الجهد الأمني غير كافٍ بدون «شركاء فاعلين» لمواجهة «حملة الاستهداف» الشرسة
مكافحة المخدرات.. لن نستسلم في حرب تدمير العقول!
تواجه المملكة حملة استهداف شرسة لتهريب وترويج المخدرات بكافة أنواعها، معلنة أن الحرب التي تخوضها ضد المفسدين لن تستسلم فيها أبداً، بل ستستمر بجهود أبنائها المخلصين للتصدي لها، وحماية المجتمع من آثارها السلبية المدمرة.
ويبدو أن الجهد الأمني غير كافٍ وحده للمواجهة بدون «شركاء فاعلين: الأسرة، المدرسة، المسجد، الإعلام،...»، إلى جانب تفعيل لجان العمل في اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، وتنامي الوعي بخطورة هذه الآفة، و»التبليغ» عن المهربين والمروجين، إلى جانب تطوير برامج الوقاية، والحد من تأثير العوامل المسببة للتعاطي، ومن أبرزها: رفقاء السوء، والفراغ، وحب الفضول، و»البطالة»!
وكشفت الأرقام والإحصاءات أن المملكة ضبطت أكبر كمية للمنشطات في العالم خلال عام 2009م، كما ضبطت الجمارك 33 مليون «حبة مخدرة» خلال عام، وبلغ إجمالي قيمة المضبوطات في البيانات الثمان الأخيرة لوزارة الداخلية خلال عام ونصف أكثر من 2.2 مليار ريال، كما تشير ملاحظة المختصين إلى أن حجم المشكلة يتزايد كل عام، ولا يزال الحشيش والحبوب الأكثر تعاطياً بين الشباب، كما تكمن الخطورة في وجود مواد مخدرة مغشوشة يروج لها في السوق؛ وتفتك بخلايا الشباب وتصيبهم بالهلوسة والانفصام.
«ندوة الثلاثاء» تناقش مشكلة المخدرات هذا الأسبوع ضمن «حملة الرياض» التوعوية، من خلال جملة من المحاور أبرزها: واقع مشكلة المخدرات، وحجمها في المملكة، وتأثيراتها السلبية أمنياً واقتصادياً واجتماعياً ونفسياً، إلى جانب الجهود المبذولة من الأجهزة المختصة، والحلول المقترحة للحد منها.
واقع المشكلة
في البداية أوضح «د. السريحة» أن مشكلة المخدرات هي مشكلة عالمية، وليست مشكلة محلية، وبالتالي حينما ننظر إلى واقعها ننظر إليها في سياقات مقارنة بحجم عوامل انتشارها. وقال: «إن المخدرات كمشكلة اجتماعية وأمنية وصحية واقتصادية لها جانبان، جانب يُعرف بالعرض، وآخر بالاستخدام، أما جانب العرض؛ فيعتمد على التجارة، وتسعى اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات إلى وضع خطة استراتيجية مكونة من سبعة محاور لمواجهة الظاهرة على مستوى التجارة، وأول مهمة هي المعلومة الاستخباراتية التي تراقب تجارة المخدرات، وأيضاً الإجراءات الحدودية الماثلة في الجمارك وحرس الحدود لمراقبة المنافذ، كذلك الإجراءات الداخلية المتمثلة في جهود الأجهزة الأمنية الخاصة، والأدوات المستخدمة في طرق التفتيش وغير ذلك، بالإضافة إلى الطرق المتبعة في المراقبة»، مشيراً إلى أن كل دولة أوجدت أجهزة مستقلة لمكافحة المخدرات، كما أوجدت أجهزة أخرى مساندة ذات وظائف أمنية محددة، كما وضعت القوانين والتشريعات المجرمة لتجارة المخدرات، مؤكداً على أن المملكة أصدرت منظومة «قانون مكافحة المخدرات» وطورت على مدى سنوات مختلفة، بما يحد من هذه التجارة.
حجم المشكلة
وأوضح «د. السريحة» أن أي مشكلة اجتماعية لها خمسة أطوار، وهي طور النمو وتكون المشكلة هنا غير مرئية بوضوح، ثم ظاهرة المرور؛ فظاهرة التكون والتعاون، ثم ظاهرة محاولة التمرد، وأخيراً ظاهرة استحالة الحل.
وقال: «أي مجتمع له استراتيجيات لمواجهة المشكلة والتعامل معها بناءً على الطور الذي وصلت إليه، وبالتالي وضع آليات واستراتيجيات وسياسات لمواجهة المشكلة ووضع السياسيات التي تلائمها، حيث شرعت اللجنة الوطنية في محاولة تشخيص الظاهرة، وهناك جهود سابقة ممثلة في دراسات وتقارير من قبل المديرية العامة لمكافحة المخدرات وهي تصدر تقريراً سنوياً حول ذلك، وهذا بحد ذاته يعطينا مؤشر لواقع المشكلة وحجمها في المجتمع»، مشيراً إلى أن مستوى المشكلة في المملكة بين المستوى الثاني والثالث، أما في الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر في المستوى الرابع تقريباً، وأفغانستان في المستوى الخامس، وإيران بين المستوى الرابع والخامس، وباكستان كانت في السابق في المستوى الخامس ثم انخفض إلى المستوى الثالث أو الرابع بناء على السياسات التي أتبعت لمكافحة الهيروين.
وأشار -من وجهة نظره- إلى أن التقديرات العالمية كشفت أن حجم المشكلة بدأت تخف عام ٢٠٠٣م، معللاً ذلك بالجهود العالمية المبذولة للتقليل منها ومواجهتها، ومن ذلك الاتفاقيات الأمنية، والأنظمة والقوانين، والاستراتيجيات الوقائية، والجهود الإعلامية.
رجل أمن لحظة القبض على عصابة ترويج مخدرات خاص ل«الرياض»
معلومات غير دقيقة
ويختلف «د. الشورى» مع «د. السريحة» في تبسيطه لحجم المشكلة وأن نموها قليل في المجتمع، إلى جانب تراجع حجم المشكلة عالمياً، وقال: «نحن في مجمع الامل بالرياض نغطي المنطقة الوسطى، وبعض المناطق الاخرى، ونرى أن هناك تزايداً في تطور المشكلة، من خلال حجم المتعاطين والمدمنين»، مشيراً إلى أن هناك دراسة وحيدة ل «الشريف» عن المتعاطين، ولا يوجد لدينا دراسات أخرى ولا احصائيات، ولا نستطيع أن نجزم بحجم المشكلة، وما نعمله فقط هو مقاربات للأرقام والنسب من ملاحظة الواقع، وهذا غير كاف.
ويتفق «الخزيم» مع ماذهب اليه «د. الشورى»، ويضيف: «ليس هناك احصائية دقيقة وعلمية حول حجم المشكلة، وأرى أن المشكلة من حيث حجم الضبطيات سواء عن طريق الجمارك أو حرس الحدود حجمها عالٍ جداً، وهو مؤشر خطير على حجم المشكلة، فمثلاً ضبطت الجمارك أكثر من 33 مليون حب مخدرة خلال العام الحالي 1431ه، هذا بالنسبة للحبوب فقط التي تعد الأكثر استخداماً بين المتعاطين.
وعلق «د. السريحة» قائلاً: «إن التعاطي هو الذي يعكس حجم المشكلة أو تفشيها وليس حجم المضبوطات»، مبيناً أن التقرير الذي صدر عام ٢٠٠٩م كشف أن المملكة أول دولة ضبطت أكبر كمية للمنشطات، حيث ضبطت ثلث الكميات من المخدرات والمنشطات سواء أكانت في تجارة دولية عابرة أو تجارة موجهة للمملكة؛ فكانت من أفضل الأجهزة العالمية الأمنية، وهو ما يعزز رأيي من أن المشكلة أقل من وقت سابق!.
جانب من تقنية الفحص الإشعاعي للشاحنات قبل دخولها إلى المملكة
استهداف المملكة
وأكد «اللواء الزهراني» على أن المملكة من أكثر دول العالم استهدافاً بالمخدرات، معللاً ذلك بأنها «قبلة المسلمين»، وتتوافر فيها الإمكانات الاقتصادية، واستتباب الأمن والاستقرار، إلى جانب أن بعض دول الجوار للمملكة تحولت إلى مناطق لتجارة وترويج المخدرات.
وقال: «إن المديرية العامة لمكافحة المخدرات نجحت في مهمتها الأمنية، وتحملت مسؤولياتها الجسام للحد من وصول المخدرات إلى المملكة، وبذلت في ذلك جهوداً جبارة، وتضحيات كبيرة من أبنائها المخلصين، وواصلت مساعيها لمراقبة مناطق العبور والطرق التي تصل من خلالها المخدرات إلى المملكة، دون أن تنتظر وصولها إلى الحدود، حيث تم مراقبة مناطق الإنتاج والزراعة في عدد من الدول، إلى جانب كشف أساليب ووسائل المهربين والتنسيق مع جميع الأجهزة ذات الصلة، وعلى رأسها الجمارك، وحرس الحدود، كما تم أيضاً تعقب المروجين في الداخل، والقبض عليهم»، مؤكداً على أن المواجهة مع المهربين والمروجين لن تتوقف، بل هي «مواجهة مستمرة»، ولا يكفي فيها الجهد الأمني لوحده، بل نحن بحاجة إلى شراكات فاعلة من جميع مؤسسات المجتمع (الأسرة، المدرسة، الإعلام، المسجد،...) لمواجهة هذه الآفة الخطيرة، وتطهير مجتمعنا منها.
«دينمو الجريمة»
ويصف «اللواء الزهراني» المخدرات بأنها «دينمو الجريمة»، وقال: «حينما ننظر إلى معظم الجرائم في المجتمع نجد أن المخدرات تقف خلفها، فالحوادث المرورية، أو جرائم ارتكاب السرقات، أو القتل، أو غيرها؛ تكشف أن المدمن يمكن أن يرتكب سرقة من أجل أن يحصل على قيمة المخدر، أو يقتل أحد أقربائه من أجل أن يحصل على المال أو سرقة أموالهم لشراء المخدر».
أسباب التعاطي
واستعرض «الشريف» دراسة عن العوامل المؤدية إلى تعاطي المخدرات في المملكة -وهي دراسة علمية حديثة أُجريت على عينة من (٢٢١) متعافياً من إدمان المخدرات في عدد من مناطق المملكة-، وقال: «اتضح أن أول أسباب التعاطي هو ضعف الوازع الديني، ثم أصدقاء السوء بنسبة (٧٧٪) من إجمالي عينة الدراسة، وحل الفراغ في المرتبة الثالثة بنسبة (٦٣،٨٪)، ثم حب الفضول والتجربة في المرتبة الرابعة بنسبة (٥٨،٤٪)، والتسلية والترفيه في المرتبة الخامسة بنسبة (٥٥،٧٪)، ثم البطالة في المرتبة السادسة بنسبة (٤٩،٨٪)، والفشل الدراسي بنسبة (٤٢،٢٪)».
واستعار «الشريف» وصف سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز للمخدرات بأنها خطيرة و»كارثة»، وذلك للتأكيد على أن هناك استهدافاً للمملكة وشبابها من هذه الآفة، مشيراً إلى أن هناك جملة من المتغيرات ذات العلاقة بالظاهرة، منها: تزايد الإنتاج العالمي للمخدرات، وهذا ما أكده التقرير الدولي لمكافحة المخدرات الذي صدر أعوام (٢٠٠٧، ٢٠٠٨، ٢٠٠٩،)، وتطور طرق التهريب وأساليبه، واستهداف الشباب «تهريباً وترويجاً وتعاطياً»، إلى جانب الانفتاح العالمي والإعلامي، وتعدد واختلاف الوسائل التقنية الحديثة، ثم تطور أساليب الجريمة وسلوكياتها، مؤكداً على أن هذه المتغيرات ساهمت بشكل كبير في تنامي هذه الظاهرة، وزيادة أعداد المتعاطين والمدمنين على المخدرات.
تنسيق الجهود
وأكد «الخزيم» على أن هناك جهوداً مشتركة بين جميع الأجهزة الحكومية سواء من الجمارك أو حرس الحدود أو مكافحة المخدرات، بما يحكم السيطرة على المنافذ، وتمرير وتبادل المعلومات؛ للقبض على المهربين.
وقال: «إن المرتكز الأساس في العملية هو الموظف الجمركي؛ فأسلوب اختياره وتدريبه وقوة ملاحظته ومراقبته، يساعد بشكل كبير في القبض على المهربين»، مشيراً إلى أنه في السابق كان التفتيش تقليدياً، أما الآن فهناك أجهزة تقنية متطورة تقوم بذلك دون فك الأبواب أو الأغطية أو ملاحظة تحركات المهربين»، مشيداً بجهود مكتب تبادل المعلومات بالشرق الأوسط التابع لمنظمة الجمارك العالمية، ودوره في تمرير المعلومات وبثها على الأجهزة المعنية.
انتشار التعاطي
وحول أسباب انتشار تعاطي المخدرات، أوضح «د. السريحة» أن هناك خمسة أسباب تنتج مشكلة التعاطي -علينا أن نفرق بين التجارة وبين التعاطي-، وهي: الأسرة، وتمثّل حجر الزاوية، وتكمن فيها عوامل الخطورة الكبيرة، ومنها عدم وجود الرقابة الأسرية، وعدم وعي الآباء بأصول التربية، أو وجود اتجاهات دائمة للتعاطي داخل الأسرة؛ والسبب الثاني هو وجود ضاغط أسري على الأبناء في التربية الصارمة، من حيث التعامل السيئ مع الأبناء ونفسياتهم، والسبب الثالث وجود شخصية التعاطي غير المقدرة للذات، من خلال ما يعرف بالبحث عن اللذة والمنفعة، ووجود الشخصيات الخانعة والشخصيات التبعية، والسبب الرابع للتعاطي هي المدرسة، ومدى قدرتها على احتواء المراهقين، والسبب الخامس هو الحي، حيث يعتبر أخطر موقع للمراهقين.
وقال: «تبدأ الكثير من عمليات التعاطي من سن ١٣-١٦ وهو نفس نموذج المستوى العالمي»، مشيراً إلى أن اتخاذ قرار التعاطي في هذه السن يعد خطيراً للغاية؛ لأن الناصية -وهي المسؤول عن صنع القرار- لم تكتمل بعد في هذه المرحلة -كما يقول الأطباء-، فإذا لم يكتمل عنده نمو الناصية يأخذ قرار التعاطي في مرحلة خطيرة جداً؛ فهو أخطر قرار يتخذه الشخص مما يؤدي إلى مضاعفة الانحراف؛ ولذلك فالحي الموبوء بالمخدرات والذي ينتشر فيه المخدرات عامل أساسي للتعاطي والمؤثرات، وعدم وجود التواصل بين الجيران عامل أساسي آخر للتعاطي.
وأضاف «د.الشورى» سبب آخر وهو رفيق السوء، حيث أثبت بحثنا في مجمع الأمل في الرياض أن 90% من المتعاطين أرجعوا السبب إلى الرفقة السيئة.
واشار إلى أن أسباب تعاطي المخدرات تتفاعل مع بعضها، ولكن المهم هو تربية الأبناء التربية الحسنة، والأهم هو كيف يكتسبون الثقة في أنفسهم في مرحلة مبكرة.
دوافع العلاج
وأوضح «د. الشورى» أنه لا يحضر إلى المستشفى الا شخص تأثر وبدأ سلوكه وتصرفاته تؤثر على الذين من حوله، من خلال عدوانيته على الأطفال أو الوالدين أو الزوجة، وعدم تحمله لمسؤولية نفسه وأسرته، وسعيه الدائم إلى الحصول على المخدر بطرق غير مشروعه؛ إما بالسرقة من البيت، أو من الجيران، أو المحال التجارية، كذلك شعور أسرته بالسمعة السيئة داخل الحارة أو من الأقارب؛ مما يضطرهم إلى العلاج، مؤكداً على أن التأثيرات كثيرة من النواحي الاجتماعية، وكلها سلبية، مشيراً إلى أن قدرة الأسرة على التعامل معها ضعيفة؛ لأنه ليس هناك إلى الآن جهات يمكن أن تساعد الأسرة على تجاوز هذه المشاكل وتوجيههاً بشكل مناسب، ويبقى السؤال داخل كل أسرة تعاني اليوم: كيف نتعامل مع ابننا المدمن؟.
سؤال محير!
وعلق «د. أسعد»، قائلاً: هناك سؤال يتبادر دائماً إلى ذهني حينما أرى مدمناً أو تمر علي مشكلة الادمان عند شخص، وهو: ما الذي يدفع الإنسان لاستخدام أو البدء في أمر التعاطي وهو يعلم مسبقاً أنه أمر خطير أو أن له مضاعفات كثيرة؟، ثم ما سبب المشكلة لتعاطي المخدرات ثم الإدمان عليها؟، والقضية هي هل هذه المخدرات فعلاً قوية وصعب مقاومتها؟، أم أن هناك ظروفاً خارجية تدفع المدمن إلى الاستخدام حتى وهو لا يريد استخدام المخدر؟.
وأضاف:»هنا نأتي لنرى ما هي محاور وجوانب المشكلة التي دفعت الإنسان إلى التعاطي، وهي إما دوافع شخصيته التي تسمى الشخصية الباحثة دائماً عن كل جديد، ولا تستطيع أن يتقبل وضعاً معيناً يتعود عليه ويستمر ويثابر على شيء معين، حيث يبحث هذا الشخص دائماً عن الجديد ولا يتحمل الضغوطات فهو شخصية باحثة دائماً عن المتعة السريعة، وهو أيضاً متململ وفيه اضطرابات شخصية تكثر عند المدمن مثل اضطرابات الشخصية المعادية للمجتمع، واضطرابات الشخصية الحدية أو اضطراب الشخصية الهستيرية أحياناً، وهذه اضطرابات شخصية تكثر عند المدمنين، لكن ليست هي دائماً السبب الوحيد والأساسي للادمان لكنها واحدة من الأسباب، أيضاً العوامل الأسرية تلعب دوراً كبيراً في الدفع إلى الادمان والتعاطي، وكلما كانت الأسرة فيها عوامل قوة تحمي الشاب من التعاطي كلما كان احتمالية ادمانه وتعاطيه أقل وكان إقباله ضعيفاً، وكلما كان في الأسرة التفكك فرداً يتعاطى ويستخدم كلما كان المراهق ذا قابلية للتعاطي»، مشيراً إلى أن العوامل الخارجية البيئية مثل الحي والمدرسة تلعبان أيضاً دوراً في التعاطي والادمان.
مراحل التعاطي
وبين «د. أسعد» أن المتعاطي يبدأ بالاستخدام أولاً لأي سبب -كما ذكر-، ثم ينتقل إلى المرحلة الثانية وتسمى «سوء الاستخدام»، ويستمر في ذلك مع وجود اشكاليات وقعت له بسبب ذلك، مثل المشاكل الصحية، أو حادث سيارة، أو تأثّر في الدراسة أو مشكلة اجتماعية مع علمه ان هذه المشكلة ناتجة من التعاطي لكنه يستمر فيها، أما المرحلة الثالثة وهي الأخطر، فهي «الإدمان»، حيث يستخدم المادة المخدرة بكمية أكبر مع الوقت حتى يضر بصحته، ويستمر في التعاطي حتى يسيطر على كل وقته وماله وأسرته، ويضحي بكل شيء في حياته من أجل التعاطي.
وأضاف:»بعض المتعاطين يتخذ قراراً مبكراً أن يترك المخدرات ويتراجع عن التعاطي والاستخدام، والبعض لا يتراجع ويدمر حياته»، مشيراً إلى أن الكثير من الناس يستمر في التعاطي اعتقاداً منه أنه لن يصبح مدمناً، وهذه مشكلة لدى الكثير من الشباب؛ فشخصية الشاب تلعب دورها، ومنهم من يبحث عن المتعة واثبات الذات والانقياد وراء الآخرين مع وجود نموذج أمامه يحتذى به.
حبوب وحشيش هي الأكثر!
وأوضح «د. الشورى» أن الحبوب والحشيش هي أكثر المواد استخداماً الآن، وطبعاً خلافاً لما كان عليه قبل عشر إلى خمس عشرة سنة، حيث كان الهيروين هو الطاغي أو هو الذي كان يصل بالناس إلى المنشآت العلاجية، أما الآن فالوضع اختلف، فاصبحنا نرى أعداداً متزايدة من متعاطي الحشيش والامفيتامين، وهذه تأثيرها النفسية أكبر بكثير من الهيروين، ويمكن أن الهيروين مؤثر كسلوكيات إدمانية لكن في التأثيرات النفسية نوعيات المخدرات الأخرى من الحشيش والامفيتامين مؤثرة جداً، وتؤِثر في الاضطرابات النفسية.
مخدرات مغشوشة!
وحذر «الشريف» من أنواع المخدرات التي تسبب الادمان من أول جرعة، وقال: من واقع الدراسة على عينة وجد أن عدد المتعاطين الذين وقعوا في التعاطي من أول جرعة (١١١) شخصاً، بنسبة (٥٠،٢٣٪).
وأكد «د. صبر» -من خلال ملاحظته في العيادة- على استخدام المتعاطي مواد منشطة أو حشيشاً، ولكن الاختلاف أن المواد بدأت تعطي مؤشرات سلبية ومرضية أكثر من الاستخدام السابق، مثل تعاطي المنشطات أصبح يظهر معها أمراض ذهانية، مثل الشكوك والهلاوس والضلالات والشك في الآخرين والتهجم عليهم، وكل هذا الآن أصبح ينتج عن تعاطي الحشيش والحبوب المنشطة، كما ينتج عنها كذلك الهلع والقلق أكثر مما كان في الماضي، وحسب ما وصلنا إليه ان الكثير من المروجين أصبحوا الآن يحرصون على خلط الأشياء التي يروجونها بأشياء أخرى، فالحشيش أصبح يخلط مع الهيروين أو الاسبرين.
خلط المواد المخدرة
وتجد هذه المعلومة تأكيداً آخراً من «د. الشورى»، حينما أوضح: أن هناك نسبة حذر عالية لأي مواد جديدة تصل إلى المملكة، وقال: «أذكر أنه قبل السنة تقريباً تم ضبط حبوب تسمى «الاكستفي» وتم التعرف عليها مباشرة»، مشيراً إلى تكوين لجنة للبحث عن تراكيب وخلط المواد المخدرة وآثارها الصحية والنفسية، ومن واقع التجربة لدينا في المستشفى أن عدد متعاطي هذه المواد تزايد بشكل كبير جداً، إضافة إلى حدوث اضطرابات نفسية نتيجة تعاطي هذه المواد المركبة.
ويسرد «الشريف» بعض التقارير الصادرة من المركز الاقليمي لمراقبة السموم في المنطقة الشرقية وكلية الصيدلة من جامعة الملك سعود، وأيضاً مجمع الأمل في الصحة النفسية بالدمام، وكلها تؤكد على أن مادة الامفيتامين مخلوطة بمادتين الابيدرين والامفيتامين، وهذه تؤدي إلى تدمير الخلايا العصبية في مخ الإنسان وبتعاطيها يؤدي إلى الأمراض الذهانية والنفسية.
مواد قاتلة!
ويصف «د. السريحة» هذه الاشكالية بأنها تنتج من أمرين، أولاً: ظروف التصنيع السيئة جداً لهذه المواد المخدرة، حيث تستخدم بمقادير غير معروفة، وحسب الفحوصات الأخيرة استكشف أنها تحتوي على مواد شديدة السمية، وتضاف إليها مواد أخرى لفرض زيادة الحجم، كذلك لدينا اشكالية في سلوك التعاطي التي هي الخلط بين النقيضين هما الحشيش والحبوب، ويضاف إليهما «الشراب» الذي يخلط مع هذه المواد المخدرة، وهذه المواد الكيميائية التفاعلية في حد ذاتها تؤدي إلى مشاكل صحية ونفسية، كذلك سلوك التعاطي حيث كان في السابق حذراً، والآن التعاطي يستمر ثلاثة إلى أربعة أيام.
الوقاية من المخدرات!
وأعلن «الشريف» أن توجه المديرية العامة لمكافحة المخدرات في هذه المرحلة هو تنمية الوعي وتغيير الاتجاهات السلبية التي تؤدي إلى التعاطي.
وقال: «نحن في المديرية لدينا يومياً طلبات من الأسر ترغب نقل الشخص المدمن لديها إلى المصحات والمستشفيات، وهذا دليل على أن لدينا وعياً بمشكلة المخدرات؛ فالناس أصبحوا اليوم يتصلون بالمستشفيات لمجرد شعورهم بوجود مدمن معهم في المنزل».
وأضاف: «من أجل ذلك؛ فالجانب الوقائي مهم جداً ونحن نحتاج إليه، وقد حقق نجاحاً في مكافحة المخدرات، كما نجحنا بالضبط في مجال الارهاب، وقد حققنا برامج وقائية مع وزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية والشؤون الإسلامية والجمارك ومع اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات في تنفيذ عدد من البرامج الوقائية، ومنها برنامج خادم الحرمين الشريفين للمبتعثين بدأنا فيه منذ عام ١٤٣٠ه، والمديرية العامة لمكافحة المخدرات تعمل وفق خطة وقائية متكاملة معتمدة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، وفي العام ١٤٣٢ه لدينا مجموعة من الخطط الوقائية، وذلك بتعزيز القيم والتعاليم الدينية والاجتماعية، ولدينا كذلك البرنامج الوقائي الطلابي، كما يوجد تنسيق بيننا وبين اللجنة الوطنية لتحقيق تلك الأهداف، والتعاون قائم أيضاً بيننا وبين وزارة التعليم العالي.
مسؤولية مشتركة
وأكد «الروضان» على سعي الجمارك إلى تطوير أساليبها وتدريب موظفيها والاهتمام بالدراسات والمعلومات وتثقيف العاملين لديها، بالاضافة إلى استخدام التقنيات اللازمة لمواجهة هذه الظاهرة والتعاون مع الجهات الاخرى في سبيل التصدي لها. وأضاف: «أن إدارة الجمارك وضعت خطة لتطوير العمل، وتهتم كثيراً بجانب مكافحة المخدرات لخطورتها واثارها السلبية الكبيرة على الفرد والأسرة والمجتمع، وتقويضها لأهم أركان الوطن وعماده وهم فئة الشباب».
وأعلن «د. الشورى» أن وزارة الصحة تبذل جهوداً كبيرة في التوعية والعلاج للمدمنين، وقد قام مجمع الامل بالرياض خلال الفترة الماضية بتطوير البرامج العلاجية القائمة، واستحداث العديد من العيادات الهامة في العلاج والبرامج العلاجية المساعدة، مثل الزيارات المنزلية، وإنشاء منزل «منتصف الطريق»، بالاضافة إلى برامج توعوية وتثقيفية مكثفة.
تفعيل اللجان
ودعا «اللواء الزهراني» اللجنة الوطنية إلى وضع استراتيجيات تركز على التوعية والوقاية، متمنياً تفعيل دور اللجان الموجودة الآن في اللجنة الوطنية، والقيام بأدوار استراتيجية في هذه المرحلة المهمة، مطالباً المواطنين التعاون مع رجال مكافحة المخدرات، وجميع الأجهزة الأمنية للتبليغ عن المروجين والمهربين، ويأمل أيضا تعاون كل الأجهزة من أمنية ومستشفيات ولجان وطنية لوقاية وحماية المجتمع من خطر المخدرات.
استراتيجيات عمل جديدة
وعلق «د. السريحة» على حديث «اللواء الزهراني»، قائلاً:»نحن نعكف على تطوير استراتيجية مكافحة المخدرات، وقد صدرت أول استراتيجية لمكافحة المخدرات وكانت بمثابة حجر الأساس لتصميم الاستراتيجيات، وطورنا النموذج الأول من نوعه على مستوى العالم يسمى النموذج السعودي لمواجهة ظاهرة المخدرات، يتألف من سبع استراتيجيات على مستوى الإجراءات الأمنية والرقابية وتبادل المعلومات ومستويات الوقاية، وهذا النموذج حققنا فيه الحماية والوقاية، والحماية هي وجود برامج تداخلية تشترك فيها الأسرة والمدرسة والجيران والأشخاص المعنيون، والجهات التوعوية دورها هو ايصال المعلومات، كذلك عملنا استراتيجية المدرسة لحماية المجتمع وستطبق مع بداية العام الدراسي المقبل، أما بالنسبة لاستراتيجية العلاج والتأهيل؛ فقد بدأنا بخطوات مشروع استراتيجية العلاج والتأهيل وصدر أول تقرير للعلاج والتأهيل.
ملياران ومائتا مليون ريال قيمة
مضبوطات المخدرات في عام ونصف!!
أصدرت وزارة الداخلية خلال سنة وسبعة أشهر ثمانية بيانات عن حجم مضبوطات المواد المخدرة بكافة أنواعها التي دخلت إلى المملكة، حيث أظهرت هذه البيانات مكانة وقوة أجهزة الأمن في التصدي لهذه المشكلة التي تهدد أمن المجتمع، وسلامة أبنائه.
وقال "اللواء أحمد الزهراني" إن القيمة السوقية لهذه المضبوطات بلغت مليارين ومائتين وعشرين مليوناً ومائة وسبعة وخمسين ألفاً ومائتان وثمانين ألف ريال، مشيراً إلى أن هذا الرقم يبرز حجم الاستهداف الكبير الذي تتعرض له المملكة من عصابات التهريب والترويج في الداخل والخارج، مؤكداً على عدم دقة المعلومات والحسابات التي تشير إلى أن قيمة المضبوطات أو عددها تمثل ما نسبته 10% أو أكثر من ذلك بقليل، والبقية كميات وصفقات موجودة في السوق دون التمكن منها، أو بعبارة أخرى "هذا اللي قبضتم عليه ولكن ماذا عن الباقي الموجود في السوق؟".
وأشار إلى أن هذه الحسبة خاطئة، ولا يعتمد عليها إطلاقاً، مؤكداً على استمرار مكافحة المخدرات في رسم استراتيجية تطوير أسلوب الكشف عن المخدرات، حيث لدينا معلومات متكاملة، وحينما تصلنا معلومات سلبية عن التهريب من بلد نقوم بوضع الاحتياطات اللازمة، ومن ثم ندرس ما هي الأنواع الموجودة في ذلك البلد، ونوفر المراقبة الكافية حتى يتم ضبط المهربين.
مدمن يمكّن أصدقاءه من زوجته.. وأطفال في ورطة التعاطي!
يروي "د. عصام الشورى" العديد من القصص المؤثرة التي وقعت نتيجة تعاطي المخدرات، والتي تكشف أن المخدرات والإدمان عليها يجبران المتعاطي على فعل ما لايمكن أن يفعله أي عاقل، فمن ضرب المتعاطين لوالديهم، واعتدائهم على إخوانهم، وبيع ممتلكات العائلة من أجل شراء المخدر، بل والذهاب لشراء المخدرات فيما يتغاضى أحدهم عن بكاء طفله الرضيع الذي لم يشتر له حليباً منذ أيام!.
ويقول خلال تجربته في علاج الإدمان أنه أثناء الاستفسار من إحدى المدمنات عن سبب تعاطيها المخدرات، كشفت أن السبب في إدمانها هو الزوج، حيث كان يجبر زوجته على التعاطي، ووصل إلى مرحلة من الإدمان إلى استقدام أصدقائه للتعاطي معه في المنزل، بل ويمكّن أصدقاءه من زوجته بفعل الزنا، مقابل أن يؤمن احتياجاته من المخدرات.
وأضاف:"إن المخدرات لا تستثني فئة عمرية عن أخرى، فهناك صغار ومراهقون وقعوا في فخ الإدمان، وأصبحوا في تزايد، مما دعا إدارة مجمع الأمل بالرياض إلى تخصيص قسم لتنويم وعلاج المراهقين، والذين تتراوح أعمارهم ما بين التاسعة عشرة وتقل لتصل في حالات متعددة لمدمنين لم يتجاوزوا الحادية عشرة من العمر!"
وأشار "د. أسعد صبر" إلى أن عدد الحالات المفحوصة في العيادات الخاصة لديها مشاكل نفسية مصاحبة لتعاطي المخدرات، ومع الوقت نرى أن عدد صغار السن يزداد أكثر من السابق سواء كان هو يعاني بنفسه، أو أن أهله لاحظوا عليه مشكلة في البداية وعلى الفور يدخل العيادة الخاصة حتى لا تتفاقم المشكلة، متمنياً تكثيف الوعي بين المجتمع بأهمية الوقاية والعلاج العاجل للمتعاطين، وأن نقوم بحماية الشباب والمجتمع من خطر التعاطي بوضع استراتيجيات خاصة بذلك، مع توفير الوعي الكافي لمكافحة تهريب وترويج وتعاطي المخدرات بشتى أنواعها.
السائق يسلم سيارته إلى «المفتش».. و«كل شيء حيبان»!
تفتيش سيارات الركاب بتقنية الفحص الإشعاعي.. قريباً
أوضح "محمد الروضان" أن إدارة الجمارك سعت إلى الإفادة من التجارب والخبرات المحلية والدولية، من خلال استخدام الوسائل الحية في التفتيش، مثل "الكلاب البوليسية"؛ بهدف مساعدة موظف الجمارك أثناء أداء عمله في المنافذ بسرعة ودقة معاً، مشيراً إلى أن عدد الفرق وصل الآن إلى (٣٤٤) فريقاً، والفريق يتكون من "السائس والكلب".
وقال:"بدأت الجمارك منذ عام ١٤٢٤ه تفتيش السيارات الكبيرة (الباصات، الشاحنات) بواسطة تقنية الفحص الإشعاعي، حيث تم تغطية جميع منافذ المملكة بواسطة هذه التقنية، ووصلنا إلى (٨٣) نظاماً تقريباً"، مشيراً إلى أن من بين إجمالي هذه الأنظمة (١٦) نظاماً ستعمل إن شاء الله قريباً في معظم المنافذ البرية (سبعة أنظمة جاهزة للاستلام وتسعة أنظمة ستشغل لاحقاً)، وتم تخصيصها لسيارات الركاب، وستكون لتفتيش السيارة والراكب والعفش، فالراكب (ومن معه) يترجلون من السيارة أثناء المرور عند مدخل التفتيش في المنفذ، ثم يقود مفتش الجمارك السيارة، ويعرضها على الفحص الإشعاعي، وإذا كان على السيارة أو العفش المتواجد بها ملاحظة (تهريب ممنوعات)، فيتم تحويلها إلى مسار آخر، ويتم اتخاذ الإجراءات الإدارية لمثل هذه الحالة، أما إذا لم يكن عليها ملاحظة يستلم الراكب "البرنت" مع سيارته عند بوابة الخروج.
وكشف "عبدالرحمن الخزيم" أن المملكة هي أول دولة تستخدم جهاز الفحص الإشعاعي لسيارات الركاب، وهي من ضمن الإجراءات الوقائية لمنع التهريب.
وقال: "لوحظ خلال السنوات الثلاث الماضية حينما ضغطت الجمارك في تفتش الشاحنات والحاويات بتقنية الفحص الإشعاعي، تحول مهربي المخدرات والممنوعات عموماً إلى التهريب عن طريق سيارات الركاب الصغيرة، ونحن مصرين على تعقبهم بكافة الوسائل".
تأثير «نكت المحششين»!
انتقد «عبدالإله الشريف» تزايد استخدام عبارات «محشش، أو محششين..» في النكت المتداولة بين أفراد المجتمع رجالاً ونساءً، مشيراً إلى أن هذا السلوك يرسخ فكرة أن المحشش إنسان ظريف وخفيف الظل، وهذا الاتجاه مع الأسف أخذه الناس على أنه اتجاه ايجابي، وهذا غير صحيح، مؤكداً على أن المحشش إنسان مريض ويحتاج إلى علاج، ولا يصح أن نمنحه مشروعية سلوك خاطئ.
وقال: إن الخطر حينما يقتنع المراهقون بفكرة «المحشش خفيف الدم»، ويتكون لديهم سلوك الفضول والتقليد، ثم تبدأ رحلة جديدة من المعاناة التي بالتأكيد لن تتوقف عند «النكتة»، وإنما ستصل إلى حد الإدمان!.