تدخل السلطة المركزية في تشكيل المجالس المحلية بالتعيين  د.ندى فهد الناصر
    تتطلب اللامركزية أن تكون الوحدة المحلية مدارة بواسطة مجلس محلي منتخب من قبل السكان القاطنين فيها. وفي بعض الحالات عندما يسمح المشرع للسلطة المركزية بالتدخل في تشكيل المجالس المحلية ، فإن هذا الوضع قد لا يحقق المبدأ الانتخابي للمجالس المحلية، وقد يشكل عائقا لتحقيق اللامركزية على المستوى المحلي.
   يتجلى تدخل السلطة المركزية في تشكيل المجالس المحلية في عدة طرق أهمها : التعيين ، إنهاء عضوية المجالس المحلية ، وممارسة السلطة المحلية بدلاً من الهيئات المحلية (سلطة الحلول أو الإحلال)؛ مما قد يضعف اللامركزية. وسيتم الاكتفاء بالحديث عن التعيين، وستأخذ التشريع الأردني كدراسة حالة.
لقد نص المشرع الأردني في قانون البلديات لعام 2015 على أسلوب التعيين لتشكيل أعضاء المجالس المحلية أو البلدية و تشكيل هيئاتها التنفيذية.
أ - تشكيل أعضاء المجالس المحلية : هناك عدة طرق في تشكيل المجالس المحلية نص عليها قانون البلديات لعام 2015 : طريقة الانتخاب، طريقة التعيين، و أسلوب المزج بين الطريقتين السابقتين.
   إن طريقة التعيين هي واحدة من الأساليب المستخدمة من قبل المشرع الأردني لعام 2015. يطبق هذا الأسلوب على المجالس البلدية التي تم إنشاؤها لأول مرة حيث يقوم وزير الشؤون البلدية بتعيين لجنة تقوم مقام المجلس و تمارس صلاحياته ويعين لها رئيساً من بين أعضائها وتعقد اجتماعاتها وتستمر في عملها الى حين انتخاب المجلس في أول انتخابات تجري وفقا لأحكام هذا القانون (المادة 11- ج).
    كما سمح المشرع الأردني للحكومة المركزية بتعيين لجنة بدلاً من المجلس البلدي أو المحلي المنحل قبل إكماله مدته، حيث يعين وزير الشؤون البلدية لجنة مؤقتة للبلدية أو لمنطقة المجلس المحلي على أن تجرى الانتخابات خلال ستة أشهر من تاريخ الحل وإذا لم يتم انتخاب المجلس الجديد خلال هذه المدة يعود المجلس المنحل لممارسة أعماله إلى حين انتهاء مدة دورته السابقة. ( المادة 32 ب- 1).
  وقد تتعارض هاتين المادتين مع المبدأ الانتخابي للمجالس المحلية، و لو بصورة مؤقتة.
   لجأ المشرع الأردني في قانون البلديات لعام 2015 إلى أسلوب المزج بين الانتخاب و التعيين في تشكيل المجالس البلدية بشكل عام ومجلس أمانة عمان الكبرى على وجه الخصوص؛ حيث سمح لوزير الشؤون البلدية بموجب المادة 69 أن يعين، بعد موافقة مجلس الوزراء، عضوين إضافيين في كل مجلس بلدية. وبمجرد التعيين فإن هذين العضوين لهما نفس الحقوق التي يتمتع بها الأعضاء المنتخبين. وبالنسبة لبعض المراقبين، فإن الغرض التشريعي من هذه التسمية هو مساعدة المجلس البلدي من خلال رفده بأعضاء فعالين يتمتعون بقدرات علمية و خبرة و كفاءة في العمل الإداري (2). كما يمكن أن يكون الهدف أيضاً من هذه التسمية هو الحفاظ على التوازن القبلي والعرقي والديني في بعض المناطق التي تسود فيها بعض الفئات (3). إلا أن هذه الحجج واجهت بعض الانتقادات لإضعافها المبدأ الانتخابي للمجالس المحلية، وذلك كما يلي :
• بالرغم من أن هدف المشرع هو زيادة كفاءة المجالس البلدية بإدخال أعضاء مؤهلين ، إلا أنه من الواضح أن هناك ميل لوضع هذه المجالس تحت رقابة السلطة المركزية. في الواقع ، هناك طرق أخرى أكثر فعالية لتحسين مستوى المجالس المحلية : كاشتراط مؤهل علمي لقبول الترشيح لعضوية المجالس المحلية أو الدورات التدريبية للمجالس. وكان يمكن أن ينص المشرع الأردني على الأقل على شروط الخبرة والمؤهلات العلمية التي ينبغي أن يتمتع بها هذين العضوين الإضافيين.
• بالنسبة لحجة التوازن القبلي والعرقي والديني في بعض المناطق، فقد يتم انتقاد فرض المشرع تمثيل أقلية داخل المجلس المحلي بشكل يخالف إرادة السكان المحليين، وذلك في ظل أن الدستور الأردني ضمن المساواة لجميع الأردنيين أمام القانون بصرف النظر عن اختلافاتهم من خلال تكريسه للوحدة الوطنية في مادته السادسة.
   أعطى المشرع الأردني أيضاً صلاحية لمجلس الوزراء -إذا كان عدد المرشحين غير كاف في أي منطقة بلدية أو مجلس محلي - بناء على اقتراح من وزير الشؤون البلدية المستند الى توصية الحاكم الإداري ، بتعيين العدد اللازم من الأعضاء من بين الأشخاص المسجلين في جدول الانتخاب لذلك المجلس أو المجلس المحلي ممن تنطبق عليهم الشروط المطلوبة لأهلية الترشيح. (المادة 46 أ-ب).
