بسم الله الرحمن الرحيم
الربيــع العربـي !!
الربيع فصل يتبع السنة في الغدو والرواح .. تتوق النفوس له لأنه مرحلة تتويج وتكاثر وريح وريحان .. ثم عبق تنافسه الأزهار .. وهو فصل يعنى البداية في مشوار جديد لحياة الكثير من الكائنات الحية والأشجار .. وهو بداية النهاية لماضي مرحلة قد أنجزت بمسبباتها سلباً أو إيجاباً .. أما الربيع العربي فهو فصل مطية مطيعة صبرت السنوات العجاف .. نالت حقها من الكبت .. وضاقت عليها سطوة المقامع .. وأخذ منها الجوع حتى النخاع .. مطية جمحت وخرجت عن الطاعة في يأس شديد .. ثم قالت في نفسها ( علي وعلى الأعداء ) .. والأعداء هنا هم شلة من أبناء الأمة الذين تمكنوا على المقاليد من واقع الحال .. فهم عشيرة نصبوا أنفسهم خصماً بغير خصام .. وما كان يجب أن يكونوا أعداء .. لأن خزائن الأعداء للأمة مليئة وما أكثر الأعداء .. ثم هم ( أي الأعداء ) على خطوات من الأبواب يقفون ويتحدون الأمة لسنوات .. دون أن تنطلق لناحيتهم رصاصة واحدة قاتلة .. ولكن يوم أن خرجت تلك المطيعة الخاضعة عن مقام السمع والطاعة .. عندما طالت عليها السنوات العجاف .. وهانت عليها المقامات وأشتد عليها الجوع والمرض والفاقة .. ويوم أن رفعوا تلك الأيدي البريئة التي لا تحمل إلا الهموم .. انطلقت الملايين من الرصاصات نحو الصدور الطاهرة .. وفجأة فتحت نفوس الجبناء للقتال بضراوة وقسوة .. وأعدت جيوشها وأعلنت الحرب بأوسع أبوابها .. ولكن ضد من !! .. ضد مطية ضعيفة لا تملك في يدها إلا العزيمة بالخلاص .. هناك سقطت الهيبات والمقامات .. فهم حقيقة أسود ضد أقوامها ونعامات ضد أعدائهم .. وتجربة التخاذل والمراوغة في محاربة العدو الجاثم فوق الصدور ليست لسنوات قليلة تحسب بأصابع الكف .. ولكن لسنوات أصبحت طويلة أسقطت كل مبررات التخاذل والتراجع .. وهل كانوا ينتظرون أن يحرروا تلك الأراضي المحتلة عند قيام الساعة !! .. ثم لماذا هانت تلك النفوس الطاهرة البريئة في تلقي الرصاصات .. ثم لماذا أبت تلك الرصاصات أن تنطلق نحو الأعداء .. ولكن الحقيقة المرة أن رجلاً واحداً منهم لم يتجرأ ويخاطر بحياته ويطلق رصاصة نحو الأعداء من أجل الوطن .. واليوم في مواجهة الربيع العربي نجدهم مستعدين أن يخاطروا من أجل كراسي الحكم حتى لآخر رصاصة .. وحتى إذا نجحوا في تحقيق مآربهم فإنهم لا حوله ولا قوة لهم بعد ذلك .. ويصبحون رموزاً باهتةً فاقدة الشرعية والمقام والشرف والكرامة .. وأية كراسي تلك التي يجلس عليها مصاصوا دماء ليحكموا شعوباُ من هياكل عظمية .. البعض منها عند الأضرحة والقبور .. ثم يتوهمون ويريدون أن يكونوا كسابق عهودهم .. هيهات هيهات .. ولقد سقط ماء الوجه لديهم .. وكان الأحرى بهم أن يتعففوا وينالوها معززين مكرمين .. أو يتنازلوا عنها أيضاً مكرمين ومعززين .. وفقط لمجرد أن تكون هناك أصوات تكره الإمامية في المسجد .. وكراسي الحكم حتى ولو كانت مقرونة بمحبة القاعدة هي مسئولية أمام الله .. فكيف وهي مغصوبة وهناك الرفض بإجماع أو بغالبية .. أو حتى وهي مرفوضة من قلة مظلومة .. وعزيز النفس ابن الأصالة لا يرضى لنفسه أن يكون مكروها ثم يفرض الواقع والذات .. فهو عند ذلك رخيص المقام .. مكروه الجبين .. متبوع باللعنات .
ــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسي محمد أحمد
ساحة النقاش