بسم الله الرحمن الرحيم
يـا أيهـا الإنســان ؟!!
لا تتوهم كثيراَ بهيبة غير متوفرة .. وتواضع بالقدر الذي يليق بذلك الإنسان القادم من صلب آدم وحواء .. أجلس قليلاَ على بساط الأرض لتعلم في يقينك بأن الأرض هي التي تحملك .. ولست أنت الذي تحمل الأرض فوق رأسك .. ولا تظن أن الأرض سوف تهتز في حال غيابك وعدم تواجدك .. ولو غاب كل ملوك وجبابرة الأرض عن الأرض ما اشتكى الكون لحظة بعله في المدار .. ولو تواضع كل مخلوقات الأرض ما تردد الكون لحظة في المسار .. والإنسان هو الذي يتوهم الشأن بغير شأن .. ويظن أن شأنه هو فوق كل الشأن .. والعلة في الإنسان أنه يفقد تقييم المقادير في هذا الوجود الشاسع .. وعدم الإدراك السليم بأوزان المقادير سمة ملازمة لبني الإنسان .. فهو صاحب الزلات الكبيرة الذي يفقد أسرار الحقائق الكبرى .. وهو ذلك الإنسان الذي لم يقدر الله حق قدره .. ذلك الموبوء بخصال المعاصي .. وما ظهر الفساد في البر والبحر إلا بما كسبت أيد الناس .. يفرض الجدل والجدال محقاَ أو غير محق .. وكان الإنسان أكثر شئ جدلاَ .. وإلزام حمر الوحش بإتباع نمط من الأصول والمبادئ المحقة أهون كثيراَ من إلزام بني البشر .. ولو أشتعل كل ديار الأرض حرباَ وخراباَ ودماراَ وإبادة لا يؤثر ذلك في تعقب الليل والنهار .. ولا يشتكي الكون بالاختلال .. ولكن ذلك شأن يهلك ويبيد ذات الإنسان الذي بيده يوجد الهلاك والخذلان .. دون أن يفقد الكون مثقال ذرة من المكنونات .. وقوة الإنسان في هذا الكون متواضعة بذاك القدر الذي لا يستحق القياس .. ومع ذلك هو ذلك الإنسان الذي نادى في لحظة من اللحظات بأنه العظيم الأعظم الذي له ملك مصر وتجري من تحته الأنهار .. ثم نادى بالإبصار !! .. وهو ذلك الذي حشر ونادى فقال أنا ربكم الأعلى .. مخلوق هو ذلك الضعيف إلى أقصى الدرجات بالمقارنة بالكثير من مخلوقات الله .. ومع ذلك نراه يتكابر ويتعاظم وكأنه يملك هذا الكون !! .. ومن عجائب الأقدار يأتي على الإنسان يوم نراه فيه مجرد كتلة لحم وعظام خامدة لا تملك أمرها .. وتكون خاضعة مستسلمة تحركها أيد الناس كيف تشاء .. حينها لا يقدر على المناكفة أو الجدال أو الإدعاء .. ومهما كان له شأن في هذه الدنيا فيمكن لطفل صغير أن يطمس عينه بإصبع دون أن يقدر على الاعتراض !! .. فإذن هو في حقيقته ذلك الضعيف بذاك القدر الهزيل عند المحك .. ولو علم بتلك الحقيقة لجلس على الأرض متواضعاَ لله .. وما ملأ الكون ضجيجاَ وعراكاَ .. وما تجرأ أن يهلك الحرث والنسل :
وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ
نرى الأحداث تجري .. ونرى فيها فئات تناست النهايات .. وتشبثت بأمور الدنيا وظنت أنها المرام الأول والأخير .. تناست أن هناك مرحلة حساب وعقاب .. تضحك لهم الدنيا ويضحكون لها .. ثم يتآمرون ويتعاضدون من أجل الدنيا الفانية .. ثم يكدون ويجتهدون في محاربة الله ورسوله .. وقد ينتصرون ظناً بعرض من عروض الدنيا ثم يكون عليهم حسرةَ وندامة يوم القيامة .. ولو علموا مرد العقاب في الآخرة لجلسوا وبكوا كثيراَ من المآل .. وما زال فيهم من يتعاظم ويتكبر ويتجبر ثم يجتهد من موقعه ليحارب الله ويحارب العقيدة .. وهو يحسبها هينة .. يجدها منالاَ ومكسباَ في نزاعاته وحروبه لله وللعقيدة .. ولحظة في أعماق جهنم تنسيهم كل مستحقات تلك الفرحة والرقصة التي نالوها في الدنيا وهم يحاربون الله .. فيا حسرةَ على إنسان التيه والضلال .
ــــــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش