ما أحلاك رمضان بين الأهل والأصحاب في الأوطان 

   أقول هذا القول عن واقع حقيقي، وشعور صادق داخلي وخارجي، وصدق عقيدة بعظمة وتفرد هذا الأمر الإلهي.

ما أحلاك يا رمضان حقاً.. فأنت وحدك الشهر الذي له ذكرٌ طيب في القرآن، وذلك تقدير خاص في مراتب الإيمان.. وصومك شرط من خمسة شروط هي اكتمال بناء الإسلام.

 

أنت شهر.. والشهر فيما قيل أصله من (الشُّهرة) يقال منه : شهر فلان سيفه - إذا أخرجه من غمده، وكذلك شَهَر الشهرُ إذا طلع هلاله، وأشهرنا نحن إذا دخلنا في الشهر.. وأنت يا رمضان قد جاء اسمك من (الرمَضْ) بفتحتين، شدة وقع الشمس على الرمل وغيره، والأرض رمضاء، وشهر رمضان جمعه (رمضانات) و (أرمضان).

قيل إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي تقع فيها فوافق هذا الشهر أيام رَمَض فسمي بذلك، وكان مجاهد - رضي الله عنه - يكره أن يقال : (-رمضان فقط-) لكن نقول كما قال الله (شهر رمضان).

نصومك طاعة مخلصة لله تعالى بصدق، فالصيام هو (الكف عما أمر الله بالكف عنه) ومنه قوله تعالى : (إني نذرت للرحمن صوماً)، وأنت يا رمضان أعظم الشهور قدراً وحظوة - ففيك نزل القرآن الكريم - وأنت متفرد باسمك فلم تذكر إلاّ مرة واحدة في القرآن العظيم.

** ** **

حقاً.. ما أحلاك يا رمضان ونحن هنا مع الأهل والإخوان في هذا الوطن الذي هو أطيب بقاع الأرض، وفيه نزل القرآن، ومنه انطلقت مواكب الإسلام إلى كل الدنيا .

** ** **

في كل فصول العام يأتي رمضان.. فنظرة إلى الأديان الأخرى التي تأتي أعيادها في يوم محدد في فصل معين، لا يتقدم ولا يتأخر.. لكن رمضان يجيء في كل فصول العام - فقد صمناه في الشتاء القارص، وصمناه في الصيف الحار اللافح، وصمناه في الربيع الزاخر.. وهكذا في كل الفصول يجيء رمضان - لكنه جميل في كل أوقاته.. مقدر في كل حالاته .. لم يمنعنا البرد القارص عن الصيام - ولم نتأخر عن ذلك عند الحر في أشد أيام، وما ذلك إلاّ دلالة عظيمة على استمرار هذا العمل الإيماني العظيم.. رمضان المبارك الكريم.

** ** **

حقيقة واقعية هي أنني صمت رمضان في ظروف كثيرة، وفي بلاد متغيرة بحكم الدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية.. لكن هناك أمر قوي التأثير لا أستطيع الفكاك منه، وهو أنني وقد استقرت بي الحال والعيش في هذا الوطن الغالي لا أستطيع أن أبقى خارجه عند حلول رمضان أينما كنت في عطلة، أينما كنت في سفر لا أملك إلاّ العودة إلى هنا مع حلول الشهر المبارك لأن للصوم هنا طعماً لا يعادله صوم في أي موقع، ولا يماثل الشعور العميق الجميل به شعور في أي مكان غير مكاننا.. هنا بين الأهل والإخوان.

هذه حقيقة يشعر بها كل من هو مثلي في وثيق الارتباط بحب هذه الأرض الطاهرة وهذه الحياة السعيدة.

** ** **

لقد صمتُ رمضان وأنا صغير السن في بلدتنا المجمعة مع الأسرة، والإخوان الصغار مثلي، وكم كنا نفرح بحلول رمضان لنصوم كالكبار، ونصلي معهم الجماعة والقيام، ونكثر من قراءة القرآن، ونطيل البقاء في المسجد مع الرجال، ولم يكن ذلك يمنعنا عن نشاط العمل المبكر والدراسة المعتادة حين تأتي في رمضان، أما الآن وللأسف الشديد فإنك ترى الكثير من الناس الكبار قبل الصغار يقضون الصيام نهاراً نائمين، والليل مع التلفاز والقنوات ساهرين، وربما لا تراهم مع المصلين مشاركين.

** ** **

لقد كانت معظم الغزوات والفتوحات الإسلامية في شهر رمضان، وانتصر المسلمون وملأوا الدنيا بدينهم وجودهم، أما اليوم فالاستعدادات الإعلامية تبذل جهدها لسهرات رمضان بالمسلسلات والأفلام والمسرحيات التي هي جذب للناس تجهز كلها قبل شهر الصوم بزمن طويل، وتكثر الدعايات والإعلان عنها جذباً مقدماً للساهرين، بل إشغالا عن أداء حق رمضان كما هو واجب ومفروض.

** ** **

هل يمكن الآن أن تتغير هذه المشاغل الإعلامية وتحل محلها الرعاية الدينية، والإذاعات الإيمانية ليعطي الجميع حق هذا الشهر كما هو واجب، بل أقول ليكسبوا فيه عظيم الأجر والثواب الذي لا يعادله كل ما في الدنيا؟

ومما هو عجيب أيضاً اليوم أن نرى تغير أوقات العمل واختصارها وكأن الصيام كسل وتقاعد، وكأن العمل فيه جهد ونصب يفضل ويراعى على أهمية الصيام وحسن الجزاء.

لماذا لا تبقى ساعات العمل بدءاً وانتهاءً كما هي قبل رمضان وبعده..

إن هذا التأخير للعمل واختصار ساعات الأداء فيه كأنها مشاركة ومساعدة للكسالى وتشجيع لهم على التقاعس وإطالة النوم، ونسيان ذكر رب العالمين، ناسين أن العمل عبادة وأنه لم يحدث في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الخلفاء الراشدين من بعده وطوال العصور الإسلامية السالفة هذا التقصير والإقلال من ساعات العمل، فما أجمل الشعور بالصوم ونحن نعمل ونشعر بالجهد لا أن نكون كسالى نائمين.

فلتعد مواعيد العمل بدءاً وانتهاء في رمضان كما هي الحال في سائر الأيام ولتبقَ الدراسة كما هي في مواعيدها ونظام ساعاتها كما هي قبل رمضان وبعده.

أكرر وأقول، والشعور بذلك يغلبني : ما أحلاك يا رمضان ونحن نصومك ونفطر مع الأهل والإخوان.

وكل رمضان وأنت يا وطني بخير، وأنتم يا كل إخواني وكل أهلي والقراء بصوم مقبول.

** ** **

وفقنا الله جميعًا إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها،

 اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة 

المصدر: جريدة الرياض - محمد بن أحمد الرشيد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 98 مشاهدة
نشرت فى 10 يوليو 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

939,735

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.