يجمع المختصون في الصيد البحري على أن الجزائر مقبلة على نفاد مخزونها البحري بفعل تقلص الإنتاج بـ314 ألف طن في ظرف 30 سنة، والذي يعود بالدرجة الأولى إلى الاستنزاف غير العقلاني للثـروة السمكية في بلادنا، وأكد هؤلاء أنه لو يستمر الوضع على هذه الوتيرة سيزول السردين والجمبري بنوعيه و''الروجي'' من موائد الجزائريين بسبب انقراضها.
جمعية حرفيي الصيد لولاية تيبازة تحذر
الاستنزاف المتواصل للثـروة السمكية لن يتم تعويضه بسهولة
قال رئيس جمعية حرفيي الصيد لولاية تيبازة وأحد قدماء ملاك السفن، محمد ميمون الجزائر تطل على بحر شبه مغلق تعيش فيه ثـروة سمكية محدودة، كما أن الاستنزاف المتواصل لهذه الثـروة، لن يتم تعويضه بسهولة، لأن تكاثـر الأسماك يتطلب سنوات، كما يبقى هذا الحوض تحت تأثير شتى أنواع الملوثات التي يطلقها ملايين من السكان المقيمون على ضفافه.
ووصف السيد محمد ميمون، الوضعية التي يعرفها قطاع الصيد البحري بالخطيرة جدا، لأسباب عديدة تتعلق أساسا بغياب نظام صيد يحدد أوقات الاستغلال، حيث نجد أن جميع الدول المتوسطية تفرض على الصيادين الإبحار لمدة لا تزيد عن 12 ساعة خلال 24 ساعة، وهو غير معمول عندنا.
ويذكر محدثنا أن جميع الشعارات التي رفعت من طرف الرسميين، والتي تحدثت عن تشجيع الصيد في أعالي البحار والصيد الصناعي وغيرها، بعيدة عن الواقع لأن المتوسط لا يصلح لهذا النوع من الصيد، ما عدا فترة شهرين في السنة خاصة بصيد التونة الحمراء وبعض الأنواع المهاجرة. وفي الجزائر تبقى أنشطة الصيد مقتصرة بنسبة 98 بالمائة على الصيد الساحلي، ويجب التركيز على هذا الصيد لأنه يشكل العمود الفقري للقطاع عندنا.
مرحلة التراجع والاستنزاف
بدأ تجديد أسطول الصيد البحري سنة 1984 بعد عمليات استيراد سفن الصيد من أوروبا، من أجل رفع الإنتاج الذي لم يكن يتعدى 30 ألف طن خلال السبعينيات بسبب نقض الإمكانيات، ووصل الإنتاج عند منتصف الثمانينيات إلى حوالي 105 آلاف طن، وعند نهاية الثمانينيات بدأت مرحلة التراجع الرهيب، وهي مرحلة الاستنزاف الأكبر للثـروة السمكية في الجزائر. وتجب الإشارة إلى أن القطاع مر بأسوأ مرحلة في تاريخه وهي مرحلة الاستغلال المفرط للثـروة السمكية. وهنا يشير السيد محمد ميمون إلى أن السبب وراء هذه المشكلة هو الجشع وغياب الوعي ''لأن انفلات الوضع سمح للعديد من الدخلاء باكتساب بواخر صيد، واستطاعوا من خلال أموالهم الحصول على رخص واقتنوا سفن صيد هامة، وهذا الصنف من المستثمرين لا تربطهم أي علاقة بالبحر، وكانوا وراء عمليات الاستنزاف الخطير للثـروة طيلة 15 سنة. وبعدها جاءت المرحلة الأخطر، وهي اتفاقيات الشراكة مع بعض البلدان الأجنبية، حيث يقول محدثنا إنه لا توجد دولة على حوض المتوسط سمحت لدولة أخرى بدخول مياهها أو استغلال ثـروتها السمكية في مناطق الصيد الساحلي، ما عدا الدول المطلة على المحيط، وحينما رخص لبواخر أجنبية، فإنها كانت وراء عمليات استنزاف غير مسبوق لأنواع نادرة من الجمبري بكل أحجامه وألوانه، حيث لم تتقيد تلك البواخر بالنظام المفروض في الضفة الشمالية من المتوسط، وقلصت هذا النوع بشكل مخيف، والآن يمكن القول إنه ما بين 1970 و2012 تراجع إنتاج الجمبري بنسبة 90 بالمائة.
مخطط الإنعاش جاء متأخرا
يقول رئيس جمعية حرفيي الصيد لولاية تيبازة أن برنامج إنعاش القطاع جاء بعيدا عن الواقع، ففي الوقت الذي قلصت فيه جميع الدول المتوسطية أساطيل الصيد بالنظر إلى تقلص الثـروة بهذا الحوض، فإن القائمين على القطاع أغرقوا الموانئ بأعداد من السفن دون أن يعتمدوا على دراسات حقيقة لحجم ثـروتنا.
ويذكر محدثنا قيام مكتب دراسات فرنسي مشهور عالميا ''إفرومار'' ما بين سنتي 1982 و1984 بدراسة علمية للساحل الجزائري، وقدر حجم الثـروة السمكية به في حدود 360 ألف طن، 80 بالمائة منه سمك أزرق، وقدر ذات المكتب، الكمية التي يمكن استغلالها سنويا ما بين 100 و120 ألف طن في السنة، ورغم مرور أكثـر من عقدين وتقلص الثـروة، مازال المسؤولون يتحدثون عن أرقام غير واقعية ويشيرون إلى أن المخزون يفوق 500 ألف طن؟ وتقترح الجمعية إعادة توزيع أسطول الصيد البحري وتنظيم الإبحار واعتماد التخصص ومنع الإبحار في وقت واحد تفاديا لتداخل عمل السفن، من خلال منع إبحار السفن الجرارة ليلا أثناء وقت عمل سفن صيد السردين، كما ينبغي تشجيع الطرق التقليدية في صيد التونة من خلال تدعيم سفن الشباب وإعانتهم على صيد الأنواع المهاجرة لتخفيف تمركزهم بالمناطق الساحلية.
رئيس اللجنة الوطنية للصيد البحري لـ''الخبر''
إنتاج السمك بالجزائر تراجع ب314 ألف طن في ظرف 30 سنة
ثروة المرجان تتعرض لنهب حقيقي عن طريق ''مافيا الكركرة''
حذر رئيس اللجنة الوطنية للصيد البحري، حسين بلوط، من عواقب تراجع الإنتاج الوطني للثـروة السمكية الذي بلغ 73 ألف طن بعد أن كانت أزيد من 300 ألف طن في الثمانينيات، محملا عصابات تتواطأ مع مسؤولين بمؤسسة تسيير موانئ الصيد البحري للتلاعب بأسعار الأسماك، مؤكدا في حوار مع ''الخبر'' أن القوانين التي سنت لحماية ثـروة المرجان لم تطبق على أرض الواقع، حيث تم تهريب 30 طنا في ظرف 10 سنوات.
لماذا ارتفعت أسعار السمك، خاصة السردين الذي كان يعد وجبة ''الزوالي''؟
الإجابة على هذا السؤال تحتاج لوقت طويل بحكم تشعب الأسباب.. ليعلم الجميع أن الإنتاج الوطني للأسماك تراجع كثيرا خلال السنوات الأخيرة، ففي الثمانينيات كان الإنتاج الوطني في حدود 387 ألف طن، لينخفض اليوم إلى 73 ألف طن، وهناك أيضا 11 نوع من الأسماك من بين 194 مهددة بالانقراض كالسردين والجمبري بنوعيه الأحمر والأبيض، الميرلو، الروجي... والسبب هو سوء التسيير وكيفية الصيد، فحاليا هناك خرق واضح للقوانين، فمثلا القانون يمنع الصيد في المنطقة الأولى التي تمتد على طول 3 آلاف ميل بحري انطلاقا من الشاطئ وهي المنطقة التي يبيض فيها السمك، إلا أن هناك بواخر بمحركات قوية بين 800 و1500 حصان تصطاد السمك بهذه المنطقة، ما يؤدي إلى القضاء على هذه الثـروة في مهدها كما يقال، كما أن تسيير القطاع بات معضلة حقيقية خاصة على مستوى مؤسسة تسيير موانئ الصيد البحري.
كيف ذلك؟
مؤسسة تسيير موانئ الصيد البحري التي يفترض أن تكون تبعيتها لوزارة الصيد البحري، هي حاليا تابعة لوزارة النقل، وهو الوضع الذي عقّد الأمور، ودفع بعصابات على كل الجبهات للتحكم في سوق السمك، وبتواطؤ مع مسؤولي هذه المؤسسة يحددون خلالها أسعار السمك مثلما يشاءون دون الخضوع لأي رقابة من أي جهة، بالإضافة إلى نقص الإمكانيات ومحدودية عدد البواخر، وهنا ينبغي الإشارة إلى أن هناك 15 باخرة تنتظر إتمام إنجازها بتركيا بسبب مشاكل مع البنوك وكذا الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب.
هل لمشكل التلوث دور في تراجع الثـروة السمكية ببلادنا؟
الجزائر دولة مصدرة للبترول وتمر عبر سواحلها 120 ألف باخرة، وهناك حاويات تغرق بالبحر وأخرى تترك بقايا هذا الأخير في عرض البحر، بالإضافة إلى الفضلات التي ترمى، والمعطيات الأولية تؤكد أن بقايا سيجارة واحدة تلوث 9 لترات في البحر، ولتر زيت فاسد يعمل على تلويث مساحة تضاهي ملعب كرة قدم في ظرف 24 ساعة فقط، كما أن طنا من البترول يلوث مساحة قدرها 12 كلم مربع، وقضية التلوث تشترك بها 22 دولة مطلة على البحر الأبيض المتوسط، وأثـر عليها بشكل كبير، خاصة وأن البحر الأبيض شبه مغلق، يضاف إلى هذا المشكل ارتفاع نسبة الملوحة التي تعيق حياة الأسماك بالبحر بسبب محطات تصفية مياه البحر، وكذا مشكلة نهب الرمال التي أثـرت بشكل كبير في تقليص مساحة الشواطئ.
هناك أيضا نهب وتهريب لثـروة المرجان؟
للأسف لم يحدث ذلك في أكبر بلد يزخر به، فرغم أن المصالح المختصة حجزت منذ سنة 2000 إلى يومنا هذا 10 أطنان، إلا أن الكمية التي تمكن المهربون من تحويلها إلى الخارج تفوق هذا بثلاثة أضعاف، وهنا يشار إلى أن الكيلو الواحد من المرجان يباع بـ1200 أورو، ورغم صدور قوانين رادعة إلا أن العصابات تقوم اليوم بكل الطرق لصيده مثل ما أصبح يعرف بـ''مافيا الكركرة'' وهي العصا الحديدية التي تمسك بالشباك على شكل صليب، وتعمل هذه الطريقة ليس بصيده فقط بل منعه من النمو مرة أخرى بسبب الأضرار التي تلحقها به، وتشهد مدينة القالة أكبر عملية لوأد المرجان، حيث أصبحت حرفة حتى للعجائز اللواتي اكتشفن أنها تدر أرباحا طائلة، خاصة وأن هذه الولاية يتواجد بها المرجان على السطح أين يسهل صيده مقارنة بالمناطق الأخرى التي يتواجد فيها بأماكن عميقة تصعب فيها عملية الصيد.
طالبوا بحماية الثـروة السمكية وإسناد تسيير الموانئ لوزارة الصيد
52 ألف بحار في إضراب بداية من الشهر المقبل
قررت اللجنة الوطنية لمستخدمي قطاع الصيد البحري شن إضراب وطني لعمال القطاع عبر الموانئ بداية من شهر جويلية المقبل احتجاجا على تردي الظروف المهنية لعمال القطاع، وما لحق بمهنة الصيد البحري من مخاطر نتيجة الصيد العشوائي وعدم احترام فترة الراحة البيولوجية للثـروة السمكية واستعمال المتفجرات في صيد الأسماك.
ويأتي قرار اللجنة بشن إضراب مفتوح لمستخدمي القطاع البالغ عددهم 52 ألف بحار بـ33 ميناء عبر الوطن بعد التحذيرات التي أطلقتها بشأن المشاكل الميدانية التي تهدد مهنة الصيد والضغط لتلبية المطالب المهنية والاجتماعية للصيادين على رأسها إسناد مؤسسات تسيير الموانئ لوزارة الصيد البحري بدلا من وزارة النقل للتنديد بـ''مافيا'' المسمكات والممارسات الخطيرة التي تهدد مهنة الصيد البحري وكذا عدم احترام فترة الراحة البيولوجية والصيد بالمتفجرات وفي المناطق المحرمة، الأمر الذي أدى إلى تراجع كبير في مساحات الصيد خاصة تلك القريبة من الساحل المخصصة لصيد السردين والأسماك واسعة الاستهلاك.
وسبق أن حذرت اللجنة السلطات من تعسف أصحاب السفن في حق الصيادين الذين يقضون لياليهم في البحر فيما لا يحصلون سوى على كميات من السمك، كما فتحت ذات اللجنة النار على مؤسسات تسيير الموانئ التي فتحت المجال أمام المضاربين الذين يغزون الموانئ فجرا لشراء كميات الأسماك المصطادة وإعادة بيعها بأسعار يقومون بتحديدها بشكل ألهب جيوب المواطنين ورفع من أسعار الأسماك في السوق حتى في المدن والقرى القريبة من البحر.
اعدته للنشر : م/ نادية حمد