لِقَاء الرَّحِيل
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
ذَاتَ يَوْمٍ ، اِحْتَضَن الْأَبُ ابْنَتَهُ ، أَحَسّ أَنَّهُ قَدْ يُوشِك عَلَى الرَّحِيلِ فِى مَا يَتْرُكُ فِيهِ ابْنَتَه ، أوصاها جَيِّدًا، بِأَن تعتنى بِنَفْسِهَا وَتُحَافِظُ عَلَى الْعَادَات ، وَالْقَيِّم الرُّوحِيَّة الْجَمِيلَة الَّتِى رَبَّاهَا عَلَيْهَا وَأنْ ، لَا تَثِقُ بِأَحَد ، مَالَم تَعْرِفُه جَيِّدًا ، حَتَّى لَا تنخدع بِالْعَالِم الخارجى الَّذِى يُوجَدُ فِيهِ طُرُقٌ مُلْتَوِيَة ، لَا تُعْرَفُ أَيْن تَنْتَهِى نِهَايَتِها ، كَثُرَ الْفَسَادُ وَانْتَشَر ، وانعدم كُلِّ شَى جَمِيل كَانَ بَيْنَنَا ، الثِّقَة بَاتَت مَعْدُومَةٌ فِى كُلِّ شَى ، أَصْبَحْت الْحَقِيقَة مَجْهُولَة ، وكأننا فِى وَسَطِ الطَّرِيقِ ، لَا نَعْرِفُ أَنْصَل لِلنِّهَايَة ، أَمْ يَتَوَقَّفُ بِنَا الزَّمَن ، نبقى عَلَى حَالُنَا ، وكأننا لَم نتغير مِنْ جَدِيدٍ ، بَل يُتَوَقَّع أَشْيَاء ، قَدْ تَحْدُثُ يَطُولُ شَرْحُهَا وَهُوَ بَيْنَ زراعى ابْنَتَه يُوقِظُها بِالْأَشْيَاء الَّتِى تُدَار حَوْلَهَا ، حِين تتوفاه الْمُنْيَة ، تنسط لِأَبِيهَا ودموعها مازالَت تَتَسَاقَط مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهَا وَتَقُول لِأَبِيهَا ، أَطَالَ اللَّهُ عُمُرَكَ يَا أَبِى فَأَنْتَ مِنْ علمتنى ، كَيْفَ تَكُونُ الْحَيَاة ، علمتنى أَيْضًا ، كَيْف أَخْفَض صوتى وَلَا يَعْلُو عَلَى أَحَدٍ ، علمتنى قَيِّم الْحَيَاة الْجَمِيلَة ، علمتنى ، كَيْف أَصُون نَفْسِى ، وأصون كرامتى، فَالْمَرْأَة يَا أَبِى ، إنْ لَمْ تُصَان نَفْسِهَا وكرامتها ، لَا تَنْطَبِقُ عَلَيْهَا كَلِمَة امْرَأَة ، لاَ تُقْلِقْ يَا أَبِى ، وَدّعَك بِمَا تَفَكَّر فِى الرَّحِيل ، لَا تَبْكِ يَا أَبِى ، دموعى أَهْوَن عَلِيًّا مِنْ أَرَى نَبَرَات الْحُزْن ، وَالْأَلَم الَّذِى بَيْنَ عَيْنَيْك ، لَا تَبْتَعِد عَنَى يَا أَبِى ، قَال مَقُولَتِه لَقَد اِقْتَرَب أَجْلَى يَا ابنتى وَلَمْ يُعِدْ لِى فِى الْعُمْر بَقِيَّة ، فايقنت نَفْسِى وَعَزَمْت ، أَنْ أُذَكِّرَكَ بِمَا هُوَ قَدْ يَكُونُ بَعْدَ وفاتى ، لَم تتحكم فِى دُمُوعُهَا فاحتضنت أَبِيهَا ، وَقَد شَعَرْت أَنَّهُ أَخَّرَ لِقَاء يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ، نَظَرَ إلَيْهَا وَبَدَأ يُجَفِّف دُمُوعُهَا بِيَدِه أَيْقَنْت الِابْنَة ، أَنَّهُ لَا يُوجَدُ حَنَانٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بَعْدَ حَنَانٍ أَبِيهَا وَخَوْفِه الشَّدِيد عَلَيْهَا ، قَالَتْ لَهُ لَمْ أَتَذْكُر أمى ، عِنْدَمَا رَحَلْت عَنَّا وتوفاها اللَّه ، لَقَدْ كُنْتُ صَغِيرَةً عَلَى اسْتِيعَابِ الْأَشْيَاء ، وَلَم أَتَذْكُر مِنْهَا شَى ، كُنْت لِى أَبَا ، وَأَمَّا وَكُلّ شَى لِى فِى الْحَيَاة ، كَيْف تتركنى وترحل بَعِيدًا عَنَى ، لَيْسَ لِى بَعْدَك أحداً يَعْتَنِى بِى قَالَ لَهَا ، حَفِظَك اللَّهُ يَا ابنتى ، لَا تقلقى مِن شَى يخيفك ، اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَكَفِّلٌ بِعِبَادَه إلَى ، أنْ تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَعَزَم النِّيَّة لِلَّه ، فَاضَت رُوحَه لخالقها ، صَرَخَت ابْنَتَه ، وتألمت كَثِيرًا عَلَى فِرَاقِ أَبِيهَا ، بَدَأَت تَفَكَّر جَيِّدًا فِى الْكَلِمَاتُ الَّتِى ذَكَرَهَا بِهَا أَبِيهَا قَبْلَ مَوْتِهِ إلَّا ، وَهُو الْحُفَّاظُ عَلَى الْعَهْدِ الَّذِى كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ قَبْلَ رَحِيلِهِ ، وَمَا زَالَ خَيَالٌ الْكَاتِب يُفِيض بِمَا فِيهِ مِنْ جَمَالٍ ؟
بِقَلَم / الْأَدِيب وَالْكَاتِب الصحفى
أَحْمَدَ مُحَمَّدُ عَبْدُ الْوَهَّابِ
مِصْر 🇪🇬 المنيا /مغاغه
بِتَارِيخ 4/8/2021