الإسلام دين العقول الراجحة والقلوب المتفتحة

بقلم / ضيـ الأقصى ــاء ..

 

 

الحمد لله رب العالمين..والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين..عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أفضل صلاة وأتم تسليم..وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..وعنا معهم بواسع رحمتك يا أرحم الراحمين..ثم أما بعد:

إن من خصائص هذا الدين العظيم ( الإسلام ) وممّا تميز به أنه دين لأولي الألباب والعقول الراجحة , فقد تميزت أحكامه الشرعية وما فيه من أوامر ونواهي ومن سُنن أنها كلها ذات حِكم ربانية تدعوا إلى الخير والرشاد وإلى صلاح الفرد والأسرة والمجتمع بل وحتى العالم أجمع ..فلو بحثنا في كافة الأديان الأخرى , لوجدنا أنهم غيبوا عقولهم عمّا فيها من أحكام ومن أوامر ونواهي ومن فرائض وتشريعات , فكانوا باتبعاهم لها كالبهائم ( أعزكم الله ) وليس تشبيهي لهم بذلك تحقيراً.. وإنما هو ذاك حالهم ؛ لأنهم غيبوا عقولهم , وأعمَوُا أبصارهم , وصَمّوا آذانهم , فنفـّذوا ما في تلك الشرائع المحرفة والأديان المتخرفة , دون أي تفكير..والبهائم ( أعزكم الله ) تُنفذ ما يأمُرها به راعيها وصاحبها دون تفكير بالعواقب .. تـُنفـّذ كل ما يُطلب منها سواء كان ذاك المطلوب أمر خير أو أمر شر..

ولكن شريعة الإسلام ما كانت كباقي الأديان.. فقد جعلت في أوامرها ونواهيها وأحكامها..حِكماً جمة, وفوائداً كثيرة , وخيراً غير مُنقطع , تحقيقاً للمصالح الخاصة والعامة دون التعدي على حقوق الآخرين ومصالحهم ..لذلك كانت شريعة الإسلام ذات قبول عند كثير من الناس .. فمن عرفها لم يُنكرها , ومن فهمها لزمها .. لأنه عرف أنها الخير كله .. وفهم أنها الحق بعينه..

فالشريعة الغراء تدخل القلوب عن طريق العقول..فلا تجعل من الإنسان إمّعة يتـّبع أحكاماً وأوامراً ونواهي لا يعرف لما يتـّبعها.. بل دخلت إلى القلوب من منافذه الصحيحة .. فهي بأحكامها وأوامرها ونواهيها تتلمس العقل الراجح , والفكر المُتفتح , والقلب المُنشرح..فمن كان كذلك كان أشد الفاهمين لها , وأكثر العارفين بها , ولزمها أيّما إلتزام..لأنه عرف أنها الحق وأنها هي السبيل للنجاة في الدنيا وما بعدها..

لو تعمقنا قليلاً لنضرب الأمثلة على دعوة الإسلام للفرد أن يتفكر في أحكام وحِكم هذه الشريعة الغراء العظيمة ..فعن وابصةَ الأسديِّ ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا وابصة ، اسْتَفْتِ قلبَك ، واستفتِ نفْسَك ثلاث مرات ؛ البِرُّ ما اطمأنتْ إليه النفسُ ، والإثمُ ما حاكَ في النفْس ، وتَرَدَّدَ في الصدر ، وإنْ أفتاكَ الناسُ وأفتَوْكَ " * حديث صحيح رواه أحمد والدارمي , وصححه النوويّ .

في هذا الحديث النبوي أمرنا نبينا الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - أن لا يكون الواحد منا إمعة يتبع أقوال الناس وفتاويهم حاجباً قلبه وعقله عنها..حيث أن الفطرة الصحيحة..أن يُحكّم الفرد المسلم عقله وقلبه في كل أمره , ويتبع الأمر الصواب الذي فيه الخير والرشد والصلاح , والذي في حالة كونه كذلك فإنه بالطبع سيكون هذا الأمر هو الذي يُحبه الله ويرضاه..لأنه سبحانه وتعالى ما أنزل في هذه الشريعة الغراء إلى ما فيه صلاح الناس وصلاح الأنفس.. يقول الله تعالى في القرآن الكريم :{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } [ سورة البقرة : آية 219 ]

لقد حرّم الإسلام الخمر , وما كان تحريمه عبثاً .. فلو كان فيه منفعة للناس دون مضرة .. لكان الإسلام أول المبيحين لشربه .. بل حتى أن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - قد أشار علينا واستحبب لنا شُرب الحليب ( اللبن ) .. وكذلك القرآن الكريم أشار إلى هذا الشراب السائغ , يقول تعالى : {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ } [ سورة النحل : آية 66 ] , وأثبتت الدراسات العلمية الحديثة .. أنه لا يوجد مشروب في هذه الأرض فيه من الفائدة مثل الحليب ( اللبن ) ..لذلك عندما حرّم الإسلام الخمر .. لم يكن ذلك إلا للمصلحة الخاصة والعامة .. وقد أشار الله تعالى بأن ضرر الخمر أكبر من نفعه .. وهذا ما أكدّه العلم الحديث..

ولو أتينا أيضاً إلى مثال أخير.. ألا وهو كيف تم تحريم الخمر في بداية الإسلام .. حيث كان ذلك على ثلاث مراحل مُتدرجة ..

1 - قوله تعالى : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ) ؛ ثم : 2 - قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) ؛ ثم : 3 - قوله تعالى : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه )

وكان هذا التدرج في التحريم..مراعاة للمسلمين..حيث كما تعلمون كيف يكون تعلق شارب الخمر به ؛ فهو كالإدمان .. فكان التحريم بالتدريج مساعداً على تركه بالتدريج..

وأيضاً لو نظرنا في هذا التدرج أنه سبحانه وتعالى خاطب العقول والقلوب..حيث أنه في بادئ الأمر أوضح للناس أن الخمر فيه مضار كبيرة , ومنافع قليلة .. وضرره أكبر بكثير من نفعه ..ثم سبحانه وتعالى..أشار على المؤمنين أن من أراد الصلاة فلا يقربنّ الخمر.. فكان ذلك إشارة إلى العقول أن الصلاة هي عبادة يجب أن يكون فيها المؤمن واعياً أتم الوعي.. والخمر كما تعلمون يُذهب العقل ..

ثم سبحانه وتعالى جاء بالأمر بتحريمه .. حيث أشار إلى أن الخمر هو شراب مذموم من عمل الشيطان .. وقد وردت أحاديث نبوية عن خطر شرب الخمر وعن آثاره السيئة ..

فلو تأملنا في هذا الحكم الشرعي في تحريم الخمر.. لوجدنا أن الشريعة الإسلامية.. لم تقم بتحريم الخمر عبثاً .. ولم تقم بتحريمه جفاءً منها .. بل قامت بتحريمه وتوضيح الأسباب والحِكم من ذلك .. وأيضاً في جميع الأحكام الشرعية والأوامر والنواهي والسنن النوبية.. لو تأملنا فيها لوجدنا أن العلماء قد استنبطوا منها حِكماً كثير .. وتوضيحاً للأسباب الداعية للأمر أو النهي أو الاستحباب أو الكره ..

بل حتى أننا في عصرنا الحالي ما زلنا نكتشف كثيراً من الحِكم والإعجاز في الشريعة الإسلامية وكافة جوانبها . وفي القرآن العظيم وسنة النبي الكريم ..

هذا وما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان .. ولا تجعلوا الله أهون الناظرين إليكم ..بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .. ونفعني وإياكم بما فيه من الذكر الحكيم ..

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم .. فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 327 مشاهدة
نشرت فى 11 يوليو 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

939,562

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.