    كذلك فإن المشرع الأردني قد خول وزير الشؤون البلدية بعد موافقة مجلس الوزراء - في حالة نقص عدد أعضاء المجلس أو المجلس المحلي عن النصاب القانوني - أن يكمل العدد من بين المرشحين الذين يلونهم بعدد الأصوات فإن لم يتوافر ذلك فمن بين الناخبين الذين يحق لهم الترشح والانتخاب (المادة 32 -ج). ويمكن أن يكون أسلوب التعيين منطقياً عندما يتعلق الأمر بأعضاء المجلس المعينين من قبل السلطة المركزية. ولكن عندما يتم تطبيق هذا الأسلوب على فئة الأعضاء المنتخبين فإن استخدامه غير طبيعي وقد لا يحقق اللامركزية . وحبذا لو لجأ المشرع الأردني إلى النص على إجراء انتخابات جزئية كوسيلة من وسائل ملء المقاعد الشاغرة، فذلك سيكون أفضل ضمانة لتحقيق اللامركزية على المستوى المحلي.
   وشجع القانون الأردني على دخول المرأة في عضوية المجالس البلدية، إلا أن المشرع أضعف المبدأ الانتخابي عندما يكون عدد النساء المرشحات غير كاف لملء المقاعد الشاغرة المخصصة لها، ففي هذه الحالة، سمح لوزير الشؤون البلدية بالتعيين من بين الناخبات اللواتي سجلن في القوائم الانتخابية في حدود النسبة المخصصة (المادة 33 -أ-ب).
   وفي ظل الخصوصية التي تتمتع بها أمانة عمان الكبرى، فقد سمح المشرع للسلطة المركزية بالتدخل في تشكيل هذه الهيئة، فبموجب قانون البلديات لعام 2015 ، يسمي مجلس الوزراء بقرار منه بناء على اقتراح من وزير الشؤون البلدية، ربع أعضاء مجلس الأمانة؛ حيث تنص (المادة 3 ج- 2) : ( يدير أمانة عمان الكبرى مجلس يحدد مجلس الوزراء عدد أعضائه ويتألف من : - أ- رؤساء المجالس المحلية التابعة له على ان يشكلوا (75%) من عدد اعضاء المجلس. ب- يعين مجلس الوزراء العدد الباقي لأعضاء المجلس بناء على تنسيب الوزير). إن إسناد هذه الصلاحية لصالح السلطة المركزية يدل بوضوح على رغبة المشرع في إبقاء العاصمة تحت إشراف الحكومة المركزية.
ب- تعيين أعضاء الهيئة التنفيذية للبلدية:
   تستخدم أيضاً طريقة التعيين في القانون الأردني على مستوى تشكيل الهيئة التنفيذية في البلدية، فقد منح قانون البلديات لعام 2015 حرية واسعة للسلطة المركزية في تعيين رئيس مجلس أمانة عمان الكبرى (أمين)، و ذلك خلافاً لغيره من رؤساء المجالس البلدية. ويتم تعيين أمين أمانة عمان الكبرى -باعتباره رئيس السلطة التنفيذية في مجلس الأمانة -من قبل مجلس الوزراء من بين أعضاء مجلس الأمانة ، و ذلك بناء على اقتراح من وزير الشؤون البلدية (المادة 3).
   بالإضافة لأمين عمان فقد نص المشرع الأردني أيضاً على أسلوب التعيين من قبل السلطة المركزية فيما يتعلق بتعيين المدير التنفيذي؛ حيث يتم تعيين المدير بقرار من وزير الشؤون البلدية بناء على اقتراح المجلس وتنهى خدماته بالطريقة ذاتها (المادة 9- ب)، وباعتبار أن المدير التنفيذي يعين من قبل السلطة المركزية فإنه يستمد سلطة منها؛ مما يجعله متحرراً من كل التأثيرات الانتخابية.
   إن الإفراط في أسلوب التعيين في المحليات من شأنه أن يقوض حرية العمل المحلي؛ حيث يحد ميل المشرع إلى تغليب سلطة الحكومة المركزية على حساب السلطات المحلية من المبادرة الحقيقية للمجالس المحلية أو البلدية في إدارة أمورهم الخاصة؛ لذلك فمن المهم اعتماد المسار الانتخابي لتكريس استقلالية المجالس المحلية أو البلدية؛ لتحقيق اللامركزية المنشودة.
    

المصدر: المصادر : 1) قانون البلديات الأردني رقم 41 لعام 2015 2) نواف كنعان ، القانون الإداري، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان- الأردن ،2002. انظر أيضاً : هاني علي الطهراوي، قانون الادارة المحلية : الحكم المحلي في الأردن و بريطانيا ، دار العلم والثقافة للنشر والتوزيع، عمان- الأردن ، 2004 3) حمدي سليمان القبيلات، مبادئ الإدارة المحلية وتطبيقاتها في المملكة الأردنية الهاشمية، ‎دار وائل للنشر والتوزيع ، عمان- الأردن ، 2010
PLAdminist

موقع الإدارة العامة والمحلية- علم الإدارة العامة بوابة للتنمية والتقدم - يجب الإشارة إلى الموقع والكاتب عند الاقتباس

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 625 مشاهدة
نشرت فى 26 فبراير 2017 بواسطة PLAdminist

عدد زيارات الموقع

809,879

ابحث