بسم الله الرحمن الرحيم
حتـى فـي عــالم الدهـاء هــم الأفشـــل !!
ليس هنالك في ساحات العرب اليوم ذلك السياسي المحنك القدير الذي يملك العمق في التفكير .. ذلك السياسي الماهر الذي يقدم ويؤخر في المسارات بالقدر الذي يؤهل الأمة والشعوب إلى مراحل متقدمة .. تفقد الساحات العربية ذلك السياسي الذي يملك البعد السابع بالحنكة والشطارة والمهارة حتى يشار بالبنان .. ولكن مع الأسف الشديد فإن الساحات مليئة بالمتسلقين من جدل الأوهام .. الذين يحسبون ظلماَ ضمن مسميات الساسة والسياسيين .. شخصيات في أعدادها كثيرة بكثرة زبد البحار ولكنها متواضعة بالقدر الكبير في مستويات الأداء .. حيث الضحالة في الممارسات السياسية بدرجات تضحك العالم من حولنا .. فهم الضعفاء شأناَ في عوالم السياسة التي عرفت بأهلها .. تلك العوالم التي كانت في الماضي تعج بالفطاحل أصحاب العقول الكبيرة .. أما المتواجدون اليوم في كل الساحات فبالجملة يجلبون الشفقة بالتواضع في التفكير الضحل المبالغ في الضحالة .. مجرد هواة يتبعون الحدس اجتهاداَ بغير ركائز منطقية عقلية سليمة .. ثم يبنون حول الحدس الأساطير من أوهام الذات .. تلك الأوهام التي ترد في خانة ( الفارغة ) .. والتي لا تعني الإصلاح والفائدة الحقيقية للأمم والشعوب بقدر ما هي ممارسات خائبة القصد منها التنافس والتناحر البيني الغبي .. ويمضون جل حياتهم وهم يجتهدون في تسويق تلك الخزعبلات بين شعوبهم .. وأولى خطواتهم في عوالم السياسة تبدأ بأخطاء الخيار والاختيار .. حيث التطفل على مهنة السياسة دون تلك المؤهلات المطلوبة في إنسان السياسة بالحق والحقيقة .. تلك المؤهلات الضرورية بالمعنى السليم .. فهي إن لم تكن أكاديمياَ وخبرة مقرونة بالمهارة العالية يجب أن تكون مقرونة بذكاء فائق .. وإن لم تكن فبشطارة وتجارب عالية مكتسبة بالفطرة النافذة الراسخة في شخصية قوية .. ولكنهم مع الأسف الشديد يفتقدون كل تلك المعالم التي تذكيهم ليكونوا في مهنة السياسة .. تلك المهنة التي تتطلب شخصية قوية عبقرية مبتكرة .. تلك الشخصية الذكية التي ترى في الآفاق ما لا يراه الآخرون من عامة الناس .. واليوم نشاهد في الساحات مهزلة المهنة ومهزلة المواقف السياسية الباهتة .. وكل الممارسات السياسية في عالم اليوم هي ممارسات عادية هابطة المستوى .. لا فرق بينها وبين سياسة ذلك الإنسان العادي الذي يجتهد بالفطرة ليأتي برأي سياسي قد يصيب وقد يخطأ .. وقد يكون الإنسان العادي في رؤية الأمور أشد حكمة من ذلك السياسي العربي الذي يدعي السياسة .. هؤلاء المحسوبين في خانة الساسة شوهوا كثيراَ صورة السياسي في العالم .. تلك الشخصيات والرموز المتسلقة لشجرة السياسة دون المؤهلات الضرورية الهامة .. تلك الشخصيات التي ترى دائماَ الصواب في الصور الخاطئة الكثيرة دون تحليلات منطقية عقلية .. والأخطر في الأمر أن الأغلبية من هؤلاء السياسيين تتمثل في المجتمعات المختلفة بنفس النسخ الممل المتكرر .. وتنتهك نفس مسار الضحالة الذي أصبح معروفاَ عنهم في واقع المجتمعات .. يرسمون أوهاماَ كلها خاطئة مائة في المائة .. ثم يعضون عليها بالنواجذ حتى الرمق الأخير .. تلك الأوهام التي لا تولد من أرحام النبوغ والذكاء .. ولكنها تولد من أذهان الضحالة المفرطة الغبية .. ولا يتوقفون عند حد خلق الأوهام بل يتمادون ليسوقوا تلك الأوهام بين الناس .. والظن منهم أنهم على حق في كل الأحوال .. ويصرون بحماقة الجهل على التمسك بأفكارهم في كل الأحوال فقط من قبيل التنافس .. وليس من قبيل الصاح الذي ينافي الخطأ .. وحتى لو أثبتت الأيام خطأ أفكارهم فإنهم يتمادون في المسار بنفس الإصرار .. ويظنون أن التراجع في مشوار الخطأ يشكل ضعفاً في الذات .. كما أنهم يظنون أن الآخرين