روتس وأنطونيو.. وتويتر

الإدارة | مايو 30، 2011 | التعليقات: 2

زهراء بسام

في موقفٍ مهيبٍ كانت الكلمة فيه مدادها الدماء, وقف “بروتس” يخطب في شعب روما الهائج الغاضب من مقتل ملكه “يوليوس قيصر” على يد مؤدبه وخطيبهم “بروتس”.

اعتلى “المربى الحكيم”  المنبر, واستأذن الجماهير الغاضبة في كلمة يدفع بها عن نفسه تهمة “القتل”, وارتجل “قاتل القيصر” خطبته التي ما أنهاها حتى صار الشعب اللاهج بلعنه مسبّحًا بحمده, معلنًا إيَّاه ملكًا وقيصرًا جديدًا!

على مقربة من بروتس كان “أنطونيو” – صديق القيصر والطامع في الحكم من بعده – يتابع ما آلت إليه الأمور, وبطبيعة الحال لم يرضه ما ذهبت إليه “جماهير” روما, فاستأذن “العسكري المخضرم” في خطاب تأبين  كانت المشاعر فيه هي سلاحه الأول حتى انتهى بـ”الشعب”  تائهًا بين الخطابين, مشتَّتًا  بين “منطقيَّة” بروتس و”عاطفيَّة” أنطونيو.

ربّما لم يكن شكسبير ذاته وهو يكتب هذا المشهد الروائي يُفكر في أنه يحتمل ذلك الذي حُمّل به, لكن الحقيقة أنَّ ما انطبق على شعب روما من “تشتيت” و”حيرة” هو مشهد عالم السياسة وآلتها الإعلاميَّة كل وقت وحين, لا سيما في لحظات الأمم الفارقة, تلك التي يغلب عليها طابع الحيرة والتشتت والفراغ الفكري.

***

ما فعله “المنبر والبيان” تحديدًا في المشهد الروماني أنَّه نقل “الجماهير الغاضبة” من حدّية بياض الحق وسواد الباطل  إلى حيرة “الرمادي”.. ومتى بدأت الأمور بالحيرة صار من السهل التحكم في النهايات.

والمتابع لعالم السياسة وآلته الإعلامية لن يجده مختلفًا كثيرًا عن مشهد روما, إعلامٌ يبدأ بالتشكيك وينتهي بالحيرة وانعدام الثقة, تحكمه في هذا مجموعة متراكبة من العوامل, تبدأ ولا تنتهي بحسابات الربح والخسارة.

فيقدّم الخبر ونقيضه, ويدفع بهذا لمواجهة ذاك, ويتبنَّى من يشكك ثم يشكك فيمن تبنَّاه, هكذا في دائرة مفرغة لا تنتهي, ككرة الخيط لا يُعرف أين أولها من آخرها, لكن الثابت الوحيد فيها أنه كلما زادت خيوطها كلما أُثقلت الجيوب وامتلأت خزائن البنوك.

وليس بالإمكان هنا أنْ نُفرّق في كثيرٍ بين إعلام ما “قبل” الثورة وما “بعدها”, ذلك أنَّ السياسة الحاكمة للإعلام في الحالين لم تخرج عن نطاق المصالح, وهذه لن يختلف مضمونها, ربما يتغير الشكل على حسب ما يقتضيه الظرف والحال لكن هذا التغيير لا يعدو أن يكون حمايةً للجوهر وليس بالضرورة تصحيحًا له.

***

لكن على الضفة الأخرى من النهر الإعلامي المُتدفق, نجد أنَّ هناك ما جدّ على مشهده, وأخذ دوره على استحياء, ثم ما لبث أنْ صَنَعَ بطولة رئيسيَّة ومازال؛ إنَّه “تويتر”, أو هو الرمز المعبر عن الإعلام الجديد الذي كان أحد أهم مخرجاته “المواطن الصحفي”, و”نُخب العالم الافتراضي”, و”ثورات العالم العربي” كأحد أهم أسبابها.

إنَّ ما استطاعت أنْ تفعله مواقع التواصل الاجتماعي أنَّها لَعِبَت دورًا إعلاميًّا موازيًا أو بديلاً عن ذلك الإعلام الأيديولوجي الموجَّه, فخلقت لنفسها واقعًا جديدًا فَرَضَ نفسه على الإعلام التقليدي, وذلك بما أوجدته من دوائر تأثير وفاعليَّة وحِراكٍ شعبويٍّ نخبويٍّ في الوقت ذاته, واستطاعت أن تتحلَّل – نظرًا لطبيعة ملكيّتها ومستخدميها – من تعقيدات المصالح وتجاذبات السياسة, فصار المحكم فيها بالأساس – كما هو مفترض – “الفكرة”, فـ”حالة” الفيسبوك تحمل معها خلفيَّة كاتبها الثقافيَّة والفكريَّة والاجتماعيَّة وحتى الاقتصاديَّة, لكنها لا تحمل المصلحة بمعناها المادي, فيكون مدار الرأي هو مجموع هذه الأبعاد – وعليها يكون الاختلاف والاتفاق – وليس بُعدًا ماديًّا واحدًا هو المتحكم كما هو الحال في معظم أدوات الإعلام التقليدي.

أيضًا نستطيع أنْ نلمح بُعدًا هامًا أفرزه الإعلام الجديد بأدواته المختلفة, هو أنَّ الجماهير هي من اختارت نخبتها – على عكس ما هو كائن في الإعلام التقليدي – وتقلَّصت تلك الفجوة التي نجدها في الواقع ما بين “معظم” النخبة والجماهير.. فإمَّا أنَّها أوجَدَت وجوهًا جديدة تمامًا – ونستطيع أنْ نلمس هذا بوضوح خلال الثورة – أو أنَّها أَبْقَت على من اختارته من القديم كدلالة على الإرادة الشعبية وقدرتها على التحكم في الأمور والمشاركة في صنع دوائر التأثير.

لكن هذا لا ينفي أو ينهي تلك الحالة المرضية التي يشهدها التناول الإعلامي لقضايا الوطن, فمازال الإعلام الجديد لم يرقَ بعد إلى حدّ الاستخدام المنظّم الذي يخدم الأفكار والأهداف بشكلٍ منهجي يجعل منه “رمانة الميزان” في ظل حالة الاستقطاب الشديدة التي تشهدها الساحة الإعلاميَّة المصريَّة, وهنا تبرز الإرادة الجمعيَّة ودور منظمات المجتمع المدني والمبادرات الشبابيَّة في مواجهة حالة الاستقطاب والتراشق تلك, فإذا اتفقنا على أنَّ عمليَّة “صناعة الوعي” هي أخطر ما يمكن أن يواجهه مجتمع في مرحلة تطهير وبناء, فليس أسوأ من الإعلام الموجَّه لتولّي هذه المهمة, فالإعلام الحالي – في معظمه – نتاج النظام السابق “بثقافته” وليس بالضرورة سياسته.

لذا فإنَّ تحمل المسئوليَّة “الفرديَّة” في هذه المرحلة وإيجاد واستثمار مساحات إعلاميَّة جديدة موازيَة أو بديلة لذلك الإعلام الموجه, وتوسيع دائرة تأثيرها لتتحرك بين العامة بمختلف طبقاتهم وخلفيَّاتهم الثقافيَّة ومدّ جسور الثقة بين أطياف المجتمع المتباينة والبحث عن المشترك والمتفق عليه؛ أمرٌ ضروريّ إنْ لم يكن من أهم ما يواجه المهتمين بالشأن العام, حتى لا نجد أنفسنا بصدد مشهد شكسبيري جديد؛ نفاجأ به عند صندوق الانتخابات!

المصدر: يقظه الفكر
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 105 مشاهدة
نشرت فى 2 يونيو 2011 بواسطة RawdaParadise

ساحة النقاش

bassant

RawdaParadise
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,148