أحاديث في الأدب الشعبي ..

بديوي الوقداني يحلل اضطراب الدولة العثمانية في بلاط الشريف:

الفتوحات العثمانية

    منذ وجد الخلفاء والسلاطين وجد شعراؤهم، يأنس بهم البلاط لادخالهم السرور على الحاكم، ولإثارتهم الابداع في ساحة البلاط، من تعليقات عابرة، وتنافس حاد بينهم، وما يقابلهم موظفو القصر من مجاملة وود خشية هجائهم وتصوير شخصياتهم بما يتندر به الآخرون.

أشوف واسمع والنظر مستخلِّ .. واحوال تجري في طَرَفْ علم الاتراك

أما دورهم في مجلس الحاكم فلا يقف عند حد المديح والاشادة بانجازاته وتأطير مناسبات الدولة بالقصائد العصماء، ولكنه يتجاوز ذلك إلى إثراء مجلس الحاكم بالآداب الجادة والطريفة. كان ذلك في زمن مختلف عن زماننا، يوم كانت العلاقات الدولية والاقليمية والمحلية تنحصر في نطاق محدود يسمح للحاكم بتجسيد هذه العلاقة، إذ كانت وسائل الاتصال لا تساعد على تكثيف التواصل بالآخرين، وكانت الصلات الأسرية بين الحاكم وشعبه أبسط من زمن ضاق مداه، وتعددت مشاغل الحاكم الداخلية والخارجية، وشغل الشاعر وغيره بالعمل لتحسين أوضاعه لا الاعتماد على عطايا الحكام. كان مجلس الحاكم منتدى للعلماء والشعراء والرحالة الذين يجلبون الأخبار الغريبة والنوادر الطريفة، فيفتخر الحاكم بسلطانه وازدهار العلم والأدب في ربوعه، فهم كما يرى ابن خلدون دلالة على استقرار الدولة واهتمام الحاكم بالآداب والفنون وتنمية المجتمع.

ويلتقي الحاكم والشعراء في الاهتمام بالعلم والثقافة، فيشاركهم تذوق إبداعهم ويغدق عليهم العطاء تقديراً لهم ورعاية لظروفهم، فأكثرهم لا مصدر رزق له سوى عطايا الحاكم وأريحياته، وهو يخشى انصرافهم إلى غيره محافظة على دورهم الاعلامي وإثراء بلاطه بالابداع.

وتختلف مراتب الشعراء لدى السلطان فمنهم الرسمي الذي يشهد المناسبات ويشارك بشعره ومنهم المقرب الذي يتبسط معه الحاكم فيدخل إليه السرور حينا بالطرائف وحينا بالنباهة وحدة الذكاء، وهو يعرف خلصاءه من الشعراء، وهم يراعون حدود التودد و«الميانة» فلا يتجاوزون حدودهم محافظة على القرب من السلطان وتجنباً لغضبه، ومنهم بديوي الوقداني الذي عاش في زمن حكم الشريف محمد بن عون، ونال ثقته. وبديوي جدير بذلك فهو الشاعر المبدع والحكيم واسع الاطلاع حاد الذكاء، وكان شجاعاً وصريحاً عندما يسأله الحاكم عن أمر فإنه لا يخفي رأيه الصريح بل يعلن ذلك بلسان الشاعر الحكيم والأديب الأريب.

دخل بديوي الوقداني على أميره الذي كان منشرح الصدر في فترة كانت الدولة العثمانية في حالة من الاضطراب والضعف بعد أن كانت تبسط نفوذها على بلاد كثيرة وتتحكم في تعيين الولاة والأمراء، وكان الناس في الحاضرة والبادية يدركون ذلك الاضطراب، وقد شغلتهم كلمة «الدستور» التي ظهرت في تلك الأيام ولا يدركون معناها فقال الشريف لبديوي:

سلام وَشْ عندك من اخبار قُلْ لي

إن كان عندك علم والاّ عطيناك

فأجابه بديوي في الحال:

أشوف واسمع والنظر مستخلِّ

واحوال تجري في طَرَفْ علم الاتراك

ولا عاد لا نعرف حرامٍ وحلِّ

والورد مخلوطة ثماره بتنباك

الشام والمغرب وفارس ودلِّ

حلَّت بها بقعا وظني تعداك

وانا لياما شفتها قلت زِلِّ

لا عاشق زَيْنك ولا القلب يهواك

وفي هَقْوَتي ما تخلفين المصلي

لو كان زينك تَسْلتينه بيمناك

يا شانة الاصحاب شانك موليِّ

تعبان طلابك ومن كان ربَّاك

والله ما بعنا الشجاعة بذلِّ

لكن هَيْبة صاحب الأمر تبراك

ويا سامت البنيان لا يستخلِّ

وحافظ وحوش الصيد من وَقْع الاشراك

ما يصفي الما لَيْن يقدر يزلِّ

إلاَّ يقع يَخْرُجْ مجاهد وسفاك

والخاتمه مكتوبة في سجلِّ

مالك بعلم لا يخصك ويعناك

إجابة مستفيضة وتحليل دقيق للأخبار، هل ارتجلها؟ أم ارتجل جزءاً منها وأكملها فيما بعد؟ من يتذكر قصة أبي تمام عندما امتدح الخليفة بقوله:

اقدام عمرو في سماحة حاتم

في حلم أحنف في إباء إياس

وتقدم حاسد للشاعر قائلا: أتشبه الخليفة بأجلاف العرب؟ أو ما معناه، فلا يتوقف أبو تمام عن الانشاد قائلا:

لا تنكروا ضربي له مَنْ دونه

مثلا شروداً في الندى والباس

فالله قد ضرب الأقل لنوره

مثلا من المشكاة والنبراس

وقد بحثوا في القصيدة عن هذين البيتين فلم يجدوهما، فأدركوا أن الشاعر كان لماحاً فاستدرك بهما الملاحظة مرتجلا، وما كان مخطئا في التشبيه وإنما كان صائباً في الرد، من يتذكر ذلك لا يستبعد ارتجال الوقداني.

والوقداني من أولئك الشعراء المبدعين المثقفين الذين صقلتهم التجربة ومعايشة الأمراء، وله مواقف أخرى مشابهة، فيها النقد والتوجية النابع من إخلاص لدولته فلا يلام في نقده ولا يحجب رؤاه وآراءه.

وفي هذه الأبيات تحليل للحالة التي تمر بها الدولة، والخلل الذي تعاني منه، جاء ذلك في الثلاثة الأبيات الأولى المختتمة بالدعاء للأمير بالسلامة من أخطار الخلل.

ويعبر عن صدى الأحداث لديه بأنها لا تعنيه كما جاء في البيت الرابع، وهو لا يعنيه غير التمسك بدينه الذي لن يتأثر لتلك الأحداث (البيت الخامس). أما تشخيصه للحالة فهو النذير بزوال الدولة التي لم تخلص لخلصائها، وأن سكوت الناس على جورها إنما هو احترام لولي الأمر وهو الشريف الذي يخضع لسلطانها (البيت السادس).

ثم يتوجه إلى ربه (سامت البنيان) ألا ينهار وحافظ الأرواح بأن يجري الأمور كما أجرى الماء الذي في جريانه صلاحه وعذوبته، ويبدي خشيته من الحرب التي يقودها الثوار والسفاك (البيت السابع والثامن).

وأخيراً يطمئن الأمير بأن الأقدار مسجلة لدى رب العباد المتكفل بحفظ الكون وسلامة البشر. وأن الشاعر يتبرأ أخيراً من جريرة الدخول في السياسة في قوله (مالك بعلم لا يخُصَّك ويعناك)، وهو يعني نفسه، بأن هذه الأمور من شؤون الدولة.

ومن أشهر قصائده الناقدة قوله:

انفكت السبحة وضاع الخرز ضاع

وبغيت المه يا سليمان وازريت

وقوله في قصيدة أخرى:

آخر زمان وكل من عاش خبَّرْ

وبَغَيْت اقول الميت أرجى من الحي

وقوله في أبيات أخرى:

قالوا تقنصل ما تخاف الملامة

ما تستحي وانته قطير ابن عباس

رحم الله بديوي الوقداني.

المصدر: جريدة الرياض ـ عبد الرحيم الأحمدي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 135 مشاهدة
نشرت فى 30 يناير 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

938,840

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.