جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
عواقب سوء التخطيط
أ. أمل محمد أمين*
أثناء فترة الاستعمار البريطاني للهند، رغبت الحكومة في التخلص من مشكلة انتشار أعداد كبيرة من ثعابين الكوبرا القاتلة في الشوارع، واقترح المسؤولون في ذلك الوقت ما اعتقدوا أنه الحل الأذكى، وهو دفع مكافأة مالية لأي مواطن يقوم بتسليم كوبرا ميتة إلى السلطات. البرنامج الذي أطلق عليه "النقد مقابل الثعابين" كان له مفعول السحر في البداية، وأصبحت الشوارع بالفعل خالية نسبياً من الزواحف السامة، ولكن ذلك الوضع لم يستمر كثيراً، حيث بدأ المواطنون يستوعبون سياسات الحكومة رويداً رويداً وبدأوا في التحايل عليها لينقلب الوضع على نحو درامي لاحظ البريطانيون أن أعداد الكوبرا لا تنتهي، وعندما بدأوا في التحقيق اكتشفوا نتيجة غير متوقعة!
الذي حدث هو أن الهنود بدأوا في تربية أعداد كبيرة من الكوبرا، لكي تستمر في التكاثر، ويقتلون أعداداً منها ويسلمونها إلى الحكومة ويحصلون على المكافأة، ثم يعيدون الكرة مرة أخرى.
على الفور ألغى البريطانيون البرنامج، ولم يجد الهنود الذين يقومون بتربية الكوبرا فائدة من ذلك، ليطلقوها في شوارع دلهي بأعداد ضخمة لم ترها البلاد من قبل. وهكذا أصبحت المشكلة أسوأ بكثير مما كانت عليه في البداية، ولم تقم الحكومة سوى بإهدار أطنان من الأموال في غير موضعها الصحيح تماما.
قصة مؤسفة تدل على أن سوء التخطيط يؤدي إلى عواقب وخيمة..
والواقع يؤكد أنه في أوقات المحن والأزمات يظهر ذكاء الحكومات والقدرة على التعامل مع الضغوط والركود الاقتصادي وتعثر خطط التنمية ..فالأزمة من طبيعتها تهاجم بلا رحمة.. لكن اذا منح الله البعض الحكمة في التعامل مع أوقات الشدة فقد حرم البعض الأخر منها، ومهما حاولت الحكومات التحايل على الشعوب يجد المواطنون دائماً طريقة للتغلب أو التحايل عليها، لتصبح الإجراءات التي اتخذت في الأساس لحل مشكلة هي ذاتها التي تعمق من الأزمة وقد تخرجها عن نطاق السيطرة وفي كثير من الأحيان قد يتسم أداء الحكومة أو إدارة الشركة بالاندفاع حين تحاول مواجهة مشكلة معينة، حيث تقوم على عجل وأحياناً من دون دراسة كافية بفرض سياسة جديدة في خطوة أبلغ توصيف لها هو أنها مثل الشريط اللاصق الرديء الذي لا يصمد أمام اختبار الزمن، أو مثل الصنبور المعطوب الذي تحاول وقف تسرب المياه منه وتسده بإصبعك ليزيد الضغط في مكان آخر، وتتسرب المياه مرة أخرى.
في قطاع الأعمال، يتذاكى أحياناً البعض ويقوم بتقليل الجودة لتوفير التكاليف، دون أن يرهق نفسه في التفكير في وضعه في السوق على المدى الطويل، أو يقوم باختصار فترة التدريب المفترضة لمندوبي المبيعات، ولكن ما الذي سيحدث للمبيعات في نهاية المطاف؟ غالباً لا يرهق نفسه في التفكير بذلك. في السلك الحكومي، عادة ما يتم تعقيد الإجراءات وإطالة أمدها، بحيث لا يتمكن المواطن مثلاً من استخراج رخصة قيادة دون أن يمر على عدة جهات، وهذا من المفترض أنه من أجل الحد من الأخطاء، ولكن ماذا عن السرعة والكفاءة!!
هذا بالتأكيد ليس دعوة للإبقاء على أي وضع سلبي أو عدم مواجهة أي مشكلة، ولكن من أجل تجنب "تأثير الكوبرا" يجب على المسؤولين سواء في الحكومة أو في قطاع الأعمال وضع خطط مرنة يمكنها التعامل بشكل صحيح مع الآثار التي قد تترتب في حال انكفأت قطعة الدومينو الأولى على جارتها.
ربما من القصص المؤسفة التي حدثت في العاصمتين الكولومبية بوجوتا والمكسيكية ميكسكو سيتي، حين حاولت السلطات التخفيف من حدة أزمة المرور من خلال السماح لأصحاب السيارات فقط بقيادة سياراتهم في بضعة أيام من الأسبوع.
وبالفعل تم التحقق من ذلك باستخدام الرقم النهائي المدون على لوحة الترخيص. على سبيل المثال، يسمح فقط لأصحاب السيارات التي يقع الرقم الأخير من الأرقام المدونة على لوحة ترخيصها في النطاق ما بين 1 إلى 4 بالقيادة أيام الإثنين والأربعاء.
كانت النتيجة، أن الأشخاص الذين يضطرون للقيادة كل يوم بدأوا في شراء أكثر من سيارة، بل اضطرت الأسرة التي تتكون من زوج وزوجة يعملان إلى شراء أربع سيارات من أجل أن يتمكنوا من الذهاب إلى عملهما يومياً، لذلك كانت المحصلة النهائية لهذه السياسة: المزيد من الازدحام والمزيد من التلوث.
أخيراً،
إن المجتمع مثل السفينة التي تسير بالجميع اذا لم يكن هناك ثقة بين القبطان وأفراد الفريق والركاب سيحدث بلبلة على سطح السفينة قد تؤدي الى غرقها او توقف الرحلة وفي الحقيقة لا يوجد حل لهذا الوضع سوى أن تدرك كافة الأطراف أنها بحاجة إلى التعاون مع بعضها البعض، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستضمن أن هذه الإجراءات ستحقق النتائج المرجوةـ وإلا فالكل سيغرد منفردا والسيمفونية ستكون نشازا بكل تأكيد.
*كاتبة المقال: رئيس تحرير مجلة الإدارة اليوم
موقع الإدارة العامة والمحلية- علم الإدارة العامة بوابة للتنمية والتقدم -
يجب الإشارة إلى الموقع والكاتب عند الاقتباس