عقلية الوفرة و عقلية الندرة
د.أحمد السيد الدقن
 

  يقول سبحانه وتعالى: "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه" (سورة الملك: آية :١٥).
 

 يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه: "وفي السماء رزقكم وما توعدون* فورب السماء إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون"(سورة الذاريات: أيات 22، 23، لاحظ أن الرزاق ذو القوة المتين هو الذي أقسم)
 

  وروى مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: ( يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ).  الراوي:أبو ذر الغفاري- المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم- الجزء أو الصفحة: 2577- حكم المحدث: صحيح. 

 

 قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام : "هَلُمُّوا إِليَّ. فأَقبَلُوا إليه فجَلَسُوا، فقال: هذا رسولُ ربِّ العالمِينَ؛ جِبريلُ نَفَثَ في رُوعِي : إنَّه لا تَموتُ نفسٌ حتى تسْتكمِلَ رِزْقَهَا وإنْ أبطأَ عليهَا، فاتَّقُوا اللهَ ؛ وأجْمِلُوا في الطَّلَبِ ، ولا يحْمِلَنَّكم اسْتِبْطاءُ الرِّزقِ أن تَأخذُوهُ بِمعصيةِ اللهِ ، فإنَّ اللهَ لا يُنالُ ما عِندَه إلا بِطاعتِه."(الراوي:حذيفة بن اليمان |المحدث:الألباني| المصدر:صحيح الترغيب/ الصفحة:1702 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح) مع التأكيد على السعي إلى الرزق سعيا يرضي الله.
  

 سئل الإمام الحسن البصري عن سر زهده، فقال: علمت أن عملي لن يشتغل به غيري فاشتغلت به وعلمت أن رزقي لن يأخذه غيري فاطمأن قلبي، وعلمت أن الله مطلع علي فاستحيت أن يراني على معصية، وعلمت أن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء ربي(لاحظ تقديم الإمام العمل قبل الإطمئنان إلى الرزق)
 

  وهذا لا يعني الكسل والتواكل،  فنحن مأمورن بالسعي والعمل، لاحظ قوله تعالى "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه"، ولكن قد تختلف عقلية الأفراد عند سعيهم في الحياة وفي عملهم بين نوعين من العقليات، كما يلي:
(عقلية الوفرة. Abundance Thinking)
(عقلية الندرة.Scarcity Thinking)
 هما مفهومان سائدان في حياتنا(ذكرهما د. ستيفن كوفي في كتابه الشهير العادات السبع الأكثر فعالية وكتابه الشهير الأخر العادة الثامنة) وقد يساهما في تغيير حياتنا ومجتمعاتنا للأفضل أو للأسوء.

عقلية الوفرة :
*هي أن تؤمن أن هناك فرصاً تكفي الجميع و خيرًا يكفي الجميع في هذه الدنيا، فلست بحاجة أن تخسر أحداً أو تؤذي أحداً حتى تكسب أنت، فهناك خير يكفي الجميع.


*صاحب عقلية الوفرة يحب الخير لغيره كما يحبه لنفسه.


*صاحب عقلية الوفرة  ذو عقلية جماعية أي يؤمن بأن تحقيق الإنجازات الضخمة يتم من خلال عمل جماعي تتوزع فيه المهام والمناصب على عدة أفراد.


*صاحب عقلية الوفرة شخص هادئ مطمئن يمدح الآخرين ولا يخاف من نجاحاتهم .

*صاحب عقلية الوفرة يشارك الناس نجاحاته وتجاربه ومعارفه وخبراته.

*صاحب عقلية الوفرة يؤمن بأن رزق الله واسع يسع الجميع.


*صاحب عقلية الوفرة يعمل كعضو فعال في فريق العمل ويؤمن بأن الفريق ككل يكسب أو يخسر.

*صاحب عقلية الوفرة متعدد التفكير والاتجاهات وذو أفق واسع.

*صاحب عقلية الوفرة في حالة سلام داخلي ويستمتع الآخرين بالعمل معه وينجزون.

*صاحب عقلية الوفرة يتمنى الخير والتوفيق للجميع ويسعى إلى إلهام الآخرين لكي يكتشفوا قدراتهم ويقدم لهم القدوة الحسنة.


عقلية الندرة:
# هي أن تؤمن أن الخير والفرص محدودة (اللقمة واحدة إما أن تأكلها أنت أو يأتي احد غيرك يأكلها)؛ و لابد أن يكون هناك واحد خسران.  فالحياة كلها صراع و تنافس .

#صاحب عقلية الندرة يسعى إلى الاسئثار بكل شيئ ذو شخصية أنانية أي يتسم بالطمع.

# صاحب عقلية الندرة يخاف أن ينجح الآخرين ويعتبر أن نجاحهم خسارة له وأن خساراتهم مكسب له.
# صاحب عقلية الندرة يخاف أن يمدح الآخرين ويسعى إلى انتقاد الجميع دائما.
# صاحب عقلية الندرة بخيل لا يشارك الآخرين نجاحاته ومعلوماته ومعارفه وخبراته.
# صاحب عقلية الندرة يرى أن الفرص محدودة ولا يأتي غيرها.
#صاحب عقلية الندرة أحادي التقكير والاتجاه وذو أفق ضيق.
#صاحب عقلية الندرة في حالة اضطراب داخلي، يشعر من يعمل معه بتوتر وقلق، فهو يحب العمل بمفرده.
#صاحب عقلية الندرة قد يجد نفسه في موقف الحاسد الذي قد يتمنى زوال نعمة غيره، ونعوذ بالله من ذلك.

والسؤال الأول: أي عقلية يمكن أن تجعلك تعيش بهدوء و طمأنينة و سلام ويمكن أن تسهم في تغيير حياتك ومجتمعك للأفضل؟
الإجابة: (عقلية الوفرة بالتأكيد) فالخير موجود للجميع.

والسؤال الثاني: كيف يمكن أن تجعل عقليتك عقلية الوفرة وليس الندرة؟
الإجابة:
*بالإيمان الراسخ بأن خزائن الله لا تنفد، وبأنه لن يأخذ رزقك غيرك مع السعي والعمل بالطبع.


*بالتحلص من الأنانية ومحاولة الاسئثار على كل شيئ، فلو أخذت أكثر من رزقك فسيضيع منك بأي شكل من الأشكال. 


*بالنظر إلى أصحاب الحرف والمهن المختلفة؛ حيث يوجد سوق أو مكان تجمع للعطارين وآخر لتجار الخضراوت والفواكة وثالث للذهب ورابع للآثاث وخامس لتصليح السيارات وسادس لمحلات تصوير الأوراق والطباعة وسابع للأجهزة الكهربائية وغيرهم وغيرهم، والجميع يرزق من فضله.


* بحب الخير للآخرين والدعاء بالتوفيق للآخرين، فالنوايا الطيبة تجلب لأصحابها الرزق، فمن يكره النعمة لغيره قد تكره النعمة أن تأتي إليه كما قال الإمام محمد متولي الشعراوي رحمه الله.


*بالعمل والاشتغال بالنفس وتهذيبها والانشغال عن النظر الدائم إلى أرزاق الآخرين، فلن تموت نفس قبل أن تستوفي رزقها وأجلها.


*بالتأكد من أنه إذا اجتهدت في أمر ولم تحصل عليه فإما أن الله سيعوضك في نفسك أو أولادك أو كليهما أو أن هذا الأمر لم يكن فيه خير لك.


* بدلا من بذل الجهد الكبير في التنافس على نصيب أكبر من كعكة صغيرة، ابذل نفس الجهد في التعاون على جعل هذه الكعكة كبيرة، وبالتالي سيزيد نصيبك منها تلقائيا.


 وأخيرا وليس آخرا، فعقلية الندرة سر آخر لاضطراب النفس وتأخر المجتمعات، بينما عقلية الوفرة سر آخر لاطمئنان الأفراد ولتقدم والمجتمعات.

   قال الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) الراوي:أنس بن مالك- المحدث:البخاري- المصدر: صحيح البخاري- الجزء أو الصفحة:13- حكم المحدث: صحيح.

المصدر: - القرآن الكريم - كتاب"العادات السبع الأكثر فعالية " ل ستيفن أر. كوفي - مكتبة جرير - الرياض - كتاب"العادة الثامنة" ل ستيفن كوفي - ترجمة د. ياسر العيتي- دار الفكر- دمشق - مركز نورين للتدريب / http://www.norayn.org.sa/training/ - موقع الإسلام سؤال وجواب / https://islamqa.info/ar -الموسوعة الحديثية https://www.dorar.net/hadith/sharh/113915
PLAdminist

موقع الإدارة العامة والمحلية- علم الإدارة العامة بوابة للتنمية والتقدم - يجب الإشارة إلى الموقع والكاتب عند الاقتباس

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 3060 مشاهدة
نشرت فى 20 يوليو 2019 بواسطة PLAdminist

عدد زيارات الموقع

811,904

ابحث