بسم الله الرحمن الرحيم
مــركب الصالحين ! .!!!!!!
يوم أن بدأنا الرحلة كانت النفوس هي تلك النبيلة .. الصافية النقية .. والمركب مثلت مركب نوح أخذت في بطنها كل الأجناس .. عرباَ اختلطت بأنسابها منذ مئات السنين .. وأفارقة من شتى المسميات .. هم قالوا نحن أهل الديار أصالة .. ومن أتى علينا هم أخوة أعزاء أتوا بدين هو خير الأديان .. ما كرهناهم لأنهم ما قدموا علينا ليكونوا أصحاب دنيا ومصالح ليدخلوا في مسمى الاستعمار .. إنما قدموا ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور .. ولم يقدموا في ركب المستعمر الذي من شيمته نهب الخيرات .. إنما وجدناهم هم أزهد الناس بالدنيا .. وأبقوا الخيرات لأهلها ليكونوا ضمناَ من نسيج المجتمع .. اختلطوا صهراَ ونسباَ ليكونوا نسيجاَ يشمل المسمى بالمعنى السامي غير ذلك الموصوف من أهل الفرية في هذا العصر .. فصاروا بالصهر أجداداً وخيلاناَ وأعماماَ وآباءَ .. ومن آثارهم علامات الصلاح بالقرآن وبالمساجد وبالخلاوي .. وفي كل شبر من أرض الوطن نجد لهم فضل الهداية حيث وسموا الأمة بصفات الأخلاق الحميدة .
بدأت رحلة المركب والنفوس فيها التقت بكل مودة ومحبة .. وتمازجت المسميات العديدة المختلفة المتعددة في بوتقة أنست الأحقاد وطردت الفوارق .. وأنكرت الألوان .. والشمل بدأ يتماسك عروة بعد عروة وقوةَ بعد قوة .. والجار هو إما هو ذاك أو هو ذاك أو هو ذاك .. والأيدي كانت تؤثر على نفسها لتقدم اللقمة لمن يجاور .. والمائدة الواحدة كانت تجمع ذاك وذاك وذاك .. بغير ألوان ومسميات .. وبغير ألقاب واردة أو مستوردة .. أو نعـوت بحاضر من أهل البلد أو قادم من الخارج .. ومشينا في دروب الوفاق بخطوات هي الواثقة المتوشحة بصفات الكبرياء لإنسان ذلك الوطن .. ولكن في تلك المركب بدأت نفوس تعاني من علل في الأعماق وتشتكي محنة نقص تعاني منها منذ آلاف السنين .. فهي ترى أنها أقل في حجمها رغم أنها تملك نفس الحواس من العقل والأرجل والأيدي .. علة بغيضة كامنة في أعماق نفوس تطفح للسطح من وقت لآخر .. فهي وإن عاشت في أرفع مقامات نعيم الدنيا لا تزال ترى أنها مهضومة الحقوق .. ثم هناك جانب الخباثة المولودة من رحم الأحقاد القديمة .. علة تعجز الحكماء والأطباء .. والمركب ما زالت تجمع الغالبية الصالحة من شتى الألوان .. وما زالت تعاني من أقليات تمثل البيض الفاسد في سلة الصلاح .. والغالبية تتمنى لو أن الخيار كان متاحاَ لتجتاز رحلة التقدم في غياب الصغار من النفوس .. التي تعيق المسيرة فهي مضارها أكبر من نفعها .. وتلك أقلية تمثل الشكوى بحال الكلب الذي إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث .. وما كان في ظننا يوماَ أن يكون في رفقة هؤلاء إلا البلاء والابتلاء ..
وحتى هؤلاء الذين أثروا أن يوجدوا مركباَ لهم خالصة قلنا له خذوها فأخذوها ثم مازالوا يطالبون بالسند خبزاَ وزاداَ .. وهم الذين قالوا نحن على أحوالنا أقدر .. فإذا هم عجزوا في إيجاد اللقمة التي تكفل الحياة فكيف بالمضي قدماَ في رحلة هي للرجال الأوفياء الأذكياء القادرين .. والذين هم لعقود وعقود كانوا يوجدون الحياة لنفوس غير شاكرة للنعم .. ناكرة للجميل .. والدور يأتي لمن يريد .. ونحن أحرص اليوم من أي وقت مضى في تنظيف المركب من عوائق الصغار .. والتي مللنا من التعامل معها بدرجات العقل والحنكة .. وهؤلاء لو كان فيهم الخير لما أنكروا الفضائل ولما بقوا في العالم يمثلون تلك الفئة التي تشتكي حتى قيام الساعة .. فهي في الحقيقة تشتكي من مراحل في عقولها لا تستجيب للحكمة والتفكير .. إنما تعودت منذ الماضي القديم في استخدام العضلات أكثر من استخدام العقل .. وتلك علة نحن غير ملزمين بالصبر على علاجها .. ومحاولة العلاج هي أخرتنا عقوداَ وعقودا عن الأمم التي فاتتنا بمراحل ونحن نعالج علل هؤلاء الذين واكبناهم بالشفقة والرحمة منذ انطلاقة المركب في أعقاب خروج المستعمر . فنتمنى أن نجدها في ميزان الحسنات هناك حيث تبان الحقيقة وتنكشف النوايا .
ــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش