جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
الصفوية والصوفية .. خصائص وأهداف مشتركة [13]
بذل الصفويون والمتصوفة جهوداً كبيرة منذ منتصف القرن الهجري الثاني لتشويه صورة الإسلام، وتحويله إلى أساطير وملاحم كما هو عليه في تأريخ الإغريق والفرس والهند وأمم أخرى. ولكن الله عزٌ وجلٌ والعلماء المسلمين الغيارى على دينهم وعروبتهم كانوا لهم بالمرصاد، فأفشلوا مخططاتهم الخبيثة الواحد تلو الآخر، مشاركين الرحمن في حفظه لدعوة حبيبه المصطفى.
ومن خلال استعراض تأريخ الأديان السماوية والوضعية نجزم بأنه لا يوجد دين غير الإسلام قد تعرض إلى مخططات عدائية مستمرة منذ الدعوة المحمدية، ولحد الوقت الحاضر سواء على أيدي أعدائه أو من يدعون أنفسهم مسلمين.
قرن بعد آخر وعقد بعد آخر تزداد الهجمات والغارات على الإسلام والعالم الإسلامي عنفاً وشراسة. ومن المؤسف أن الكثير من المفكرين والناس ساروا خلف التشيع الصفوي والتصوف دون أن يعووا حقيقتهما وخطرهما على الإسلام؛ فمنحوا أعداء الإسلام قوة إضافية. وقد وصل الأمر بأحد شيوخ الأزهر الشريف (عبد الحليم محمود) أن يؤرخ سيرة أحد مشايخ الصوفية مستحسناً؛ بل مؤمناً بكراماته [أبحاث في التصوف لعبد الحليم محمود/160]! فما بالنا بأمة يغلب عليها الجهل والأمية والتخلف وقلة الوعي والمواطنة؟ لذا سنستمر في مناقشة بعض الأفكار الشاذة في العقيدتين الصوفية والصفوية لسبر أغوار أسرارهما وكشفها للناس.
الغلو وتعظيم الذات البشرية لحد الشرك بالله:
في العقيدتين هناك مبالغة وإفراط في مدح النفس وتعظيمها بشكل لم نعهده لا مع الرسل والأنبياء، ولا مع الصحابة الذين عرفوا بتواضعهم الشديد سيما الخلفاء الراشدون، فالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم عُرف بتواضعه الجم، وعندما تناهى إلى سمعه قول بعضهم له: «يا سيدنا وابن سيدنا، يا خيرنا وابن خيرنا»، امتعض من قولهم ونهاهم عنه، معلماً إياهم: "أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله. والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عزٌ وجلٌ".
ومن تواضعه أنه كان يجلس مع الناس كواحد منهم، فلا يكاد الغريب يعرفه حتى يسأل من منكم محمد؟
وفي إحدى المرات حضر رجل لمقابلته فما إن رآه حتى أخذ يرتعد، فهوَن المصطفى عليه الأمر فخاطبه: «هون عليك فأني لست ملكاً، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» [سنن ابن ماجه]، ومن الأحاديث الشريفة: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده. فقولوا: عبد الله ورسوله».
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً متواضعاً حاله حال بقية البشر، يعمل ويأكل ويشرب وينام ويتزوج ويسهو ويخطئ - فيما هو من غير ما يوحى إليه - ويستشير أصحابه، ويغلب رأيهم أحياناً على رأيه (أخذ برأي سعد بن معاذ وخباب وغيرهم)، وكان يجالس الناس ويسمع منهم، ويسمعوا منه ويناقشوه، ويحب الظرافة، ويزور المسلمين ويزورونه، لكن الصفويين والمتصوفة قدموه للعالم بصورة أخرى من وحي خيالهم وتخاريفهم، القصد منها أن يضيفوا هالة من القدسية المضللة على أئمتهم ولشيوخهم باعتبارهم من نسله أو كورثة للأنبياء، في حين جاء في الذكر الحكيم: ﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الأنعام:50] ، وكذلك في سورة الكهف: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الكهف:110].
ويلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الغلو والتعظيم لغير الله بقوله: «إياكم والغلو! فإنما أهلك من قبلكم الغلو» [أخرجه أحمد].
