رضي الله الإسلام دينًا
قال الله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا )
الإسلام: هو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع سبيلًا.
وهذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه؛ ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف كما قال تعالى: ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً )
أي؛ صدقًا في الأخبار وعدلًا في الأوامر والنواهي، فلما أكمل لهم الدين تمت عليهم النعمة؛ ولهذا قال تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) أي؛ فارضوه أنتم لأنفسكم فإنه الدين الذي أحبه ورضيه وبعث به أفضل الرسل الكرام، وأنزل به أشرف كتبه.
ولم يكتف الله تعالى بالرضا بالإسلام دينًا، بل وعد تعالى بأن يمكِّن الإسلام في الأرض فقال تعالى: ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )
وقد فعل الله – تبارك وتعالى – ما وعد به من التمكين للإسلام وله الحمد والمنة؛ فبداية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة بمفرده، ثم أصبح معه نفر قليل وظلوا بمكة نحوًا من عشر سنين يدعون إلى الله وحده وإلى عبادته وحده لا شريك له سرًا؛ وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال، حتى أمروا بالهجرة إلى المدينة فقدموها فأمرهم الله بالقتال.. ولم يمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها، وأخذ الجزية من مجوس هجر ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر وإسكندرية وهو المقوقس، وملوك عمان والنجاشي ملك الحبشة.
ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم واختار الله له ما عنده من الكرامة قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق فلمَّ شعث ما وهى بعد موته صلى الله عليه وسلم وأخذ جزيرة العرب ومهدها وبعث جيوش الإسلام إلى بلاد فارس صحبة خالد بن الوليد رضي الله عنه ففتحوا طرفًا منها؛
وجيشًا آخر صحبة أبي عبيدة رضي الله عنه ومن اتبعه من الأمراء إلى أرض الشام، وثالثًا صحبة عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى بلاد مصر؛ ففتح الله للجيش الشامي في أيامه بصرى ودمشق ومخاليفهما من بلاد حوران وما والاها.
ومنَّ على أهل الإسلام بأن ألهم الصديق أن يستخلف عمر الفاروق فقام بالأمر بعده قيامًا تامًا لم يدر الفلك بعد الأنبياء على مثله في قوة سيرته وكمال عدله. وتم في أيامه فتح البلاد الشامية بكمالها وديار مصر إلى آخرها وأكثر إقليم فارس. وكسر كسرى وتقهقر إلى أقصى مملكته، وقسر قيصر وانتزع يده عن بلاد الشام وانحدر إلى القسطنطينية؛ وأنفق أموالهما في سبيل الله، كما أخبر بذلك ووعد به رسول الله؛ عليه من ربه أتم سلام وأزكى صلاة.
ثم لما كانت الدولة العثمانية امتدت الممالك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها؛ ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك الأندلس وقبرص؛ وبلاد القيروان وبلاد سبتة مما يلي البحر المحيط ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلاد الصين؛ وقتل كسرى وباد ملكه بالكلية؛ وفتحت مدائن العراق وخراسان والأهواز وقتل المسلمون من الترك مقتلة عظيمة جدًا؛ وخذل الله ملكهم الأعظم خاقان، وجبى الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وذلك ببركة تلاوته ودراسته وجمعه الأمة على حفظ القرآن؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوِيَ لي منها".
وهانحن نتقلب فيما وعد الله تعالى به حيث دخل الإسلام جميع بلدان العالم ومدنها، والخير والفتوحات والنصر للإسلام سيستمر بإذن الله تعالى إلى ما شاء الله كما أخبر الله – عزَّ وجلَّ – بذلك، وكما بشَّر رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال:
"ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلًا يذل به الكفر".
فلا أحد ولا جماعة ولا دولة ولا أكبر من ذلك ولا أصغر بقادر على أن ينزع الإسلام من الأرض أو يخمده أو يقضي عليه أو ما شابه ذلك، ومَن يحاول ذلك فمثله كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشمس بفمه، وكما أن هذا مستحيل فذاك مستحيل أيضًا؛
والمتأمل في الأحداث يمكنه أن يرى بسهولة أنه كلما أريد بالإسلام مثل هذا المكر والكيد زاد الله من انتشاره وأدخل فيه أفرادًا وجماعات وشعوبًا من الأمم نفسها التي تكيد للإسلام.
وكيف لا يكون ذلك وخالق السماوات والأرض ومَن فيهن يقول: ( يُرِيدُونَ أَن يُّطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُّتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) نعم ليظهره على جميع الأديان من سائر أهل الأرض من عرب وعجم.
وقد قال الله تعالى: ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ ) وقال تعالى: ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )
رفعت الأقلام وجفت الصحف وبُت في الأمر وانتهى الجدال ولا حاجة للبحث أو المناقشة أو للتقرب بين الأديان أو ما شابه ذلك، فالله تعالى قد تكلم وفصل في الأمر، وإذا تكلم الله خالق السماوات والأرض ومَن فيهن فعلى جميع المخلوقين السكوت والخضوع والاستسلام.
فقد أخبر تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام وهو اتباع خاتم أنبيائه ورسله محمد صلى الله عليه وسلم فيما بعثه به، وقد سد الله سبحانه جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لقي الله بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم بدين على غير شريعته فليس بمتقبل منه وهو من الخاسرين. ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ) ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )
-----------------------------
مايحبه الله ويرضاه