بسم الله الرحمن الرحيم
السكـوت سلاح الأذكيـاء !.!!!!
إذا التقى الإنسان بإنسان لأول مرة فإن الفطرة تبدأ في كشف أغوار ذلك الإنسان .. وتلك العملية يقوم بها العقل الباطني في الإنسان بخطوة لا إرادية .. والعقل يريد أن يكشف أسرار ذلك المتعامل الجديد .. والخطوة الأولى تبدأ حين يوجد العقل شخصية مبهمة تحت المجهر .. وبعد ذلك يجتهد العقل في تحديد الهوية ووضع القياسات اللازمة .. وهنالك علامات كثيرة تساعد في تحديد الملامح ووضع المعايير .. وأخطر العلامات التي تحدد شخصية الإنسان هو ذلك اللسان .. ومقدار الصمت في الإنسان الجديد عادة يوجد حجماً افتراضيا عالياَ يتخطى الحجم الحقيقي .. وكل حرف بعد ذلك يبدأ في إنقاص الحجم حرفاَ بعد حرف حتى يتكشف المقدار الحقيقي لحجم الإنسان تحت المجهر .. ثم تتوقف الحروف بصاحبها عند درجة معينة يوجد معياراَ ثابتاَ يصبح سمة لذلك الإنسان .. وقد تسقط الحروف بصاحبها إلى الحضيض .. كما تسقط الكثير من الهالات الزائفة التي كانت تتوفر قبل الكلام .. فنجد إنساناَ بهيئة عالية توحي بالمقام والمكانة والرفعة فإذا تحدث ذلك الإنسان وقال لسانه يسقط فجأة عن المكانة العالية التي كان عليها ليدخل في خانة التواضع .. حيث يفقد الفكر الصائب ويفقد العمق في الأمور .. ويفقد الفطنة في تناول الكلام .. ويفقد الرشد في الأحكام .. ويكون وزنه عند ذلك وزن ذلك العهن المنفوش !! .. وحينها تتمنى الأنفس لو أن ذلك الإنسان سكت دهراَ ولم يتكلم .
( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ )
وبنفس القدر فإن اللسان قد يرفع من شأن صاحبه .. ويوجد له حجماَ فوق حجمه المرهون في الأذهان .. ولكن هنا نجد الندرة تشكل الظاهرة .. حيث العادة في الغالب الأعم هو التقلص في الأحجام .. فإن أكثر الناس عند الكلام ينكمش حجما في المقام .. وذلك الحجم الحقيقي للإنسان ضروري جداَ في الخيار والاختيار حيث حركة المجتمعات التي تفرض وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب .. وذلك اللسان فرط عجيب للغاية فهو يرفع من شأن البعض ويسقط من شأن البعض .. فكم وكم قرأنا عن صغار من الغلمان تقدموا ليمثلوا الكبار في حضرات الملوك والأمراء ليتحدثوا بأفصح اللسان مما أذهلت العقول وأوجدتهم فوق مقامات الكبار أصحاب الأحجام .. وكم وكم سمعنا عن أناس كانت بهيئة الهوامش وقلة الأوزان أنكرتها الأعين واستصغرتها الأنفس وحين قالت لسانها تعاظمت وتعالت مكانة ورفعة في نظر الآخرين بدرجات تجلب الدهشة !! .. فإذن الإنسان هو ذلك السر العجيب الذي يظل مبهماَ غامضاَ يخفي الاحتمالات حتى يتكلم .. وإذا تكلم يكشف سره ليعطي عنوانه وحجمه للآخرين .. ذلك السر المقدس الذي ينتهي بالسلب أو الإيجاب .. وكان أحد الفلاسفة يردد دائماَ عبارة : ( تكلم يا هـذا حتى أراك !! ) .. فعند الكلام قد يسقط الكبير بالحرف وقد يتعالى الصغير .. فاللسان هو القياس الخطير الذي يعطي العنوان الصحيح لشخصية الإنسان .. وأذكى الأذكياء في أبناء آدم هو ذلك الإنسان الكتوم الذي يلوذ بالصمت في أكثر الأوقات .. فإنه يظل لغزاَ محيراَ يملك المكانة والمهابة والوقار متى ما ألتزم بذلك الصمت .
ــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش