بسم الله الرحمن الرحيم
اتقــوا دمــوع الآبــاء !!
الأسف يكون شديدا عندما تمثل النهايات ذلك الهوان .. وحين تتراخى المكانة تهميشاَ وانحسارا .. حيث التدني بعد العظمة في الشأن والمقدار .. حالة إنكار تستجلب الشفقة مثل جذع نخلة عديم النفع والفائدة .. جذع يرتمي عند قارعة الطريق دون ذلك الثقل في الوزن والمعيار .. تلك المهانة لسند كان يمثل العضد والدعم في المشوار .. تتراجع الأهمية بمعيار فاضح حين يعدم الجذع من يلازمه بالاهتمام .. وقد تشتد المرارة حين تنعدم الأهمية لدرجة أن الجذع لا يجد حتى من يبادره بالإحراق !!.. والعرف في هذا العصر يقول أن الوفاء بمقدار العطاء .. وقد ينضب مخزون العطاء في الإنسان ذات يوم .. وعندها تفقد الأواني قيمتها .. كما تفقد العدة مفعولها .. ثم جزاء الإحسان بالنكران .. أنفس ما زالت تتواجد في سواحل الحياة .. ولكن قد وهنت وضعفت أوصالها .. ونفذ منها مخزون العطاء والإيفـاء .. ورغم كل ذلك فإنها أنفس ما زالت تتوق لأيام الرقص في ضفاف الفراديس .. ولا يستطيع الأبناء أن يجازوا الآباء بالقدر والمقدار .. مهما كانت درجات البذل والتضحيات .. وفي الغالب الأعم يجري مفهوم ذلك المثل الشعبي الذي يقول : ( يأكلونه لحماَ ويرمونه عظماَ !! ) .. وهو المثل الذي يشكل الحقيقة كماَ ونوعاَ .. والأب هو ذلك الإنسان العظيم الذي يضحي بالمقدور وغير المقدور ليخلق الحياة والسعادة لنسله وذريته .. وهو الذي يضم الشمل بحنان ليحضن طفلا عزيزا بين الأضلاع .. ثم يطبع القبلات فوق الجبين .. والأمنيات الغالية تحدوه في الأعماق أن يكبر ذلك الطفل .. ويشب معافياَ دون جروح تخدش الكبرياء .. ودون دموع تتساقط بالويلات .. ودون موت يزور الساحات .. ولكنه حين يتواجد عند سواحل الرحيل وينتظر الدور بعد أن يؤدي الأمانة بإخلاص يجد من يجحد ويجاهر بالإنكار .. ويبخل عليه بقبلة فوق الرأس .. ولو قدم الابن تلك القبلة فوق الرأس إنما يفعل ذلك حياءَ في تواجد الآخرين حتى لا يتهم بالعقوق !! .. وفي الأعماق ذلك النداء الحريص : ( متى يا رب الخلاص !! ) .. ومع الأسف الشديد فإن ذلك المسلك هو سائد في هذا العصر العجيب .. وهو مسلك يجري مع الكثير من الآباء .. فالأب المخلص يفني العمر في العطاء والبناء ,, يبذل دون بخل وإمساك وهو يرجو الحياة للآخرين .. وعندما يأتي دور الآخرين يبخلون ويمسكون .. ويشتكون من غفلة الموت وتأخره عن الميعاد !! .. ويرون حملاَ جاثماَ فوق الصدور .. فشتان بين مجاهد يبني وهو يرجو الحياة للآخرين وبين عاق يبذل على مضض وهو يتمنى الموت لذلك الفدائي العظيم .. ومن الظواهر العجيبة إذا مات الابن فإن الأب يصدق في مشاعره ويكتوي من ويلات الفراغ .. ويرى الفقدان جللاً عظيماَ .. أما إذا مات الأب فالابن قد يجد القليل من الأحزان ثم تتلاشى تلك الأحزان سريعاَ .. فهو يرى الفقدان أمراَ بديهياَ يقبل النسيان .. فلا يلام الأب حين يجاري الفطرة ويعظم الفقدان .. كما لا يلام الابن حين يجاري الأقدار بالرضا .. ولكن يلام الابن حين يتأفف من طول البقاء .. ويشتكي من طول الانتظار !! .. كيف يتأفف وهو يدرك أن الأمر في يد الأقدار وليس في يد الآباء ؟؟.. وكذلك يلام الابن حين يظهر علامات الضيق وعدم الرضا من متواجد قد أطال التواجد بالجوار .. ولو يدري ذلك الابن فإن الإنسان هو مشاعر وأحاسيس .. وأوجع شيء في الوجود أن يتواجد الإنسان ثقلاَ على عاتق الآخرين .. حتى ولو كان الآخرون يمثلون الأبناء .. فذلك الأب المغلوب على أمره قد يحس في أعماقه بتلك المرارة عندما يشاهد علامات التأفف في وجوه الأبناء .. وقد يواري الأمـر ولا يبدي ذلك للعيـان .. والطامة الكبرى حين يجاهر الأبناء بالشكوى والضيق .. وعندها تميل نفوس الآباء شغفاَ نحو ذلك الموت .. ولو كان الأمر متاحاَ حلالاَ لقتل بعض الآباء أنفسهم انتحاراَ من ثقل التأفف والجحود .. والابن البار هو ذلك الحليم الذي يعرف الأفضال .. والذي يبذل الكلمات الطيبة المحببة لتلك النفوس الطيبة .. ويبدي البشاشة والسرور متى ما كان في حضرة الوالدين .. وأية كلمة طيبة من الابن رغم حجمها وقلتها فهي كبيرة لدى الآباء والأمهات .
ـــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش