بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
لمحـــة عابـــرة
تلك كانت لحظة نادرة .. في زحمة الجموع والمارة .. فقد التقت إشارة رموش بعين كانت تلاحظ وتترقب .. كانت اللمحة عابرة في جزء من تلك الثواني العاجلة النادرة .. ولكنها حملت معاني كبيرة من المفردات العميقة الواعية .. ثم مضى الجميع في حاله ومساره وكأن شيئاً لم يكن .. ولكن الذي كان قد كان !! .. فقد وقع المقدور وأفسحت الأقدار عن كتابها .. وبدأت السيرة تجري مجرياتها .. وتلك اللمحة قد نامت الدهور في لوح الأزل .. لتبدأ الآن مشوار القرار المسطر .
لم يلتقي الوجهان من قبل في دنيا الواقع والحقيقة .. ولكن التقى الوجهان كثيراً في الخيال .. كان يراها ويرسمها كثيراً .. عبر الطفولة وعبر الصبي والمراهقة .. ثم التقى بها كثيراً في صورة ذلك الطيف الذي كان يغازل الخيال .. ويبدو الآن أن الخيال قد تبدل ليطرق أبواب الحقيقة في عوالم الواقع المحسوس .. فتلك بشارات خير قد تدفقت في صور قبس ما كانت تخطر يوماَ في الحسبان .. ورب صدفة خير من ألف ميعاد وميعاد .. ورب لمحة في قمة زحمة أبلغ من كل الأحلام والآمال .. ورب تعانق عين بعين في جوقة خلق أكبر من أي مقال .. فذلك اللقاء صدفةَ شاءت لها الأقدار أن يكون .. وقد لبت ليلة القدر نداء الفطرة والسريرة حين كان ينادي القلب دوماَ بلحظة اللقاء والهناء .. وهي يوم أن قالت أقرت واعترفت بدورها بأنها كانت تراه أيضاَ كما كان يراها في الخيال .. وأنها عاشت الخيال وصورة الطيف في الخيال هو نفس ذلك الإنسان .. وأحلامها كانت تماثل نفس الأحلام .. فالوجه هو ذلك الوجه والملامح هي تلك الملامح .. وقد راودها حلم اللقاء بـه كثيراِ .. ولو لا الحياء والاستحياء لبحثت عنه في الأزقة والأحياء .. فقد حلمت به كثيراَ وصبرت ولكنها أخفت تلك المشاعر خشية الأعراف والعادات .. ثم كانت تلك الصدفة التي كانت وليدة اللحظة .. وجرى الذي جرى .. وكان الذي كان .. بالرغم من أنها كانت تظن أن تلك الأوهام مجرد صولة في يقظة الأحلام .. ولكن تلاقت تلك الإشارات في العيان وجهاَ لوجه .. تلك الإشارات التي كانت تراود الأحلام بإصرار .. وقد قدمت الآن من برزخ الماضي السحيق .. حيث كانت تحجبها وتمنعها الملايين من السنين في عالم السماء المجهول .. ثم أخيرا تباركت نوازل الخير حين قال الكتاب .. وعند اللقاء الأول أمسكت الأقدام فجأة عن المسار .. واستدارت الوجوه إلى الخلف في ذهول .. وبدأت النفوس تسأل الذات .. هل هي الحقيقة قد تمثلت !! .. وهل دنت لحظة السعادة والهناء !! .. ثم أكملت الأبدان استدارتها لتكون الوجوه وجهاَ لوجه كما في حال المرآة .. وقد تجسد الحلم واقعاَ .. فامتدت الأيدي إلى الأيدي تتحسس الحقيقة .. وترسل الأعين إشارات عميقة وهي تتأمل وتتأكد .. وتعطلت لغة الكلام .. وتكلمت لغة العيون .. كانوا في الماضي ضيوف الخيال .. وهم الآن تحت سقف الحقيقة والبيان .. وقد بدأت تتكشف لحظات الأسرار .. فتلك قلوب صغيرة ولدت في الأزل .. ونامت بين سطور الكتاب تلك الملايين من السنين .. ثم توالت صفحات الكتاب صفحة تلو صفحة حتى جاءت صفحة الأحباب .. فما أعذب تلك اللحظات .. وما أجمل ذلك اللقاء .. وما أبدعها تلك النظرة والتأمل .. وما أحلاها تلك الوقفة وإن طالت .. وما أحلاها تلك الحروف وإن لم تقال .. وما أطربها من أغنيات وإن كانت بصمت الملائكة !! .
ــــــــــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش