بسم الله الرحمن الرحيم
كلمـــــات مــــن جرح ينــزف
هذا زمن الضحكة فيه نادرة .. والبسمة فيه قد ترسم في وجوه البعض لإظهار نوع من الرضى لحال فيه صاحبه يعاني .. ثم يخفي ألمه .. وزمن ظهرت فيه أمراض يقول البعض أنها من أمراض العصر .. أما البعض الآخر فيقول أنها أمراض كانت موجودة في السابق ولكنها كانت مجهولة الهوية .. وهي قاتلة ومؤلمة .. بل كما يصفها الأطباء بالخبيثة .. ( وقانا الله وإياكم من شرها ) ..
فكم من عواطف دافقة محبوسة بين قضبان القفص الصدري .. يتألم صاحبها في صمت .. ويتمنى أن ينجلي مثل ليل امرؤ القيس الذي أرخى سدوله بأنواع الهموم ليبتلي .. ثم تمطى بصلبه وأردف أعجازاً وناء بكلكل.. ثم وهل الصباح القادم بأمثل ( بأفضل !؟ ) .. وتلك فرية ظالمة ينسبها البعض بأن ذلك القلب الذي ينزف هو نفس القلب الذي تعود مصاحبة تلك الدماء ! .. فالمعاناة ليست بنفس درجة الحال الذي كان ... يموت البعض بحسرة عميقة وحيداً في غربة الأسرار .. فلا يتمكن من الإفصاح .. ولا يتمكن من التخلص .. سجن في ظلمات فوق بعض .. حزمت السعادة عدتها ثم رحلت في يوم من الأيام ..!! حتى وأنها لم تفكر لحظة أن تنظر إلى الخلف .. فخلفت بواقية تتلاعب بها رياح الذكريات .. وقد يهرب صاحب القلب الجريح إلى ركن مظلم ويستغيث بالنوم .. ولكن النوم أيضاً يهرب من منطقة عرفت بساحة الأحزان .. فلا يجد راحة إذا قام أو جلس أو رقد .. يحس بذاته وبمرارة حاله .. ولا يحس به أحد .. ومع ذلك نراه يبدي بسمة باهتة كلما مرت به ذكرى ماض عزيز .. ذلك هو الأثر الذي بقي من إرث الماضي الذي كان .. هناك أحياء بين الخلق ولكنهم أموات .. نسيهم الحاضر بعد أن أصابهم الماضي بجرح عميق .. أما الناس .. أما الذين كانوا معه فقد كانوا عندما كان .. ثم تركوه عندما لم يكن .. وقد يعيش الليل في صمت المعاناة .. ثم تطرق أذنيه ضحكات الجوار .. وقد يبكي بحرقة وحيداً في غرفة الموت .. ثم يسمع زغاريد الأفراح خلف الأبواب .. والسعيد في تلك المحنة القدرية هو الذي يلجأ إلى الله .. ويلتزم بالصبر والاحتساب .. فلا ملجأ ولا منجى إلا به .. والفائز هو من يكد حتى ينال حسن الخاتمة بالاجتهاد فيما يرضي الله من العبادات والذكر .. وغداً سوف يرتحل عن هذه الدنيا .. وغيره أيضاً على باب الرحيل عندما يحين الأجل .. وصاحب الرقص قد يكون في جوقة المشيعين أو الراحلين .. سنة الحياة في الزمن الحالي أن يضحك الناس إذا ضحك الضاحك .. ثم الهروب إذا بكى أو استكان ..! وحتى إخراج كلمات من بين جروح دامية قد يلزم العتاب من البعض أكثر من الرثاء ..! وسبحان الله من زمن البعض فيه لا يعرف البعض إلا إذا سمع أنه قد فارق الحياة !!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد
ساحة النقاش