حرب الحجاب.. الإسلام المستهدف دائمًا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن المعلوم أنَّ المعركة بينَ الحقِّ والباطل، وبينَ الخير والشَّرِّ مستمرَّةٌ منذُ غواية إبليس اللَّعين لآدمَ - عليه السَّلام - حتَّى يقومَ النَّاس لربِّ العالَمين، وتتخذ هذه المعركة صُورًا وأشكالاً مختلفةً، بحسبِ طبيعة العصر، وقوَّةِ الطَّرفين، ومِن أوضحِ صُورِ هذه المعركة: عداوةُ الدِّين، ومحاولة طمس معالَمِ الشَّرع الحنيف، وإحلال الأفكار والرُّؤى الهدَّامة محلَّ نورِ الهداية والاستقامة.
وبحسبِ طبيعة العصرِ، وقوَّة الطَّرفين - أهل الحقِّ وأهل الباطل - تكون هذه الحربُ؛ إمَّا شاملةً وعنيفةً، تحاول اقتلاعَ الدِّين اقتلاعًا ماديًّا ومعنويًّا، وإزالة مظاهره وأشكالِه بقدر ما تحاول اقتلاعَ حقيقتِه من النُّفوس - كما حَدثَ في الأندلس، ومحاكم التفتيش - وذلك في حال عُلو أهل الباطل وضَعْف أهل الحقِّ.
وعندَما تتوازن قُوى الطَّرفين أو يَعلو أهل الحقِّ، تكون هذه الحربُ جزئيةً مستترةً، تتخذ مِن الوسائل الباطنيَّة ما تُحاول به تحقيقَ أهدافِها وغايتها.
ورغمَ حالة الضَّعْف التي يَمرُّ بها المسلمون، إلاَّ أنَّ قوى الشَّرِّ العالميَّة لجأتْ إلى الحرب الجُزئيَّة المستترة ضدَّ الإسلام، حيثُ أثبتتِ التَّجارِب السَّابقة أنَّ الاستهدافَ الصَّريحَ للدِّين يُثير نفوسَ المسلمين، ويأتي بنتائجَ عكسيَّةٍ، تتمثَّل في تَسارُع النُّهوض الإسلاميِّ، وتَزايُد التَّمسُّك بالدِّين، وهو ما تُثبته وقائعُ التّاريخ؛ مثل النُّهوض الإسلامي بعدَ الغزو الصَّليبيِّ الذي كان يرفع شِعارَ الحرب الدِّينيَّة، واستهدف الأرضَ، والعِرْض، والدِّين.
لذلك تُحاول قُوى الشَّرِّ في العصر الحديث تَفكيكَ المجتمعات المسلمة مِن الدَّاخل؛ لتُصبحَ قابلةً للاستعمار، حيث تفقد القدرة على المقاومةِ والصُّمود، فضلاً عن عدم قدرتها على الهُجوم والقِيام بواجبها في نشر الدَّعوة، ويَشمل هذا التَّفكيكُ عدَّةَ محاورٍ؛ مثل: إلغاء أو تعطيل مفهومِ الجِهاد، بما يَشملُه من مقاومةٍ واستشهادٍ في سبيل الحقِّ، وما يسمَّى بتحرير المرأة، ودفعها للتَّبرُّج والسُّفور، ومخالطة الرِّجال، بالإضافة إلى تَغيير المناهج الإسلاميَّة.
وقد حظيتْ قضية المرأة بالنَّصيب الأوفرِ مِن جهود قُوى الشَّرِّ العالميَّة لمحاربة الإسلام، حيثُ تُعتبر المرأةُ نواةَ الأُسرةِ المسلمة، والتي هي نواةُ المجتمع المسلم، وإذًا فإنَّ كسرَ المرأة هو كسرٌ للأُمَّة الإسلاميَّة ككلٍّ.
ويَظهر ذلك واضحًا في التَّصريحات الشَّهيرة لرئيس وزراء بريطانيا الأسبق (جلادستون) حولَ قضية المرأة والحجابِ الإسلاميِّ، حيث قال: "لن يَستقيمَ حالُ الشَّرق الإسلاميِّ ما لم يُرفع الحجاب عن وجهِ المرأة، ويُغطى به القرآن"، كما قال (جلادستون): "إنَّ التَّأثير الغربي الذي يظهر في كلِّ المجالات، ويقلب رأسًا على عقبٍ المجتمعَ الإسلاميَّ، لا يبدو في جلاءٍ أفضلَ ممَّا يبدو في تحرير المرأة".
ولذلك يرى المُفكِّر الإسلاميُّ الشَّيخ "جمال عبدالهادي"أستاذ التَّاريخ والحضارة الإسلاميَّة: أنَّ الهجمة على الحجاب هي جزءٌ من الحرب الشَّاملة ضدَّ الإسلام، بهدفِ تربية أجيالٍ بلا عقيدةٍ، ولا تُؤمن بفكرةِ المقاومة للمشروع الصِّهْيَوْني الأمريكي المستهدِف للعالَم العربيِّ والإسلامي، وإذًا فَمِن السَّهل احتلالُ الأوطان، وسَلْب الثَّروات، وتدمير كلِّ شيءٍ، فهي من وسائل تفكيك المجتمعات.
ويشير الشيخ "جمال عبدالهادي" إلى أنَّ الهجمة تستهدِفُ الإسلامَ الذي ما زال قادرًا على المحافظة على القِيَمِ والأخلاقيات، التي انعدمت لَدَى جميع التَّيَّارات، مِن أقصى الشَّرق إلى أقصى الغَرْب.
ويُؤكِّد على هذا المعنى الدَّاعيةُ الإسلاميُّ الشَّيخ "أسامة سليمان، حيثُ يرى أنَّ الحرب على الحجاب هي جزءٌ من الحرب على الثوابتِ الإسلاميَّة؛ مثل الجِهاد، وتكفير أهل الكتاب، وتحريم الرِّبا، وتَعدُّد الزَّوجات.
وبطبيعة الحال كان هناكَ إهمالٌ وتقصيرٌ داخليٌّ، تَضافر مع التَّآمُر الخارجيِّ؛ لتخرجَ فتنةُ التَّبرُّج في النِّهاية.
وعادتْ بعضُ العادات والمفاهيم الجاهلية لتستشريَ في المجتمعات المسلمة، ونتيجةً لذلك وقع ضررٌ بالغٌ على المرأة المسلمة، وتَقاعَس علماء المسلمين في هذه الفترة عنِ انتشالِ المجتمع، والعَودة به إلى الشَّريعة الصَّحيحة، بعيدًا عن الخُرافات والتَّقاليد الجاهلة.
"وهكذا - وفي غياب المبادرة الإسلاميَّة للتَّصويب - وقعت قضية تحرير المرأة المسلمة في أيدي غيرِ الأمناء، ممَّن لا ينطلقون مِن أرضية أو تصوُّر إسلاميٍّ، وتَقدَّم كلُّ مَن "هبَّ ودبَّ"؛ ليدليَ بدَلوه في مسألة تحرير المرأة المسلمة: ما بين صَديقٍ جاهل، وعَدوٍّ ماكر، استطاع في نهاية الأمر - بعدائه ومَكرِه - أن يُكتِّل الصَّدِيقَ الجاهلَ إلى معسكره المعادي للإسلام، ويَستثمر جهلَه لضربِ معاقل المسلمات، وهَتْك سِترهنَّ، كجزءٍ من المخطَّط الأسودِ الشَّامل على كلِّ الأصعدة لضرب الإسلام والمسلمين، وإلغاءِ الشَّريعة لمنعِ انبعاثهم الحَتْمي رحمةً للعالَمين، ولو كَرِه الكافرون.
وفي مولد هذا الشِّعار البَرَّاق - تحرير المرأة - انفسح المجال أمامَ الرُّواد العِظام من تُجَّار الشَّنطة الثَّقافية، القادمين من أوروبا ومِن أمريكا أخيرًا؛ لِيَصولوا ويَجولوا، محمَّلين بأشكالِ وأنواعِ بضاعةِ الثَّقافة الغربيَّة، بموروثاتها الجاهليَّة الوثنيَّة الإغريقيَّة، ومعها نماذج المرأة الأوروبيَّة والأمريكيَّة، التي كانت قد نالتْ حُرِّيَّتَها حديثًا، مُتشكِّلة من رصيدٍ فكريٍّ واجتماعيٍّ ودينيٍّ خاصٍّ بها وحدَها، لا تنتمي إليه، ولا يمكن أن تنتميَ إليه المرأة المسلمة بحال".
ــــــــــــــــــــــ