنواع من الأسماك و الحيوانات الآخرى . و يرى البعض أنه لايمكن أن نتصور أن مشكلة هذه البحيرة ستجد حلاً جذرياً الا إذا تم التصرف فى الكم الهائل من مخلفات الصرف الصحى العضوية و مخلفات 120 مصنعاً كيماوياً تلقى فى مياه البحيرة .
أما بحيرة البرلس فقد قررت أكاديمية البحث العلمى عام 1985 أن تركيز مبيد اللندين و ال د. د. ت فى عينات من أسماك بحيرة البرلس كانت فى المتوسط 70 – 270 وحدة فى البليون . و لهذا آثاره الخطيرة على إختفاء عدة أنواع من الأسماك من البحيرة ، و إنخفاض إنتاجيتها إلى جانب خطورة تلوث الأسماك فى البحيرة وإانتقال هذا التلوث إلى الإنسان .
2– تلوث التربة :
أدى إستعمال المخصبات الكيميائية و المبيدات الحشرية إلى تلوث التربة بنسب متفاوتة خلال العقدين الأخيرين. و نتج عن إستعمال المخصبات الكيماوية و المبيدات زيادة كبيرة فى المحصول جعلتنا نغض الطرف عن الآثار الجانبية لإستعمال هذه المواد و التى تزايد أثرها مع مرور الزمن فأصبحت تشكل حالياً مشكلة كبرى فى كثير من البلدان ، ففقدت التربة بعض توازنها العضوى و الغير عضوى ، كما قضت المبيدات على كافة الحشرات النافعة و الضارة على حد سواء . و مما لاشك فيه أن جزءاً من هذه المواد العضوية أو الغير عضوية المعقدة التركيب يجد طريقه إلى النبات ثم إلى الحيوان و الطيور ، و من ثم إلى جسم الإنسان أو مياه المصارف ، و يدخل فى دورة آخرى نهايتها جسم الانسان .
لقد أصبح الريف المصرى يواجه تزايداً فى تلوث بيئته من جراء التوسع فى إستخدام الأسمدة الكيماوية و المبيدات الحشرية. مع التوسع فى إستخدام الطائرات لمكافحة الآفات و تلوث الماء و الهواء بهذه المبيدات السامة ، يذكر تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن 375 ألف حالة تسمم بهذه المبيدات الكيميائية و لاسيما الفوسفورية تحدث كل عام فى الدول النامية ، و فى مصر نستهلك سنوياً ما يقرب من عشرين ألف من الآطنان من المبيدات فى السنوات شديدة الإصابة بالآفات تسهم إلى حد كبير فى تلوث البيئة و تسبب للإنسان أضراراً جسيمة و أمراضاً قاتلة بالإضافة إلى تسمم الحيوانات ففى قرية قطور قضت المبيدات الفوسفورية على الآف من الماشية و الحيوانات نتيجة الرش بالطائرات ، و تعانى الأسماك كالسالمون و القشريات كالجمبرى و الطيور كالسمان و أبى قردان من مشكلة التسمم بالمبيدات فقد قاربت طيور أبى قردان على الإختفاء على الرغم من أهميتها فى القضاء على ديدان القطن.
وتتمثل خطورة المبيدات الحشرية فى بقاء أثرها فى التربة لمدة قد تطول إلى آثنى عشر عاماً ، و تنتقل هذه الآثار إلى بذور الكثير من النباتات كالشعير و القمح و البرسيم و فول الصويا و العديد من الخضروات و خاصة الجزر .
وفى دراسة تمت على 14 نوع من المحاصيل الزراعية بعدد 40 عينة على مدار عام 1990 عن تراكم الملوثات خلال النظم البيئية الثلاث الماء و التربة و النبات ، إتضح أن محصول البصل و هو من أهم مكونات الطعام المصرى يختزن عنصر الرصاص الضار جدا ً بالصحة كذلك عنصر الزنك . أما بالنسبة لعنصر المنجنيز ففى دراسة عن نبات الخس كانت النسبة القصوى لمحتوى نسبة المنجنيز 5430 جزء / المليون إستطاع النبات مقاومة 1940 جزء / المليون و النسبة الباقية تم تركيزها فى النبات و بالتالى كان المحتوى الآقصى للمنجنيز فى جذور النبات 3660 جزء / المليون .
وثبت من الدراسة أن زيادة نسبة المنجنيز فى التربة يؤثر فى النبات من حيث نقص النمو و إصفرار فى لون الأوراق ، و نقص نسبة الحديد فى الأوراق و ظهور بقع عليها.
تابع الجزء الثاني من التلوث البيئى فى جمهورية مصر العربية وأثره على الإقتصاد القومى
أعدته للنشر علي الموقع
د/ ليلي عبد الله
مدير إدارة البحوث والدراسات الإقتصادية
ساحة النقاش