يجب أن يركضوا خلف أوهامهم تلك التي تمثل أحلاماَ لديهم .. تلك الأحلام الساقطة التي قد تكون بتلك السطحية المبالغة كماَ ومقداراَ .. وأصبحت سمة الإصرار في المواقف هي السائدة في عالم السياسة عند العرب .. فالكل يظن الصواب في تلك الأوهام التي تعشش في الأذهان .. والأوجع والافزع في الأمر أن هؤلاء البسطاء يعتقدون أنهم محقون مائة في المائة في كل الأحوال والظروف .. ويتخيلون أن الأغلبية من الشعوب تقف بجانبهم .. وتشد من أزرهم .. فنرى أحدهم ينبح طوال العمر ليقول للناس بأن الأغلبية معه في الرؤى .. دون أن يفكر لحظة واحدة في صواب أو عدم صواب حقيقة تلك الأغلبية .. مجرد أبواق فارغة تحلم وتردد للعالم بأن ساحتها مليئة بالمؤيدين والمؤازرين !! .. وعند المحك نجد تلك الساحات تشتكي الوحشة والإنفراد في أغلب الأحيان .. هؤلاء الساسة الذين تعج بهم الساحات اليوم والذين يمثلون شخصيات ورموز مهبطة للآمال .. يجلبون الحسرة في نفوس الأمم والشعوب التي تريد أن تلتحق بركب الحضارات المتقدمة في العالم .. بهمجية شديدة يصوبون الخطأ مليون ومليون مرة وهم يعلمون .. حتى أصبحت سيرتهم هي تلك المقرونة بالإفك والكذب .. وهي السيرة التي شوهت صورة السياسي العربي وأسقطتها في الحضيض .. فأين ذلك السياسي الحقيقي الجاد الذي يوزن الأمور بالعقل والمنطق .. ذلك السياسي الذي ينطلق من حافة الإحصاءات .. فعندما يرى المؤشر لا يفي بالتأييد الكبير يعدل الوضع والمسار بالحكمة والعقل ليكسب المزيد من الأرضيات .. وذلك دون ضجة أو نباح يعادل مهزلة الكلاب كما يحدث في عالم العرب اليوم .. أين ذلك السياسي المحنك الذي يخطط بعقلية الفطاحل الكبار .. ذلك السياسي الذي يربك العالم بمخططاته الذكية العالية .. والذي يتناول القصعة من حيث لا يحتسب الآخرون ؟؟ .. ذلك السياسي الذي تعمل له العقول المخططة المنافسة له في العالم ألف وألف حساب ؟؟ .. أين ذلك السياسي الماهر الذي يراجع النفس عند الإخفاق .. ويقر علناَ للعالم بواقع الحال ثم يملك الشجاعة العالية في تصحيح المسار .. ذلك السياسي الذي لا يتمسك بحماقة الذات عند الإخفاق .. ولا يهتم بساسف الأمور ويقدم المبررات الهمجية السخيفة البليدة حتى يؤكد للعالم بأنه الصحيح أولاَ وأخيراَ ولا أحد سواه !! .. ذلك السياسي الذي لا يصر ولا يلح ولا يعاند للاستمرار في سياسة الأنانية المفرطة .. ذلك السياسي الذي لا يدعي بأن أحكامه وأفكاره ورؤيته هي التي تجب أن تسود الساحات في كل الأحوال .. سواء جانبها الصواب أو جانبها الخطأ .. فتلك ليست بالسياسة ولا علاقة لها بمصطلحات السياسة .. بل هي نزعات فردية موحلة في الأنانية والسطحية .. فالسياسة هي مهارة عالية في تحقيق الممكن المتاح .. ثم الإقرار بواقع الحال والاجتهاد في تحقيق ذلك البعيد الصعب الغير متاح .. وكل ذلك في أطار من النظرة المتعمقة الهادئة .. المحترمة لأفكار ونظريات الآخرين .. وفي إطار الشمولية التي تضع المصلحة العامة فوق كل المصالح .. وليس في إطار النظرة السطحية الأنانية التي تقدم مصلحة الذات على المصلحة العامة .. وتقدم قصة المنازعة والمنافسة في جداول الأولوية .. وبالمختصر المفيد فإن السياسي العربي اليوم هو ذلك الرمز المتوهم في الذات بدرجة عالية من الضحالة والغرور والبساطة .. وهو ذلك الأناني المتمسك بإصرار على أن يكون هو ولا أحد سواه .. وهو الهالك المشوه للمهنة والمهلك للأمم والشعوب .. تلك الشعوب التي تدفع ثمن تواجد هؤلاء الساسة الضعفاء في الساحات .. هؤلاء الذين يورثون الشعوب مرارات الإخفاقات والمعاناة في كل المسارات وفي كل المجتمعات .. والذين يهدرون أوقات الشعوب والأمم في ( فوارغ الأمور ) .
ـــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش