عمر بن الخطاب في ميزان الإسلام

قيمة عمر في التاريخ الإسلامي والعالمي:

إنَّ حياة الفاروق عمر بن الخطاب صفحة مُشْرقة من التاريخ الإسلامي، الذي بهر كل تاريخ وفَاقَه، والذي لم يحو تاريخ الأمم مجتمعة بعض ما حوى من الشرف والمجد والإخلاص والجهاد والدعوة في سبيل الله[1].

إن حياة الفاروق عمر إنما هي قدوة للدعاة، والعلماء، والساسة، ورجال الفكر، وقادة الجيوش، وحكام الأمة، وطلاب العلم، وعامة الناس، لعلهم يستفيدون بها في حياتهم، ويقتدون بها في أعمالهم، فيكرمهم الله بالفوز في الدارَيْن..

صاحبنا اليوم -كما قيل عنه- (كان طويلاً جسيمًا أصلع صلعة عرف بها، فكان يقال له: أصلع قريش أو الأصيلع. شديد الحمرة.. كان يَفْرَع الناسَ طولاً كأنَّه على دابة. ويصفه ابنه عبد الله فيقول: كان أبي أبيض لا يتزوج النساء لشهوة إلا لطلب الولد، أعسر يعمل بكلتا يديه، كأنَّه من رجال بني سَدُوس..

وإذا ذهب إنسان مع خياله مُجسدًا هذه الأوصاف، تراءت له صورة من أجمل صور الرجال ملاحةً ومَهابةً وجلالاً).[2]

إنّ حياة عمر بن الخطاب تُمثل نموذجًا في غاية الروعة لمن يريد أن يصنع مَجدا، أو يحقق هدفا، أو يغيّر من حياته إلى الأحسن، ونحن إذ نعيش دقائق من حياتنا مع هذا العملاق العظيم عمر بن الخطاب ، يجدر بنا أن نضع نصب أعيينا هدفا واضحا نحاول تحقيقه، بل وننتقل من حياة الترف والبذخ والتنافس في الدون؛ إلى حياة الجد والاجتهاد والتسابق إلى النعيم الدائم، والعيش الرغد {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 54، 55]

التعريف بعمر بن الخطاب :

ولا تقتصر الاستفادة من تاريخ عمر بن الخطاب على المسلمين فحسب، بل تعم الفائدة الجميع، مسلمين وغير مسلمين، ولا ننس أن نقول: إنه صاحب الفضل في ابتكار الكثير من الوسائل التي ما زال الناس ينتفعون بها إلي اليوم فهو:

* "أول من دوّن الديوان وعمل فيه؛ والديوان سِجِل أو كتاب تُدوّن فيه وتُسجَّل أسماء أفراد الجيش والذين يُعطَون والعمال"[3].

* "وهو أول من اتخذ الدِّرة.

* وهو أول من سُمِّي أمير المؤمنين"[4].

* "وهو أول من جمع القرآن في الصحف.

* وهو أول من سَنَّ قيام شهر رمضان، وجمع الناس على ذلك، وكتب به إلى البلدان، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة.

* وهو أول من ضرب في الخَمْر.

* وهو أول من فتح الفتوح وهي الأرضون والكور التي فيها الخراج والفيء، فتح العراق كله السواد والجبال، وأذربيجان، وكور البصرة وأرضها، وكور الأهواز، وفارس، وكور الشام ما خلا أجنادين فإنها فتحت في خلافة أبي بكر الصديق رحمه الله، وفتح عمر كور الجزيرة، والموصل، ومصر، والإسكندرية، وقتل رحمه الله وخيله على الرَّي وقد فتحوا عامَّتها.

* وهو أول من مسح السواد وأرض الجبل، ووضع الخراج على الأرضين، والجزية على جماجم أهل الذمة فيما فتح من البلدان، فوضع على الغني ثمانية وأربعين درهمًا، وعلى الوسط أربعة وعشرين درهمًا، وعلى الفقير اثني عشر درهمًا، وقال: لا يعوز رجلاً منهم درهم في شهر. فبلغ خراج السواد والجبل على عهد عمر رحمه الله مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف درهم ودانقين ونصف.

* وهو أول من مصّر الأمصار: الكوفة، والبصرة، والجزيرة، والشام، ومصر، والموصل وأنزلها العرب، وخَطَّ الكوفة والبصرة خططًا للقبائل.

* وهو أول من استقضى القضاة في الأمصار.

* وهو أول من كتب الناس على قبائلهم، وفرض لهم الأعطية من الفيء، وقسم القسوم في الناس، وفرض لأهل بدر وفضّلهم على غيرهم، وفرض للمسلمين على أقدارهم وتقدمهم في الإسلام.

* وهو أول من حمل الطعام في السفن من مصر في البحر حتى ورد البحر ثم حمل من الجار إلى المدينة"[5].

نسب عمر بن الخطاب وقبيلته :

عمر بن الخطاب في عداد أشراف مكة نسبًا، ومن أرفعها قدرًا، وأعلاها منزلة، فهو عمر بن الخطاب بن نفيل العدوي القرشي.

"وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وقيل: حنتمة بنت هشام بن المغيرة. فعلى هذا تكون أخت أبي جهل وعلى الأول تكون ابنة عمه، قال أبو عمر: ومن قال ذلك -يعني بنت هشام- فقد أخطأ ولو كانت كذلك لكانت أخت أبي جهل والحارث ابني هشام، وليس كذلك وإنما هي ابنة عمهما؛ لأن هشامًا وهاشمًا ابني المغيرة أخوان، فهاشم والد حنتمة وهشام والد الحارث وأبي جهل.

وكان يقال لهاشم جد عمر: ذو الرمحين.

وقال ابن منده: أم عمر أخت أبي جهل. وقال أبو نعيم: هي بنت هشام أخت أبي جهل وأبو جهل خاله"[6].

مولد عمر بن الخطاب :

وُلد في السنة الثالثة عشرة من ميلاد الرسول بمكة، وذلك بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة.

دعاء النبي لعمر بن الخطاب :

روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: "اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَى اللَّهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ".

لماذا أحد هذين الرجلين؟

كان أهل الإسلام يجتمعون في بدء الإسلام سرًّا، في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، لقلة عددهم، وشدة قريش عليهم.

وكان ممن عرف بالشدة على المسلمين عمر بن الخطاب، وأبو جهل، وكان لهما من المكانة الشيء الكبير، وفي هذا الوقت كان النبي يتوقع خيرًا للإسلام والمسلمين، بإسلام أحد هذين الرجلين.

أما عمر بن الخطاب، فكان من أشراف قريش، لا من الأشراف اللاهين العابثين تفاهة وانغماسًا في الملذات، فما كانت أيام شبابه لهوًا وعبثًا، ولكن كان يأخذ نفسه بمعالي الأمور ويدع سفاسفها، لا يرضى الدنية، دقيق الحس فصيح اللسان، قوي العارضة، عرفت قريش عنه كل ما يشرفها، ويجعله في الصدارة مع إخوانه فأعطته المكانة التي شرفت بتقلده إياها, فإن عمر كان سفير قريش في الجاهلية، وما أعلى السفارة قدرًا عند ذوي الفصاحة والحجى، وكانت قريش أفصح العرب, وبلغتها نزل القرآن فأين عمر وهو سفيرها في هذا المجال! وهل أرضى للمرء عند نفسه، وأكرم عند قومه من أن يكون المقدم إذا حق اللقاء، والمفوه المنشود إذا كان المجال الحجة والكلام؟![7]

ولعل أبا جهل كان يتصف بصفات عديدة من قوةِ جسدٍ، وثروة كبيرة وعائلة عريقة، غير أن كليهما يشترك في صفة عزيزة الوجود في الرجال، في حين كان الإسلام في حاجة شديدة إليها، ألا وهي صفة القيادة، ولعل هذا كان سر دعوة النبي أن يعز الله الإسلام بأحدهما.

"فبالرغم من الحرب العنيفة التي يشنّها الرجلان على الإسلام، لم تكن تخفى على رسول الله مقومات الزعامة والقيادة فيهما، وأن وجود أحدهما في الصف الإسلامي يعني قوة هذا الصف واعتزازه، وإن وراء الكفر المتبجح قلوبًا لم تصطدم بعدُ بتيار الإسلام القوي، ولم تصل لها القوة الكهربية الضخمة. إنها حين تكون الصدمة قوية قد تغير الكيان كله، وهذا ما وقع في قدر الله، ودفع إلى إسلام عظيم الرجال عمر بن الخطاب"[8].

ولا ننس هذه الرواية التي معنا وفيها أن النبي دعا لعمر خاصة بأن يسلم فيروي ابن ماجه بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله : "اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ بِعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَاصَّةً"[9].

وقد استجاب الحق تبارك وتعالى لتلك الدعوة النبوية، فقر الإسلام بالفاروق، وعز به أهل الإسلام.

ولقد بلغ عمر أوجًا شاهقًا في محراب الإيمان والتقوى، والتبتل والتخشع، حتى إن رسول الله ليرى رؤيا عجيبة ورؤيا الأنبياء حق فيقول: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهُمْ مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمْرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ". قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الدِّينُ".

وفي رواية ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه سمع النبي يقول: "أَشَدُّهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ". وفي لفظ آخر: "أَقْوَاهُمْ فِي اللَّهِ عُمَرُ".

وقال في مدحه للفاروق وعدم حبه للباطل: "هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، هَذَا رَجُلٌ لا يُحِبُّ الْبَاطِلَ"[10].

وقال الرسول : "لَوْ كَانَ نَبِيٌّ بَعْدِي لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ"[11].

وقال ابن حجر العسقلاني: السبب في تخصيص عمر بالذكر لكثرة ما وقع له في زمن النبي من الموافقات التي نزل القرآن الكريم مطابقًا لها، ووقع له بعد النبي عدة إصابات.

الرسول يشهد بعبقرية الفاروق :

روى البخاري بسنده عمن سمع أبا هريرة قال سمعت النبي يقول: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ"[12].

معاني بعض الكلمات:

استحالت غربًا: تحولت إلى دلو كبيرة كناية عن قوة أخذه وعمله.

ضرب الناس بعطن: أي رووا ورويت إبلهم فأقامت على الماء.

من أطاعه رشد :

عن أبي قتادة قال: قال رسول الله : "إِنْ يُطِعِ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَدْ أَرْشَدُوا"[13].

ويدعو له بالشهادة :

ويروي ابن ماجه بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَأَى عَلَى عُمَرَ قَمٍيصًا أَبْيَضَ، فَقَالَ: "ثَوْبُكُ هَذَا غَسِيلٌ أَمْ جَدِيدٌ؟", قَالَ: لا بَلْ غَسِيلٌ. قَالَ: "الْبَسْ جَدِيدًا وَعِشْ حَمِيدًا وَمِتْ شَهِيدًا"[14].

ولله در علي بن أبي طالب ما أبلغه عندما قال: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر.

أقوال الصحابة في الفاروق:

1- عائشة أم المؤمنين :

عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: من رأى ابن الخطاب، علم أنه غناء للإسلام، كان والله أحوذيًّا. نسيج وحده، قد أعد للأمور أقرانها. وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: إذا ذكرتم عمر طاب المجلس.

2- سعيد بن زيد :

روى عن سعيد بن زيد أنه بكى عند موت عمر فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: على الإسلام، إن موت عمر ثلم الإسلام ثلمة لا تُرتق إلى يوم القيامة.

3- أبو طلحة الأنصاري :

والله ما من أهل بيت من المسلمين إلا وقد دخل عليهم في موت عمر نقص في دينهم وفي دنياهم.

4- حذيفة بن اليمان :

إنما كان مثل الإسلام أيام عمر مثل مقبل لم يزل في إقبال, فلما قتل أدبر فلم يزل في إدبار.

5- عبد الله بن سلام :

جاء عبد الله بن سلام بعد أن صلي على عمر فقال: إن كنتم سبقتموني بالصلاة عليه، فلن تسبقوني بالثناء عليه، ثم قال: نعم أخو الإسلام كنت يا عمر، جوادًا بالحق، بخيلاً بالباطل، ترضى من الرضا، وتسخط من السخط، لم تكن مداحًا ولا معيابًا، طيب العرف، عفيف الطرف.

6- العباس بن عبد المطلب :

كنت جارًا لعمر بن الخطاب . فما رأيت أحدًا من الناس كان أفضل من عمر، إن ليله صلاة، ونهاره صيام، وفي حاجات الناس.

7- علي بن الحسين :

عن ابن أبي حازم عن أبيه قال: سئل علي بن الحسين عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ومنزلتهما من رسول الله قال: كمنزلتهما اليوم، وهما ضجيعاه.

آراء بعض المستشرقين في عمر الفاروق :

1- قال موير في كتابه (الخلافة): كانت البساطة والقيام بالواجب من أهم مبادئ عمر وأظهر ما اتصفت به إدارته عدم التحيز والتقيد، وكان يقدر المسئولية حق قدرها، وكان شعوره بالعدل قويًّا، ولم يحارب أحدًا في اختيار عماله، ومع أنه كان يحمل عصاه ويعاقب المذنب في الحال، حتى قيل إن درة عمر أشد من سيف غيره، إلا أنه كان رقيق القلب، وكانت له أعمال سجلت له شفقته، ومن ذلك شفقته على الأرامل والأيتام.

2- وقالت عنه دائرة المعارف البريطانية: كان عمر حاكمًا عاقلاً، بعيد النظر، وقد أدى للإسلام خدمة عظيمة.

3- وقال الأستاذ واشنجتون إيرفنج في كتابه (محمد وخلفاؤه): إن حياة عمر من أولها إلى آخرها تدل على أنه كان رجلاً ذا مواهب عقلية عظيمة، وكان شديد التمسك بالاستقامة والعدالة، وهو الذي وضع أساس الدولة الإسلامية، ونفذ رغبات النبي وثبتها، وآزر أبا بكر بنصائحه في أثناء خلافته القصيرة، ووضع قواعد متينة للإدارة الحازمة في جميع البلدان التي فتحها المسلمون، وإن اليد القوية التي وضعها على أعظم قواده المحبوبين لدى الجيش في البلاد النائية وقت انتصارهم لأكَبر دليل على كفاءته الخارقة لإدارة الحكم، وكان ببساطة أخلاقه، واحتقاره للأبهة والترف، مقتديًا بالنبي وأبي بكر وقد سار على أَثَرهما في كتبه وتعليماته للقواد.

الإسلام هو الذي صنع من عمر الفاروق.

الجاهلية والإسلام في حياة عمر وجها لوجه :

"إن الإنسان هذا الكائن العجيب، يعتبر سيدًا لعناصر الكون كلها، يوازن أعتاها وأقساها فيرجحه ويربو عليه، يوم يكون شخصًا فاضلاً، ولكنه يلعن في الأرض والسماء ويَرْجَحه الذر والهباء يوم يكون شخصًا ساقطًا"[15].

هذا ما حدث تمامًا مع عمر بن الخطاب، بون شاسع وفرق كبير بين عمر بن الخطاب قبل إسلامه، وأبي حفص عمر بن الخطاب الفاروق بعد إسلامه.

مشاهد من حياته في الجاهلية :

كان يدافع عن كل ما أَلِفته قريش من عادات وعبادات ونظم وكانت له طبيعة مخلصة تجعله يتفانى في الدفاع عما يؤمن به، وبهذه الطبيعة التي جعلته يشتد في الدفاع عما يؤمن به قاوم عمر الإسلام في اللحظات الأولى، ووقف بالمرصاد أمام الدعوة في بدايتها، وخشي عمر أن يهز هذا الدين النظام المكي الذي استقر، والذي يجعل لمكة بين العرب مكانة، والذي أعطى لمكة ثروتها الروحية، وثروتها المادية، فهو سبب ازدهارها وغنى سراتها؛ ولذلك قاوم سراة مكة هذا الدين، وبطشوا بالمستضعفين من معتنقيه وكان عمر من أشد أهل مكة بهؤلاء الضعفاء.

ولقد ظل يضرب جارية أسلمت، حتى عيت يده، ووقع السوط من يده، فتوقف إعياءً، ومر أبو بكر فرآه يعذب الجارية فاشتراها منه وأعتقها.

وفي الجاهلية كان له صنم يعبده، فعندما جاع أكله, كيف يأكل العابد معبوده! إنه لسفه عظيم، وضلال مبين.

ها هو الفاروق الذي كان يعبد الأصنام، ويتصدى لكل من يحاول إهانة هذه الأحجار ويصب العذاب صبًّا في وجه من يحاول تنزيلها عن مكانتها العالية في ظنه.

ومع ذلك كان رجلاً بليغًا، حصيفًا، قويًّا، حليمًا، شريفًا، قوي الحجة، واضح البيان، مما أهّلهُ لأن يكون سفيرًا لقريش، ومفاخرًا ومنافرًا لها مع القبائل، قال ابن الجوزي: كانت السفارة إلى عمر بن الخطاب، إن وقعت حرب بين قريش وغيرهم بعثوه سفيرًا، أو نافرهم منافر أو فاخرهم مفاخر، بعثوه منافرًا ومفاخرًا، ورضوا به متحدثًا بلسانهم وهم أفصح الناس، وسفيرًا لهم وهم أعرق الناس نسبًا وأعظمهم جاهًا.

وكما نرى في هذه المشاهد التي توحي لنا بتناقض غريب وعجيب خلّفته الجاهلية بغبارها وركامها في هذا التاريخ العمري، نرى صفات إيجابية وأخرى سلبية، ولا شك أن كل إنسان يحمل بين جنبيه ألوانًا متعددة من الصفات والخصائص منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي، ولكن عمر بن الخطاب به من الإيجابيات الكثير الذي يميزه عن غيره من الناس، وقد استفاد الإسلام بشكل واضح من أخلاق عمر الإيجابية وأكّد عليها ونمّاها بشكل أوضح.

فمن الصفات الإيجابية البارزة لدى عمر بن الخطاب صفة القيادة، وما زال الإسلام ينمي فيه هذه الصفة ويؤكد عليها إلى أن وصل بعمر أن يكون يومًا ما أميرًا للمؤمنين، وخليفة للصديق أبي بكر رضي الله عنهما.

وقد استفاد الإسلام أيضًا من صفة الشدة عند عمر وجعلها بمثابة الدرع الواقي الذي يحمي هيبة الإسلام أمام من تُسول له نفسه المساس بقدسية هذا الصرح العظيم -الإسلام- ففي كثير من المواقف نجد الفاروق يشهر سيفه قائلاً: دعني أضرب عنق هذا المنافق يا رسول الله.

لقد عاش عمر في الجاهلية وعرف حقيقتها، وتقاليدها، وأعرافها، ودافع عنها بكل ما يملك من قوة، ولذلك عندما دخل الإسلام عرف جماله وحقيقته وتيقن الفرق الهائل بين الهدى والضلال، والكفر والإيمان، والحق والباطل، ولذلك قال قولته المشهورة: "إِنَّمَا تُنْقَصُ عُرَى الإِسْلامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، إِذَا نَشَأَ فِي الإِسْلامِ مَنْ لا يَعْرِفُ الْجَاهِلِيَّةَ".

وهذه هي شهادة الفاروق عمر بن الخطاب عن الإسلام وعزته: "إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بِالإِسْلامِ".

رغم السيادة التي كان فيها عمر في جاهليته من قيامه بأمر السفارة في قريش، ومكانته المرموقة بين القوم، إلا أنه أدرك بعد إسلامه البون الشاسع بين من يؤمن بالله وبين من يعبد الأحجار والأوثان والأنصاب والأزلام التي لا تنفع ولا تضر.

يخاف الفاروق من ربه خوفًا صادقًا، أدى به إلى الاجتهاد في عبادة الله ، والتفاني في مرضاته.

وهذا هو الخوف الإيجابي الذي يعين المرء على المزيد من طاعة الله، فليس الخائف من يبكي وتسيل دموعه، ثم يمضي قدمًا في معاصي الله، وإنما الخائف هو من يترك معصية الله خوفًا منه.

هذا هو الفاروق الذي ملك إمارة المسلمين وورث كسرى وقيصر، يخاف من الدنيا ومن غرورها، ومن المال وفتنته يقول المِسْور بن مَخْرمة : أُتِي بمال فوُضع في المسجد، فخرج عمر إليه ليتصفحه وينظر إليه، ثم هملت عيناه.

فما أحرانا أن نقتدي بالفاروق في البكاء من خشية الله تعالى.

فماذا عساه أن يكون عمر لو لم يدخل في هذا الدين العظيم، كان سيمحى من ذاكرة التاريخ والإنسانية، ويتساوى مع أساطين الكفر، وأئمة الضلالة كأبي جهل بن هشام، وأُبي بن خلف، وأبي لهب بن عبد المطلب وعتبة بن ربيعة، ولكنه بإسلامه سطر اسمه في سجل العظماء الذين نصروا الله في كل المواطن التي شهدوها, هكذا ينصر الحق تبارك وتعالى من يقوم بنصره، ومن يتحمل المتاعب من أجل الدعوة ومن أجل الدفاع عن الحق.

لقد تبوأ عمر بالإسلام مكانة لم ينلها إلا عدد قليل ممن اصطفاه الله في هذه الحياة الدنيا، مكانة سامقة، تجعل الرجل علامة بارزة في جبين الإنسانية، وكفى قول الرسول : "لَوْ كَانَ نَبِيٌّ بَعْدِي لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ"[16].

لقد كان الفاروق رجلاً ربانيًّا بحق، لا يخشى إلا الله فكان دائمًا الحق على لسانه وقلبه، ودائمًا الصواب معه، والرأي الراجح له، إنهم رجال رباهم الرسول عليه الصلاة والسلام على مبادئ الإسلام العالية، فكانوا رجالاً كما وصفهم الله في كتابه العزيز: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 23].

لماذا لم يتول الخلافة قبل أبي بكر مع قوته وعلمه؟

الصفات والفضائل والأعمال التي انفرد بها أبو بكر الصديق :

وفي ذلك تروي السيدة عائشة رضي الله عنها تقول: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَ بَلالٌ يُؤَذِّنُ بِالصَّلاةِ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"[17].

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَإِنَّهُ مَتَّى يَقُمْ مَقَامَكَ لا يُسْمِعُ النَّاسَ فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ. قَالَ: "إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ". فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لأُصِيبُ مِنْكِ خَيْرًا.

تَقُولُ عَائِشَةُ: لَقَدْ رَاجَعْتُهُ وَمَا حَمَلَنِي عَلَى مَرَاجَعَتِهِ إِلا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلاً قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا.

فأرسل النبي إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس فأتاه الرسول فقال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -وَكَانَ رَجُلاً رَقِيقًا: يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ. فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأَيَّامَ ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ وَالآخَرُ عَلِيٌّ، وَرِجْلاهُ يَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ، حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَخَّرُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ بِأَنْ لا يَتَأَخَّرَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ". فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَجَلَسَ عَلَى يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُصَلِّي قَاعِدًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلاةِ النَّبِيِّ وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِصَلاةِ أَبِي بَكْرٍ.

قال ابن حبان رحمه الله: هذا الخبر فيه دليل على أن الخليفة بعد الرسول هو أبو بكر الصديق .

ويدل هذا الخبر على فضل أبي بكر على جميع صحابة رسول الله .

ومن مناقب الصديق إعلام الرسول للمسلمين أنهم يأبون عقد الخلافة لغير أبي بكر:

فتروي عائشة رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فِي مَرَضِهِ: "ادْعِ لِي أَبَا بَكْرٍ وَأَخَاك، حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، وَيَقُولُ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلاَّ أَبَا بَكْرٍ".

ففي الحديث إخبار من رسول الله على أن المسلمين لا يرضون بغير أبي بكر خليفة لهم.

ومن الأحاديث التي تدل على حب الرسول لأبي بكر هذا الحديث يرويه لنا عمرو بن العاص فيقول: "بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاسِلِ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَبُّ النِّاسِ إِلَيْكَ؟ قَالَ الرَّسُولُ : "عَائِشَةُ". قُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ : "أَبُوهَا". قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ : "عُمَرُ". فَعَدَّ رِجَالاً، فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ.

"أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ عَائِشَةُ وَمِنَ الرِّجَالِ أَبُوهَا"[18].

وفي هذا الحديث نرى مكانة أبي بكر وابنته عائشة رضي الله عنهما، وبيان فضل عمر إذ تأتي منزلته بعد منزلة الصديق جميعًا.

وأي منزلة تلك التي وصل إليها أبو بكر الصديق وعندها تتضاءل كل منازل الدنيا، فإن من أحبه النبي أحبه الله تعالى ومن أحبه الله تعالى فقد فاز بالدنيا والآخرة، وذلك هو الفوز المبين.

ومن فضائل الصديق t:

دعوة الرسول للأمة أن تقتدي بالصديق، وإن شاركه عمر بن الخطاب إلا أنه ذكر بعده، فقد ذُكر أبو بكر أولاً لفضله وعلمه.

يروي حذيفة بن اليمان أن رسول الله قال: "اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ".

وفي رواية أخرى: "إِنِّي لا أَدْرِي كَمْ قَدْرُ بَقَائِي فِيكُمْ فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي، وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ".

وفيه ذكر لفضائل عمر ولكن بعد الصديق .

وأبو بكر أفضل من عمر رضي الله عنهما بشهادة النبي وبشهادة عمر نفسه وبما نرى من مواقف كثيرة تؤيد هذا الأمر.

وما روى عن النبي أنه قال: "رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي وُزِنْتُ بِأُمَّتِي فَرَجَحْتُ، ثُمَّ وُزِنَ أَبُو بَكْرٍ فَرَجَحَ، ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ فَرَجَحَ".

وفي هذا بيان واضح في فضله على عمر. وقال عمر : "مَا سَابَقْتُ أَبَا بَكْرٍ إِلَى خَيْرٍ قَطُّ إِلاَّ سَبَقَنِي إِلَيْهِ وَلَوَدِدْتُ أَنِّي شَعَرَةٌ فِي صَدْرِ أَبِي بَكْرٍ"[19].

مكانة عمر بن الخطاب في الآخرة :

روى البخاري بسنده أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، قُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَبَكَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغَارُ[20].


[1] د. علي الصلابي: عمر بن الخطاب.
[2]
أ. عمر التلمساني: شهيد المحراب عمر بن الخطاب ص 47.
[3]
تاريخ دمشق: جزء 57 ص 404.
[4]
أسد الغابة: جزء 1 ص832.
[5]
الطبقات الكبرى: جزء 3 صفحة 281، 282.
[6]
أسد الغابة: جزء 1 صفحة 814.
[7]
أ. عمر التلمساني: شهيد المحراب عمر بن الخطاب ص 48.
[8]
أ. منير الغضبان: المنهج الحركي للسيرة النبوية.
[9]
المقدمة: باب فضل عمر بن الخطاب حديث رقم 102.
[10]
مسند أحمد: حديث رقم 15033.
[11]
الترمذي: 3619.
[12]
البخاري: حديث رقم 3391.
[13]
قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح (صحيح ابن حبان: جزء 15 ص327).
[14]
سنن ابن ماجه: كتاب اللباس، باب ما يقول الرجل إذا لبس ثوبا جديدا، حديث رقم 3548.
[15]
محمد الغزالي: خلق المسلم.
[16]
(حسن) صحيح الجامع: حديث رقم‏ 5284.
[17]
(‏صحيح‏)‏ صحيح الجامع: حديث رقم‏ 5866.‏
[18]
(‏صحيح‏)‏ صحيح الجامع: انظر حديث رقم 177.
[19]
الاستيعاب: جزء 1 صفحة 356.
[20]
البخاري: حديث رقم 6505.

المصدر: قصة الاسلام
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 149 مشاهدة
نشرت فى 8 إبريل 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

944,457

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.