الوسائل التي تعين على تحبيب الطلاب لحلقات القرآن

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين, والصلاة والسلام على رسوله الأمين, وعلى آله وصحبه الغر الميامين, وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..أما بعد:

 

سنبين في هذه السطور وسائل ينبغي للمربي سواءً كان أباً أو أُمَّاً أو مدرساً أن يتحلى بها ليعين الولد على الالتزام والانتظام في حلقات تحفيظ القرآن, بل لابد من تكاتف وتعاون الأبوين مع المدرس؛ بحيث يؤدي ذلك إلى حب الطفل لكتاب الله تعالى, والاستفادة من التحاقه بحلقة التحفيظ في جوانب متعددة علمياً وثقافياً واجتماعياً, فيتربى بسببها فلَذةُ الكبد تربية حسنة تعود بالنفع عليه وعلى والديه في الدنيا والآخرة, ونجاح هذا المشروع يتأتى باتخاذ وسائل معينة على ذلك, وإلا ستكون حلقة التحفيظ بالنسبة للطالب مجرد عمل روتيني يؤدي به إلى الملل والسآمة وعدم الاستفادة العلمية والعملية المنشودة, ولبيان الوسائل المعينة على ارتقاء الطالب. نقول مستعينين بالله:

 

يمكن إلحاق الولد بحلقة قرآنية في مركز للتحفيظ ما بين بلوغه سن السابعة إلى العاشرة, ويتم اختيار مركز التحفيظ بعناية بحيث يكون موقعه قريباً من البيت، كما يكون نظيفاً جيد التهوية، جميل المظهر؛ حتى يُقبل عليه الطفل بحب ورضا، مع متابعة المحفِّظ لنتأكد من أن أسلوبه في التلقين والتحفيظ بحيث يكون أسلوباً تربوياً، أو على الأقل ليس بضار ٍمن الناحية التربوية.

 

كما ينبغي أن نمدح الطفل ونُثني على سلوكه كلما تعامل مع المصحف بالشكل الذي يليق به. وفي هذه المرحلة يمكن أن نشجِّعه بأن تكون هدية نجاحه أو تصرُّفه بسلوك طيب هي مصحفٌ ناطقٌ للأطفال يسمح له بتكرار كل آية مرة على الأقل بعد القارئ، أو أشرطة صوتية للمصحف المعلِّم كاملاً، أو قرص كمبيوتر يحوي المصحف مرتلاً، وبه إمكانية التحفيظ.

 

كما يمكن في هذه المرحلة أن نسمع معه بعض الأناشيد المشجعة على حفظ كتاب الله, والتي يسهُل عليه حفظها، كما نشجعه على أن يمنحها -مسجلة على شريط- كهدايا لأصحابه في الحلقة القرآنية، أو جيرانه أو أقاربه, ومن الضروري أن نجعل للطفل كرامة ومنقبة بسبب ما يحفظه من القرآن, كأن يقول له الأب: لولا أنك تحفظ القرآن لعاقبتُك, كما ينبغي أن نشرح له أهمية القرآن الكريم للمسلم والعالَم، وكيف كانت البشرية تعيش قبل نزوله على النبي -صلى الله عليه وسلم- ولابد أن يظل دور القُدوة مستمراً مع الطفل من جانب المدرس والوالدين، فإذا تردد على سمعه من والديه أو مدرسِه عبارات قرآنية مثل: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) سورة الفاتحة. {حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (173) سورة آل عمران. {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} (4) سورة الجمعة. {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (2-3) سورة الطلاق. {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ} (18) سورة يوسف. {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} (44) سورة غافر. {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ} (86) سورة يوسف. {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (3) سورة الطلاق. {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (88-89) سورة الشعراء. فإن الطفل سيرددها دون أن يعلم معناها، ولكنها مع مرور الوقت ستصبح مفهومة لديه، وليس هذا فحسب، وإنما ستكون له نبراساً يضيء له ظلام حياته، ومنهاجاًً يعينه على ما يصادفه من مصاعب ومشكلات.

 

وينبغي أن نستخدم معه رواية قصص القرآن, فنروي له في هذه المرحلة -مثلاً- قصة الخلق منذ آدم، وقابيل وهابيل، ثم قصة نوح, وقصة زكريا ويحي, وقصة مريم وعيسى -عليهم السلام-وهاروت وماروت وأصحاب القرية، وأصحاب الكهف، وأصحاب الجنة.

 

فإذا بلغ العام الحادي عشر حتى الثالث عشر, فإنه في هذه المرحلة تتسع دائرته الاجتماعية ويزداد حِرصاً على تكوين علاقات اجتماعية، كما يزداد ارتباطاً بأصحابه وزملائه, ويمكن استغلال ذلك في توسيع حلقة التحفيظ التي هو عضو فيها بإلحاقه -وأصحابه إن أمكن- بحلقة تعليم أحكام التجويد، مع تشجيعه ومكافأته بشتى الطرق المادية والمعنوية، ومنها تعريفه بفضل تعلُّم القرآن وتجويده، بذكر الأحاديث الشريفة نحو قوله –عليه الصلاة والسلام-: ( أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ)1. وقوله –صلى الله عليه وسلم-: (الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ)2. وحديث: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)3. وحديث: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ)4. وغيرها. ويمكن أن نعرِّفه ذلك بطريقة غير مباشره بحيث ندعو أصحابه المفضَّلين إلى المنزل، ونسألهم عدة أسئلة نعرف أنهم يعرفون إجابتها، ثم نسأل عن فضل تعلُّم القرآن وتجويده، فإن لم يعرفوا أقمنا بينهم مسابقة لمن يعثر على أكبر قدر من الأحاديث والآيات حول ذلك، مع توجيههم للاستعانة بمكتبة المدرسة أو أقرب مكتبة عامة، أو نعطيهم مما لدينا من كتب ومراجع, فإذا وصلوا إلى المعلومة بأنفسهم كان ذلك أشد تأثيراً في نفوسهم، وأيسر إيصالاً للمعلومة إلى قلوبهم قبل عقولهم, كما يمكن أن نضع لهم لوحة أو سبورة يمكن أن يكتب عليها الأولاد أحاديث شريفة عن فضل القرآن الكريم، بحيث يتسابقون في البحث عنها، ووضعها على هذه اللوحة، بمعدل حديث كل أسبوع، ليرونه كلما مروا بها فيحفظونه، ويتناقشون مع الأم أو الأب حول معناه، وبعد ذلك تكون هناك جائزة لمن وضع أكبر عدد من هذه الأحاديث, وينبغي في هذه المرحلة أن نستمر في رواية قصص القرآن له، أو إهداءه أشرطة فيديو، أو أقراص مضغوطة، بها تسجيل مصوَّر لهذه القصص, ومما يناسب الطفل في هذه المرحلة من قصص القرآن, قصة بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- وجهاده في سبيل الله، وقصة موسى -عليه السلام- وبني إسرائيل، والأرض المقدسة، وقصة ذي القرنين ويأجوج ومأجوج، وأصحاب الأخدود، وطالوت وداود وجالوت, فإذا ما بلغ سن الرابعة عشر، حتى السادسة عشر ففي هذه المرحلة يمكننا أن نناقشه حول فكرة هل يمكن أن يكون القرآن كلام بشر! وأن نشجعه على أن يبحث عن المعلومات بنفسه، ويتعاون مع أصحابه في عمل أبحاث حول إعجاز القرآن في شتى المجالات، وأن يتبادل معهم الأبحاث لتعم الفائدة بينهم،كما يمكن تشجيعهم جميعاً على نشر هذه الأبحاث عبر البريد الإلكتروني، وفي المنتديات المختلفة، ويا حبذا لو كانوا يتقنون اللغات الأجنبية، فعندئذٍ يمكنهم أن يترجموها إلى هذه اللغات وينشروها أيضا ًعلى شبكة الإنترنت, ومما يشجعهم على ذلك أن نحيطهم علماً بالأجر الذي سيحصلون عليه بسبب ما يفعلونه إن كانت النية خالصة لله تعالى..

 

كل هذه –بعون الله- وسائل تجعل مركز التحفيظ شعلة مضيئة محببة لدى الطالب, ولا يفوتنا مع كل ماسبق من أمور تربوية وعلمية وتشجيعية, لا يفوتنا مسألة الترفيه والرحلات والمسابقات العامة والرياضية وغيرها, وبشكل دوري –أيضاً- فهذا مما يزيل الملل والفتور لدى الطالب وحتى لدى المدرس, نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا, ونسأله أن يوفقنا لتربية أبنائنا ومن تحت أيدينا التربية الإسلامية النافعة, وسبحان الله وبحمده, سبحان الله العظيم, وصلى الله على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه وسلم, والحمد لله رب العالمين5.

 

------------------------------------------------

1 رواه ابن ماجه -211- (1/250) وأحمد -11831- (24/377) وصححه الألباني غي تحقيق سنن ابن ماجة برقم (215).

2 رواه البخاري -4556- (15/267) ومسلم -1329- (4/219).

3 رواه البخاري -4639- (15/439).

4 رواه مسلم -1078- (3/428).

5 الموضوع مستفاد بتصرف من كتيب بعنوان: (كيف نُعين أطفالنا على حب القرآن الكريم؟ لـ(د.أماني زكريا الرمادي)

المصدر: ملتقى الحلقات http://www.halqat.com/Article-53.html
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 178 مشاهدة
نشرت فى 21 فبراير 2014 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

901,026

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.