بسم الله الرحمن الرحيم
الانتظـــار !!
كنا نظن الثانية لمحة عاجلة تفقد الصبر .. ( الثانية ) تلك اللمحة الخاطفة التي دائماَ وأبداَ في عجالة .. وحين يقال ألف جزء من الثانية كنا نضحك من طرافة الاستحالة .. وكنا نظن ذلك القول من نسج الخيال .. ولكن مرت علينا مرارة الصبر عندما أثبتت التجربة حقيقة جرأة الثانية .. حين رفض الوقت يوماَ سيرة السباق والتنازل .. وتوقف الزمن بإصرار دون حراك .. مثل ليل امرؤ القيس الذي أبى الرحيل .. وكأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل .. في ذلك اليوم عاند الوقت ليصبح فوق معدلات الحقيقة .. وأجلسنا مجبرين فوق كرسي الامتحان والرهان .. حينها تمثلت اللحظات قاسية قسوة الجمرة في باطن الكف .. تمددت فيها الثواني لتصبح فوق قهر النهار .. وتمددت الدقائق لتكون بطول الأنهار .. وتمددت الساعات لتمثل قروناَ تطأ حقولاً من النار .. وتمدد اليوم ليكون ذاك المستحيل في القدر والمقدار .. وبالمحصلة فقد عشنا حالات من الأبدية في الانتظار .. وصبرنا على أمر أشد من الصبر والنار .. وانتظرنا إهلال هلال أهل بعد ألف عام .. حتى جاء الفرج أخيراَ بمقدم تباشير الأنوار والأضواء .. حيث الأثير ذاك الجدل الذي سبق السيرة في المسار .. وحيث ذاك العبق من طيب عبق من مسيرة ألف عام .. وحيث تلك المواكب لعصافير غردت عند حافة الأنهار .. وحيث أقواس قزح ملئت صفحة السماء .. وحيث بساط الأزهار التي افترشت الأرض تواضعاَ وجمالاَ لتكون تحت وطأة أجمل الخطوات والأقدام .. وتهيأت الروضة بورودها وأزهارها وفراشاتها لاستقبال صاحبة الجمال .. صاحبة الحسن والمحاسن والخصال .. تقدمت العلامات والتباشير بمقدم السعادة والهناء .. وتقدمت سحب السماء تفرض غيوماَ تمنع هجيراَ يعني الشقاء .. والكل يترقب وهناك ما زال البدر خلف الغمام .. واشرأبت الأعين بشغف لتشاهد إطلالة الحسن والمحاسن والجمال .. جاءت لحظة الفرحة الكبرى حين انقشعت فجأة أنوار الإطلالة وكانت هناك أميرة الحسن والجمال .. واكتست الساحة لحظات تجلت بهيبة الصمت والوقار .. تعطلت فيها لغة الكلام لتقوم الأعين بمراسيم السلام .. ومرت اللحظات عزيزة غالية في حضرة الأنوار .. فيها حروف قيلت بأطراف اللسان .. أما القلوب فقد انشغلت في عمقها وتبرأت من حالة الثرثرة والمقال .. وكان العجب العجيب في تلك الساعات التي فقدت هيبتها في حضرة حور الجنان .. فأصبحت قزماَ لا يعادل الثواني في المقدار .. ركضت خلف بعضها وكأنها جزء من الثواني في القيمة والمقدار .. وهربت كأنها تخشى الملاحقة والإمساك .. وكانت الحيرة والعجب في أمر ذلك الوقت .. الذي يجود حين تريد الأنفس منه السفر .. ويمسك حين تريد الأنفس منه العطاء !! .. فيا ليت الثواني عادلت دهراَ حال وجودها ويا ليتها لم تكن أبداَ حال غيابها .. فلما الوقت يفقد الكبرياء والسؤدد في مراحل الانتظار .. ثم يكون ذلك العزيز الغالي النادر في لحظات المعية بأهل الشأن ؟! .. وكأن الساعة تتراجف خوفاَ من هيبة المحاسن فتنكمش وتنزوي لتكون أصغر من الثانية .. وكأن الثانية تفقد الجرأة حال وجودها فلا تغادر الأرحام أبداَ .
ـــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش