تحريم اتخاذ اليهود والنصارى أولياء 

قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (المائدة:51). 

 

موضوع الآية:تحريم اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، والتحذير من موالاتهم. 

 

معاني الكلمات: 

 

( آمَنُوا ) : صدقوا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ووعد الله ووعيده. 

( أَوْلِيَاءَ ) : لكم توالوهم بالنصرة والمحبة. 

( بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) : لا تحادهم في الكفر أي اليهودي ولي أخيه اليهودي، والنصراني ولي أخيه النصراني. 

( فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) : من جملتهم. 

( الظَّالِمِينَ ) : الذين يوالون أعداء الله ورسوله، ويتركون موالاة الله ورسوله والمؤمنين. 

 

المناسبة: 

لما حكى الله تعالى عن أهل الكتاب أنهم تركوا العمل بالتوراة والإنجيل، وحكم عليهم بالكفر والظلم والفسوق، حذر تعالى المؤمنين في هذه الآيات من موالاة اليهود والنصارى، ثم عدد جرائم اليهود وما وصفوا به الذات الإلهية المقدسة من شنيع الأقوال وقبيح الفعال. 

 

سبب نزول هذه الآية: 

أخرج ابن أبي شبية وابن جرير عن عطية بن سعد قال: جاء عبادة بن الصامت من بني الخرزج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي موالي من اليهود، كثير عددهم، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية اليهود، وأتولى الله ورسوله. فقال: عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر، لا أبرأ من موالاة موالي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي: "يا أبا الحباب أرأيت الذي نفست به من ولاء يهود على عباده فهو لك دونه" قال: إذن أقبل فأنزل الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ) 

وروى أرباب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة صار الكفار معه ثلاثة أقسام: 

 

1- قسم صالحهم ووادعهم على ألا يحاربوه، ولا يظاهروا عليه أحدا، ولا يولوا عليه، وهم على كفرهم آمنون على دمائهم وأموالهم. 

 

2- وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة. 

 

3- وقسم تاركوه فلم يصالحوه ولم يحاربوه، بل انتظروا ما يؤول إليه أمره وأمر أعدائه. 

 

ثم من هؤلاء من كان يحب ظهوره وانتصاره في الباطن، ومنهم من دخل معه في الظاهر وهو مع عدوه في الباطن ليأمن الفريقين، وهؤلاء هم المنافقون. 

 

وقد عامل النبي صلى الله عليه وسلم كل طائفة من هذه الطوائف بما أمره ربه، فصالح يهود، المدينة وكتب بينه وبينهم كتاب أمن، وكانو ثلاث طوائف. 

 

حول المدينة: بني قينقاع وبني قريظة وبني النضير، فحاربته بنو قينقاع بعد بدر، وأظهروا البغي والحسد، ثم نقض بنو النضير بعد ذلك بستة أشهر، ثم نقض بنو النضير العهد لما خرج إلى غزوة الخندق، وكانوا من أشهد اليهود عداوة النبي صلى الله عليه وسلم. 

 

وقد حارب كل طائفة، وأظهره الله عليها، وكان العرب والروم حربا عليه كاليهود. 

 

المعنى الإجمالي: 

إن ولاية الله تعالى تتم للعبد بالإيمان الصادق والتقوى الكاملة، وإن من والى الله (عز وجل) يحرم عليه موالاة أعدائه، ومن أعداء الله سبحانه وتعالى اليهود والنصارى، فاليهود قتلوا أنبياءه وفسقوا عن أمره، والنصارى أَلَّهُوا غيره وعبدوا سواه، فلذا نادى الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين به وبرسوله وبلقائه قائلا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) أي يا من آمنتم بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، ورسولا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء لكم تحبونهم وتنصرونهم، فإنهم أعداء ربكم وأعداؤكم فكيف توالونهم؟ أتوالون من يعاديكم وتحبون من يبغضكم، وتنصرون من يود هزيمتكم؟ 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى: إن اليهودي ولي أخيه اليهودي، والنصراني ولي أخيه النصراني، فكيف تصح ولاية نصراني على نصراني، وولاية يهودي على يهودي؟ إن هذا غير ممكن ولا سائغ بحال من الأحوال، ألا فاحذروا هذا أيها المؤمنون، ولا تتخذوا أعداءكم وأعداء ربكم ودينكم ونبيكم أولياء لكم تحبونهم وتنصرونهم، فإن ذلك يفضي بكم إلى الكفر –والعياذ بالله-

 

 ويقرر هذه الحقيقة قوله تعالى في هذا النداء: ( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) ومن كان منهم فهو مثلهم في كفر ومعاداة الله ورسوله والمؤمنين وبذلك يحرم هداية الله، إذ الله تعالى لا يهدي القوم الظالمين، وكيف وقد ختم نداءه هذا للمؤمنين ليرشدهم إلى ما يكملهم ويسعدهم ختمه بقوله: ( إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ومن والى أعداء الله (عز وجل) فقد عاداه. ومن عادى الله فقد ظلم نفسه، إذ الظلم وضع الشيء في غير موضعه، ومن ظلم وكفر فكيف تصح موالاته أيها المؤمنون؟ 

ألا فلنتق الله عز وجل أيها المؤمنون ولنوال من والى الله، ولنعاد من عادى الله، فإن هذا الأمر هو الذي نادانا الله من أجله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) 

 

فكيف لا نحذر أن نكون يهودا أو نصارى إذا نحن واليناهم – والعياذ بالله- من الكفر بعد الإيمان، ومن الضلال بعد الهداية والولاية. 

 

وَلَنْعَلَمْ أن الموالاة التي حرمها الله تعالى علينا هي أن نحب اليهودي بقلوبنا ونعرب له عن ذلك بألسنتنا، وأن نقف إلى جنبه ننصره على أعدائه وهم إخواننا، هذا الحب والولاء هما للمؤمنين لا للكافرين، فالمؤمن يحب المؤمن ويعرب له عن حبه بلسانه وعمله، ويقف إلى جنبه ينصره ويموت معه أو قبله؛ لأنه أخوه في الإيمان والإسلام والإحسان وولاية الرحمن،

 

 أما الكافر من يهودي أو نصراني أو مجوسي أو بوذي أو مشرك فإنهم كفروا بربنا ونبينا وديننا، وحاربونا، وحملوا الحقد والبغض والعداء لنا ولربنا (عز وجل)، فكيف تسوغ موالاتهم مع هذه الفواصل المختلفة والصوارف المتعددة اللهم لا، لا. 

 

 ابن جرير: إن الله تعالى نهى المؤمنين جميعًا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارا وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أن من اتخذتهم نصيرا وحليفا ووليًا من دون الله ورسوله فهو منهم في التحزب على الله ورسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان. 

 

ثم ذكر عله هذا النهي فقال: ( بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) ولم يكن للمؤمنين منهم ولي ولا نصير، إذ كان اليهود قد نقضوا ما عقده الرسول صلى الله عليه وسلم معهم من المعهد من غير أن يبدأهم بقتال ولا عدوان، فصار الجميع حربا للرسول ومن معه من الؤمنين. 

 

ثم توعد من يفعل ذلك، فقال ( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) أي ومن ينصرهم أو يستنصر بهم من دون المؤمنين وهم أعداء لكم فإنه الحقيقة منهم لا منكم؛ لأنه معهم عليكم، إذ لا يتصور أن يقع ذلك من مؤمن صادق. 

 

وقال ابن جرير أيضا: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم، فإنه لا يتولى متول أحدا إلا وهو به وبدينه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى من خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه. 

ثم ذكر العلة والسبب في الوعيد، فقال: ( بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) ولم يكن للمؤمنين منهم ولي ولا نصير، إذ كان اليهود قد نقضوا ما عقده الرسول صلى الله عليه وسلم معهم من العهد من غير أن يبدأ بقتال ولا عدوان، فصار الجميع حربا للرسول ومن معه من المؤمنين. 

 

قال بعض المفسرين: ومن هنا يعلم أنه إذا وقعت الموالاة والمخالفة والمناصرة بين المختلفين في الدين لمصالح دنيوية لا تدخل في النهي الذي في الآية، كما إذا حالف المسلمون أمة غير مسلمة على أمة مثلها لا تفاق مصلحة المسلمين مع مصلحتها، فمثل هذا لا يكون محظورًا. 

 

وأخيرا لنجتنب أي مظهر من مظاهر اليهود والنصارى وأهل الكفر قاطبة، حتى في الزي واللباس، والشعار ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. والله ولي من والاه وعدو من عاداه، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. 

 

ما يستفاد من الآية: 

1- حرمة موالاة اليهود والنصارى وسائر الكفار. 

2- موالاة الكافر على المؤمن تعتبر ردة عن الإسلام. 

3- موالاة الكافرين ناجمة عن ضعف الإيمان، فلذا تؤدي إلى الكفر. 

4- الولاية هنا ولاية المودة والنصرة. 

5- لا يجوز تقليدهم في المظهر واللباس ولا غيره؛ لأن تقليدهم في الظاهر يدل على حبهم في الباطن. 

--------------------------؛ 

من كتاب نداءات

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 98 مشاهدة
نشرت فى 24 أغسطس 2015 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

902,379

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.