عبر نيكلسون في كتابه [الصوفية/85] عن هذه الحقيقة بقوله: "إذا حللنا شخصية محمد على ضوء ما جاء في القرآن، سنجد أنها تغاير تماما شخصية الإمام والولي التي صورها لنا المتصوفة والشيعة. فالنبي بشر كما رسم شخصيته القرآن، لكن أولياء الصوفية وأئمة الشيعة المعصومين وُصِفوا بكل الصفات الإلهية"، وفيما يتعلق بالخلفاء الراشدين نجد أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه يحمل قربة ماء بنفسه. فيقول له عروة بن الزبير: يا أمير المؤمنين لا ينبغي لك ذلك! فيرد عليه: لما أتاني الوفود سامعين مطيعين دخلت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها [مناقب عمر لابن الجوزي/14].
وهذا أمير المؤمنين علي رضي الله عنه اشترى تمراً وحمله في ملحفة فهب البعض لحمله عنه فأجابهم: "لا! أبو العيال أحق أن يحمله" [باب الزهد/ الإمام أحمد/ 13].
والآن لنقارن ما نسبه الصفويون للأئمة الأبرار من تخاريف وافتراءات حاشا لله أن تصدر عنهم.
جمهرة من الأحاديث الكاذبة تدل على الغرور، وتعظيم النفس بإضفاء صفات ربانية عليهم لا يقبلها الدين ولا المنطق. فقد نسب أبو جعفر الصفار للإمام زين العابدين (ع) هذه السفسطة: "نحن جنب الله، ونحن صفوته، ونحن خيرته، ونحن مستودع مواريث الأنبياء، ونحن أمناء الله، ونحن حجّة الله، ونحن أركان الإيمان، ونحن دعائم الإسلام، ونحن من رحمة الله على خلقه، ونحن الذين بنا يفتح الله وبنا يختم، ونحن أئمة الهدى، ونحن مصابيح الدجى، ونحن منار الهدى، ونحن السابقون، ونحن الآخرون، ونحن العلم المرفوع للخلق، من تمسك بنا لحق، ومن تخلف عنا غرق، ونحن قادة الغر المحجلين، ونحن خيرة الله، ونحن الطريق، وصراط الله المستقيم إلى الله، ونحن من نعمة الله على خلقه، ونحن المنهاج ونحن معدن النبوة، ونحن موضع الرسالة، ونحن الذين إلينا مختلف الملائكة، ونحن السراج لمن استضاء بنا، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا، ونحن الهداة إلى الجنة، ونحن عز الإسلام، ونحن السنام الأعظم، ونحن الذين بنا تنزل الرحمة وبنا تسقون الغيث، ونحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب" [للمزيد راجع كتاب بصائر الدرجات الكبرى لأبي جعفر محمد بن الحسن الصفار] لاحظ مزايا ربانية لم يدعها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه؛ فكيف يدعيها من هو دونه؟!
المتصوفة بدورهم بالغوا بشيوخهم وعظموهم بنفس الطريقة، فعندما تقرأ النص التالي سيُخيل لك أن المصدر واحد؛ فهذا أبو نصر السراج يغلو في شيوخه بقوله: "هم أمناء الله عز وجل في أرضه، وخزنة أسراره وعلمه وصفوته من خلقه، فهم عباده المخلصون، وأولياءه المتقون، وأحباؤه الصادقون الصالحون، منهم الأخيار والسابقون، والأبرار والمقربون، والبدلاء والصديقون، هم الذين أحيا الله بمعرفته قلوبهم، وزيّن بمعرفته جوارحهم، وألهج بذكره ألسنتهم، وطهر بمراقبته أسرارهم" [للمزيد كتاب اللمع/ الطوسي/19].
ويقول أبو يزيد البسطامي: "سبحاني سبحاني، ما أعظم شأني، حسبي من نفسي حسبي، تراني عيون الخلق إني مثلهم، ولو رأوا صفتي في الغيب لماتوا دهشا" [النور من كلمات طيفور/ شطحات الصوفية/84].
وعندما سئل أبو علي الجوزجاني عن الألفاظ الغريبة التي يستخدمها أبو يزيد أجاب: نُسلٌم له حاله، ولعله تكلم بها على حد غلة، أو حال سكر" [الطبقات الكبرى للشعراني1/77]. وهذا الحلاج يجد في نفسه من العظمة الإلهية فيناجي ربه قائلاً:
أنا أنت بـــــــلا شك *** فسبــحانك سبحاني
فتوحيدك توحـــيدي *** وعصيانك عصياني
وإسخاطك إسخاطي *** وغفرانـك غـــفراني
يذكر الإمام الغزالي المحاورة بين أبو تراب النخشبي وأحد المريدين الذي كان مشغولاً بذكر الله، ويحثه النخشبي على رؤية أبي زيد بقوله: "لو رأيت أبا زيد. فضجر المريد وقال له: ويحك ما أصنع بأبي زيد وقد رأيت الله فأغناني عن رؤية أبي زيد؟ فقال له النخشبي: لو رأيت أبا زيد مرة واحدة كان أنفع لك من أن ترى الله سبعين مرة" [إحياء علوم الدين4/305].
وروى ابن عربي نفس القصة لكنه زاد عليها عدد المرات: "لو رأيت أبا زيد مرة، كان خيراً لك من أن ترى الله ألف مرة" [رسائل ابن عربي/5]، يعني الفرق بين روايتي الغزالي وابن عربي (930) مرة فقط! ولا يوجد مشكلة في الأرقام عند المتصوفة والأئمة، كما سنلاحظ.
يدعي أبو يزيد البسطامي: "إذا رأتني جهنم تخمد، فأكون رحمة للخلق". ويتساءل بغرور ما النار؟ ويقسم: "والله لئن رأيتها لأطفئنها بطرف مرقعتي" [تأريخ التصوف/ عبد الرحمن بدوي].
بل يبلغ الغرور شأواً عند البسطامي لمرحلة الجنون! اقرأ هذا النص وستحكم حتما بأنه مجذوب فعلا" أراد موسى عليه السلام أن يرى الله تعالى، وأنا لم أرد رؤية الله، هو أراد أن يراني". وعندما تلى عليه أحدهم قوله تعالى: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ [البروج:12]، علق: وحياته - يقصد الله - إن بطشي أشد من بطشه!
وعن أبي موسى قال: سمع أبو يزيد مؤذنا يؤذن (الله أكبر). فقال: وأنا أكبر من الله! [للمزيد راجع (دراسات في التصوف لإحسان إلهي ظهير/120)].
ونُسب للوراق قوله: "ليس بيني وبين الله فرق غير أني تقدمت بالعبودية" [اللمعات لفخر الدين العرقي/102].
ويحكى أن أبي عبد الله عمر المكي رأى يوماً الحلاج يكتب فسأله عن ماذا يكتب؟ فأجابه: "هو ذا أعارض القرآن" [الطبقات الكبرى للشعراني1/88].
تأويل آيات الذكر الحكيم:
بعد أن نفض الصفويون والمتصوفة أيديهم من دسِّ الكلام المفترى على الله ورسوله تفرغوا إلى تفسير القرآن الكريم تفسيراً ما أنزل الله به من سلطان، وشذوا عن كل التفاسير التي سبقهم فيها كبار المفسرين. فقد افترى الصفويون على الذات المقدسة فادعوا وجود سورتين محذوفتين من القرآن الكريم هما (الولاية والنور)، من ثم ادعوا تحريف القرآن الكريم، وألف شيخهم الطبرسي كتابه التافه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كلام رب الأرباب). وعجيب أمر هذا الدعي الأخطل وهذيانه؛ فهل هناك أرباب آخرين يتزعمهم ربٌ العزة؟ وهل ربٌ الأرباب كما يسميه غير قادر على حفظ كتابه المبين؟ وبعدها ادعوا: "أن الإمام علي (ع) مذكور في القرآن (1154) مرة" بمعنى أن القرآن محرف! وألف شيخهم البحراني كتاباً حول هذا الزعم الباطل سماه (اللوامع النورانية في أسماء علي وأهل بيته القرآنية). وسنجد التفاهات التي ساقها هذا الدعي وأمثاله كالقمي والعياشي لأثبات دعواهم الباطلة التي تنطلي على الجهلة وضعيفي الإيمان. إنها دعوات ماكرة يمكن لأي فرقة وبشر أن يدعيها لنفسه. وهذا ما حذر منه الإمام علي نفسه عندما أوصى أحد رسله: "لا تحاججهم بالقرآن فإنه حمال أوجه".
ثم جاءوا بفرية أخرى وهي: "أن القرآن ثلاثة أثلاث، ثلث في مدح الأئمة، وثلث في أعدائهم، وثلث سنن وأحكام" [الكافي والبرهان وتفسير الصافي]، كأنهم يتحدثون عن كتاب معركة صفين وليس الكتاب المبين. ولم تنته تخاريفهم عند هذا الحد! فقد ادعوا "أن للقرآن ظهراً وبطناً. فما حرم الله في القرآن هو الظاهر لكن الباطن من ذلك أئمة الجور، وكذلك كل ما أحل الله هو الظاهر لكن الباطل في ذلك أئمة الحق" [الغيبة للنعماني وتفسير العياشي]، وأن "ظاهر القرآن هو التوحيد والنبوة والرسالة لكن باطنه في الدعوة للإمامة والولاية" [مرآة الأنوار].
وانتهى بهم المطاف لتسخير آيات القرآن بما يتفق ومخططاتهم الشريرة. منها ما جاء في قوله تعالى: ﴿وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف:110]، ففسروها بأن لا يشرك مع الإمام علي أحداً في الخلافة [تفسير العياشي 2/353]. ومنها ما جاء في سورة الفاتحة ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:7]، ففسروا الضلال بأن المقصود به الضالين عن إمامة علي [تفسير القمي]. ومنها ما جاء في سورة القلم: ﴿وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ [القلم:43]، ففسروا الدعوة بأنها الدعوة لإمامة علي [تفسيرا القمي والصافي]، ووصلت بهم السفاهة إلى الادعاء بأن "البعوضة (المذكورة في سورة البقرة/26) هي علي بن أبي طالب" [تفسير القمي].
وأن الإمام علي هو الذباب المذكور في سورة الحج: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ [الحج:73].
وأن الأئمة هم النحل بقوله تعالى في سورة النحل: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ [النحل:68] [تفسير القمي].
وكذلك كان شأن المتصوفة فقد استهانوا بالقرآن الكريم. وهذا قطبهم إابن عربي في كتابه (الفتوحات المكية 1/70)، يتغنى بهذه الأبيات متفاخراً بنفسه لحد التجاوز على الله وكتابه العزيز:
أنا القرآن والسبع المثاني *** وروح الروح لا روح الأواني
فؤادي عند معلومي مقيم *** يشاهــده وعـندكــم لســــــانـي
وفسروا آيات الله بما لا يرتضيه الله! فقد صنف أبو عبد الرحمن السلمي تفسيراً صوفياً للقرآن يخالف كل تفسيرات المفسرين القدامى.
ومن الأمثلة على تفسيراتهم الباطلة:
قال الشيخ عبد الغني النابلسي بأن الآية من سورة طه: ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ [طه:12]، بأنها تعني اخلع صورتك الظاهرة والباطنة وتعنيان الجسم والروح، ولا تنظر إليهما لأنهما نعلاك". وهناك من فسرها بأنها تعني "دنياك وآخرتك" ولا نعرف كيف سيفسرون قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ [الأنفال:67]، و: ﴿وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ [النساء:77]، ولماذا لم يُستعاض بكلمة النعل بدلاً عنها؟ تعالى الله عن سفاهتهم وخبثهم.
وفسروا قوله تعالى في سورة النساء: ﴿الْجَارِ ذِي الْقُرْبَى﴾ [النساء:36]، بأنها تعني القلب. كما فسر سهل بن عبد الآية من سورة البقرة: ﴿وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف:19]، بأنها تعني لا تهتموا بغير ربكم، وليس القصد منها أن تأكلوا من الشجرة.
وادعي ابن عربي بأن أبا النبي عيسى هو جبريل أو ملك آخر بقوله: "فتمثل لها جبريل أو الملك بشراً سوياً، وقال لها أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكياً، فوهبها عيسى (ع) فكان انفعال عيسى عن الملك المتمثل في صورة الرجل، لذلك خرج على صورة أبي ذكراً بشراً روحاً، فجمع بين الصورين اللتين كان عليهما أبوه الذي هو الملك" [الفتوحات المكية لابن عربي ج3/183].
العصمة في العقيدتين الصفوية والصوفية:
العصمة صفة مهمة تطلبها ضرورة إبلاغ الرسالة السماوية بشكل كامل وسليم لتجنب الخطأ والسهو في نقل كلام الله عزٌ وجلٌ لرسوله من ثم المسلمين. وما عدا العصمة المحدودة في الجانب التبليغي للرسل والأنبياء، فهم بشر عاديون لا يختلفون عن غيرهم، معرضون للسهو والخطأ. ومن العجائب أنه في الوقت الذي لم يسبغ النبي محمد صلى الله عليه وسلم على نفسه العصمة ولا ادعاها، فإن هناك من أسبغها عليه ليبرر بها عصمة الأئمة والشيوخ من بعده!
وما ورد في الآية الكريمة: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:3-4]، إنما تتعلق بنقل كلام الوحي فقط! وإلا كيف نفسر مشاورات واستشارات النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة الكرام في كثير من الأمور تماشياً مع أمر الله جلٌ جلاله: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ [آل عمران:159].
وهناك آيات فيها عَتب من الله على رسوله منها سورة عبس: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ [عبس:1-3]، وكذلك الآيات: ﴿وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى﴾ [عبس:8-10].
ويحدثنا التأريخ عن تراجع النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض ما اجتهد به موقفاً أو رأياً، منها مثلا قبل موقعة بدر اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم موقعاً يصلح للمعركة. فسأله الحباب بن المنذر: "أهو منزل أنزلكه الله؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة". فنفى الرسول بأنه أوحي إليه. وأجابه: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. عندها أشار الحباب إلى مكان أفضل فاستحسنه النبي صلى الله عليه وسلم، وساعد فعلاً على انتصار المسلمين. وهناك حادثة تأبير النخيل، وسهو النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وطريقة الآذان، وفداء أسرى بدر، وغيرها مما ينسف العصمة عنه، إلا في حال تبليغ الرسالة السماوية.
عندما تُنفى العصمة عن النبي صلى الله عليه وسلم تنفي عصمة الأئمة والشيوخ تلقائياً؛ لأن سندها كما أشاعوا هي عصمة النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك لم يدع العصمة أحداً من فضلاء الأمة بعد النبي العصمة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم جميعاً. فالفاروق كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «قد كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر منهم»، ويصفه الإمام علي: "ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر". وقد أخطأ عمر واعترف بأخطائه بكل صراحة وبلا خجل أو وجل حتى قال: "أصابت امرأة وأخطأ عمر".
يدعي الصفويون بأن الإمام كالنبي! ويشير محمد رضا المظهر بأن "الإمام كالنبي يجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش، ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت عمداً وسهواً، كما يجب أن يكون معصوماً من السهو والخطأ والنسيان".
ويذكر شيخهم محمد الحسين آل كاشف الغطاء بأن "الإمام يجب أن يكون معصوماً كالنبي عن الخطأ والخطيئة" [كتاب أصل الشيعة وأصولها/59].
وفي أمهات مصادرهم تقرأ بأن "الامام يجب أن يكون معصوماً" [كتاب( تلخيص الشافي للطوسي1/181)]. وكذلك: "اعتقادنا في الأئمة أنهم معصومون موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل امورهم وأواخرها" [كتاب الاعتقادات للشيخ الصدوق/108].
وعن جعفر بن محمد قوله: "ما نقول بأهوائنا، ولا نعمل بإرادتنا، ولا نقول إلا ما قال الله" [أمالي الشيخ المفيد/ 59].
ويصف العلامة الحلي العصمة بأنها: "لطف يفعله الله سبحانه وتعالى بالمكلف بحيث لا يكون له داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية".
ويضيف الخميني: "نحن نعتقد أن المنصب الذي منحه الأئمة للفقهاء لا يزال محفوظاً لهم؛ لأن الأئمة الذين لا نتصور فيهم السهو أو الغفلة، ونعتقد فيهم الإحاطة بكل ما فيه مصلحة للمسلمين، كانوا على علم بأن هذا المنصب لا يزول عن الفقهاء من بعدهم بمجرد وفاتهم" [الحكومة الإسلامية/91].
من البديهي أننا لا نعترض على عصمتهم عن الرذائل والفواحش، فذلك الأمر مقبول وبديهي. ولا نتوقع من الأئمة ارتكاب الفواحش والرذائل، لكن غير المقبول هو العصمة عن السهو والخطأ! فالخميني على سبيل المثال يناقض نفسه بنفسه عندما نفى العصمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مدعياً بأنه لم يبلغ الرسالة: "من الواضح أن النبي لو كان قد بلغ بأمر الإمامة طبقاً لما أمر الله به، وبذل المساعي في هذا المجال، لما نشبت في البلدان الإسلامية كل هذ الاختلافات والمشاحنات والمعارك، ولما ظهرت خلافات في أصول الدين وفروعه" [كشف الأسرار/55].
ثم كيف تجتمع العصمة مع الفشل؟ الخميني يصف نظام الحكم الإسلامي بالفشل قائلاً: "حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يستقم نظام الحكم كما ينبغي" [خطابه في التاسع من آب 1984 بمناسبة ذكرى مولد الإمام الرضا].
وبصفاقة أكبر يقول: "جاء الأنبياء من أجل إقامة العدالة لكنهم لم ينجحوا، حتى النبي محمد خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية لم ينجح في ذلك" [خطابه في 15 شعبان عام 1400هـ بمناسبة مولد المهدي].
بل ينفي الخميني العصمة عن الذات المقدسة بقوله: "إننا لا نعبد إلهاً يقيم بناءً شامخاً للعبادة والعدالة والتدين، ثم يقوم بهدمه بنفسه" [كشف الأسرار/123].
إذن الله ونبيه غير معصومين. لكن الأئمة معصومون!
من يقبل بهذه السفاهة والابتذال؟
وعصمة الأئمة تجعلنا في حيرة في التعامل مع الكثير من المفاهيم والحوادث التأريخية التي رافقت مسيرتهم. فالإمامة كما يزعمون هي أمر إلهي كالنبوة، والأئمة معصومون. فكيف نبرر إذن مبايعة الإمام علي للخلفاء قبله وهو يعصي الأمر الإلهي بمبايعته؟ هل تجتمع العصمة مع المعصية؟ ثم موقف الإمامين الحسن والحسين من الخليفتين معاوية ويزيد. فالحسن آثر السلم وصالح معاوية ولم يخرج عن طاعته حتى موته. والحسين ثار على يزيد وخرج عن طاعته. فإذا كان الاثنان معصومين. سنقع في تناقض؛ لأن أحدهما لا بد أن يكون على صواب والأخر على خطأ؛ فكيف تجتمع العصمة من الخطأ؟ وهذا أمر خطير يتعلق بمصير الأمة.
وفيما يتعلق بعقيدة العصمة عند المتصوفة يذكر إحسان إلهي ظهير بأنهم "أخذوها من الشيعة، وهذا دليل على الروابط العميقة بينهما، وكون التصوف مأخوذ من التشيع" [للمزيد راجع كتاب(التصوف المنشأ والمصدر/201)].
ويذكر أبو نعيم الأصفهاني عن شيوخ الصوفية: "ليس للغفلة عليهم مدخل، ولا للهو فيهم مطمع، قد حجب التوفيق بينهم وبين الآفات، وحالت العصمة بينهم وبين الملذات".
ويصف ابن عربي انتساب سلمان الفارسي للنبي صلى الله عليه وسلم بأنها: "شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم لسلمان الفارسي بالطهارة والحفظ الإلهي والعصمة".
ويضيف: "من أجل كرامات الأولياء، دوام التوفيق للطاعات، والعصمة عن المعاصي والمخالفات" [الرسالة القشيرية2/667].
ويذكر النفري الرندي بأن: "الصوفية يجعلون شيوخهم معصومين، ولا يجيزون الاعتراض عليهم ويقولون: من قال لأستاذه لِمَ؟ لا يفلح" [كتاب غيث المواهب العلية1-197].
ذكر الهجويري عن الجنيد بأنه كان واقفاً أمام المسجد، وأقبل عليه شيخ فسأله: من أنت أيها الشيخ؟ فلا طاقة لعيني برؤية وجهك من الوحشة، ولا طاقة لقلبي بالتفكير فيك من الهيبة. فرد الشيخ: أنا الذي تتمنى مشاهدتي. فأجابه الجنيد: يا ملعون ما منعك من السجود لآدم؟ فأجابه: يا جنيد كيف تتصور أن أسجد لغيره؟ فنادى الجنيد في سره أن يكذبه، فسمع الشيطان نداء قلب الجنيد واحترق" [كشف المحجوب].
من ثم يستدل الهجويري من هذه القصة: "دليل على عصمته؛ لأن الله يحفظ أوليائه من كيد الشيطان".
وقال ابن عربي: "إن من شرط الإمام الباطن أن يكون معصوماً" [الفتوحات المكية 3/183].
كما جاء في طبقات الصوفية للسلمي(109): سئل أبو بكر محمد الدينوري عن علامة الصوفي؟ فأجاب: إن يكون معصوماً عن المذمومات.
ونختم هذا الموضوع بقول الكلاباذي: "المتصوفة معصومون لأنهم أطفال في حجر الحق" [التعرف لأهل التصوف للكلاباذي/110].
المصدر: موقع البرهان - الكاتب: علي الكاش