بسم الله الرحمن الرحيم
ســــفينة الخـــلان !!
الأعين تائهة تلاحق الآفاق .. وتسافر بعيدة في لجة الخيـال .. ثم ترتد خائبة حيث لا تلتقط إلا تـلك المجاهـل من سواحـل العدم .. والبحر على البعـد يمتـد ويتمـدد سعة بعد سعة .. يترامى لمسافات عميقة مبهمة مجهولة العواقب .. والقـلب لا يكتفي بمرارة الأحوال ويتقي الويلات بالصبر والتضحيات .. ولكنه يتمادى في ذلك الوهم الزائـف خـلف الضباب .. وتلك سفينة الخـلان تبحر في بحار الشك والظنون محفوفة باللوم والعتـاب .. تتقدم بحذر شديد وهي تفقد الثقة في سلامة المراسي والنوايا .. والعلم في مدار الغيب حيث لا يعلم أحـد خواتم المشوار .. هل ستعبر المـدى حتى تبلغ يوماَ سواحل الأحبـاب ؟ .. أم ستبقى أبد الدهر مجرد أطياف تلوح بعيدةَ فوق آفـاق السحاب ؟ .. بـل هـي مجرد أحلام تراود الأنفس وتخدع الأعين كماء السراب .. فهي لا تدنو بذلك القدر الذي يطرب القلب إسهاباَ ورقصاَ بالاقتراب .. كما أنها لا ترحل بعيدةَ وتفقد المعالم كلياَ ليدخل القلب في حالة مـن اليأس والاكتئـاب .. إنما هو برزخ بين الشك واليقين حيث ذلك الخيط الرفيع الذي يبكي ويضحك بالاضطراب والفوضى .. وتلك السفينة ما زالت تبدي وتلوح عند الأفـق الأقصى .. وتتجافى سياج الاقتراب والعناق بالقدر الأوفى .. إشارات من الأضواء تخلو من نكهة التلهف والتسارع نحو غايات المنى .. مجرد تلميحات تعني بوادر النوايا الحسنة كما تعني مجرد أسطر في الصفحة الأولى .. فنرى سفينة الأحباب ما زالت تمخر خلف ضباب الشك والظنون .. كما نراها تلوذ بغطاء الحياء لتختبئ وتتوارى .. وتلك ملامح القبطان مجرد طيف يلوح في الخيال ثم يتقي المواجهة بدثار الأسرار .. فلا كاشف يباغت القلب عياناَ ويطرد الهموم من قسوة المشوار .. ولا جديد من علامات توحي للقلب بدنو أضواء النهار .. فإلى متى تحتمي سفينة الظنون والجنون خلف حجاب الأسـوار ؟.. والثقل قد أزعج القلب طويلاَ حيث ضاع العمر في صمت البحار .. والمنى كل المنى أن تكشف النوايا صريحةَ ليهرب القلب بعيداَ عن شواطئ الأسرار .. فتلك علامات جاذبة ونافرة تحير القلوب والأذهان .. ومنتهى الإرباك في سيرة لا تعرف المنتهى والختام .. فتلك سفينة الأحلام نراها تارةَ تلوح لنا بباقات الورود والأزهار والريحان .. ثم تارة أخرى نراها ترفع أعلام الصدود والهجران .. وتلك أعلامها تحذر بأنها سفينة لأهلها من القرصان .. فيدخل القلب في حيرة ويتساءل هل يرتحل عن سواحل الشك أم يبقى طويلاَ في لعبة الخلان .. وتلك حيرة قد طالت ولازمت العمر بقسوة الامتحان .. ومع ذلك فإن الأعين مازالت تلاحق وتراقب في الآفاق سفينة الخلان .. فالقيد لا يعرف لحظة فكاك وتراخي والقلب لا ينتشي بلحظة تخلي ونسيان .
ـــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش