بسم الله الرحمن الرحيم
عـــزة النفـــس !!!
الندرة تورث العزة والمكانة .. والوفرة تورث النفرة وقلة المعيار .. وكثرة التواجد تستجلب الملل .. وقلة التواجد تخلق الأشواق والأمـل .. وقيمة البدر تكون عند اشتداد الظلام .. وما الذهب والألماس إلا لندرة قد علت من شأنها .. ولو تواجدت بالمقدار الوفير لرجمت بها الكلاب .. وغائبة العين تهيم بها العين على أمـل .. وتعيش اللحظات في الانتظار على ملل .. وحاضرة العين على الدوام هي من ضمن الرموش التي لا تحس بها العين إلا عند المنام .. وذلك الطارق المتواجد دون الطلب يفقد حلاوة المذاق بكثرة العناق .. وتكرار النمط بنفس الملامح والألوان يجعل النفوس تمل وتكل وتستبدل الأعلى بالذي هو أدنى .. وعزيز النفس دائماَ هو عزيز كريم السجايا نادر مثل لؤلؤة في بحر الخبايا .. تحن لرؤيته النفوس شغفاَ .. وتشرئب الأعناق للحظة الإطلالة .. ولو تواجد مـرة فتلك مكرمة ورشفة من عمق الفراديس .. ذلك التواجد الذي قد لا يتكرر في المدى القريب .. فندرة أهل العزة غالية وليست كندرة الذهب يعلن عن نفسه عند الإشارة .. والناس معادن في الطبائع والدرجات .. وهنالك من يبذل بسخاء وهو محجوب عن الأعين .. ولا يتواجد بنفس مقدار السخاء .. وذلك العطاء يزيده عزة فوق عزته ومقاماَ فوق مقامه .. فهو ذلك النبيل ابن الأصيل الذي لا يريد أن يجرح أحداَ بالمن والأذى .. ومثل ذلك الإنسان فإن النفوس تتوق لرؤيته لأنه غير مبتذل بالعطاء من اجل تلك الأجندة الدعائية التي تعني ( أنا ) .. وهنالك في الناس من يتوفر في مسارح العيون كزبد البحار .. وقد يكون سخياَ كريماَ حتى يقال فلان ابن فلان .. وحتى ينال التصفيق والتمجيد .. ويقال في الأمثال : ( الذي يسعف الناس لكي يراه الناس في النهار لا يسعف أحداَ في الظلام ) .. فهو يفيض بالتواجد من أجل التمجيد والإشهار .. وعندئذ يصبح مسقوطاَ من سقط المتاع الذي يتوفر تحت الأقدام .. وهنالك في الناس هامات شامخة عزيزة لا تثقل كاهلها الدنايا أو الرزايا .. ولا تعرف عثرات الأخلاق التي تجعلها تنحني لحظة في مذلة .. وألسنتها منابر عفة وصدق بعيدة عن فحش القول ولغو الحديث .. ولو أدركنا أن زبد المهازل والهرج هو الذي يسود الساحات في عالم اليوم فسوف ندرك معنى الندرة في أعزاز النفوس .. وتلك مشاهد القبح في الصفات والأفعال قد تفشت في الكثير من أبناء البشر .. مما يحق لذلك العزيز أن يربأ بنفسه عن السواقط والدونيات وأن يمتطي سروج العزة .. وأن لا يطمس أقدامه في الأوحال .. فإذن هو دائماً يبقى عزيزاً ونادراً وغالياً ونفيسـاً .
ـــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش