جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
أختاه.. ماذا عن الحجاب؟
.
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (الأحزاب: 59).
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور: 31).
أختي المسلمة.. هذا هو خطاب الله تعالى إليك ولكل المسلمين، يأمر فيه النساء بارتداء الحجاب الشرعي، فما لكِ لا تستجيبين لأمر الله العليّ الكبير؟
وأنا أعلم أن قضية الحجاب تكاد تكون من أعقد القضايا التي تواجهينها في حياتك، وفي طريقك إلى الله.. فلقد عملتْ شياطين الأرض لفترة طويلة على الحيلولة دون التزام هذا الحكم الشرعي القطعي في الإسلام. ولقد بثّوا سمومهم الفتّاكة في قلوب فتيات المسلمين، حتى غدا الحجاب مسألة معقدة تحتاج معها الفتاة إلى التفكير الطويل والجهد الكبير!
إنها – بدايةً – ليست قضية رجل يريد فرض رؤيته على المرأة الضعيفة كما يروّج بعض أعداء هذا الدين! إنما هي من عند الله سبحانه.. من عند خالق الرجل والمرأة.. الخالق المنعم المتفضل الذي يعلمُ ما يصلح للبشر في منهج حياتهم.
إن قاعدة الإسلام الأولى هي تصديق خبر الرسول صلى الله عليه وسلم جملةً وعلى الغيب، وقبول الشرع جملةً وعلى الغيب. ومن ثمّ فإنه من البديهي أن يكون مقتضى قبولنا بفرضية الحجاب التزاما به على الوجه الشرعي الذي أراد الله للمرأة. فإن تصديقنا بشرعية أمر ما وقبولنا لتطبيقه لا معنى لهما إن لم يتحققا في الواقع! وتلك هي حقيقة الإسلام، إذ إن العمل هو المطلوب في النهاية: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاعَ بإذن الله} (النساء: 64). ولا قيمة لقناعة لم تنتج سلوكا مطابقا لما تقتضي.. ولا قيمة للأحلام والأمانيّ والخيالات ما لم تتجسّد في واقع.. فالحجاب إذا طاعة لله عزّ وجلّ مرتبطة بالإيمان أشدّ الارتباط.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: “يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن}. شققنَ مروطهنَّ فاختمرنَ بها” (رواه البخاري).
إنه مشهد نديّ بديع.. مشهد أولئك النسوة من الرهط الأول.. وهنّ يستجبن إلى أمر الله عزّ وجلّ حين نزل.. بسرعة عجيبة.. وبقبول فريد!
وأتصوّر نفسي وأنا عائدٌ في مجاهيل التاريخ.. أربعة عشر قرنا إلى الوراء.. أطلّ عليهن وهنّ يتلقّين هذا الأمر الربانيّ.. مدركاتٍ أنّ السعادة والأنس والراحة في الاستجابة على الفور.. لا يتلكّأنَ ولا يتردّدنَ للحظة بعد سماع الأمر.. فما بال فتياتنا والقرآن حاضر بين أيديهنّ وريح الجنة فائح في ظلاله.. ما بالهنّ يستنكفنّ عن تلبية هذا النداء الأنيس الفريد؟!
إن الواقع الجاهليّ الذي نعيش في كنفه واقعٌ ضخم في الحقيقة.. إنه ثقيل على كل مسلم.. وعلى الفتيات المسلمات على وجه الخصوص.. ثقيل على النفس.. ثقيل على الأعصاب.. ثقيل على الرغبات والأحاسيس.. وشياطين الأرض من الإنس يتولّون مهمة تزيينه في العقول والأرواح.. ويتولّون في ذات الوقت تشويه صورة الحق.. حتى يتبدّى الحق نشازا في جوقة الفجور الضالة المعربدة!
ولكننا نمتلك الزاد.. الزاد الذي يجعلنا نرتفع فوق هذا الواقع.. نرتفع بأرواحنا وعقولنا وأحاسيسنا وضمائرنا.. نرتفع فوقه لأننا نعلم أنه وحل.. وأنه جاهلية.. وأنه حياد عن منهج الله الذي ارتضاه للبشر.. إن معنى أن نلتزم بأوامر الله هو أن نكون مع الله في كل حين.. فمتى يكون الالتزام نابعا من شعور عميق بتلك القربى من الله العليّ الكبير تكون الفرحة الغامرة في قبول شرعه ومتابعة أمره ونهيه.. وما أجملها من لحظات.. وما أبهجها من لحظات.. تلك التي يكون المرء فيها شاهدا بسلوكه الحيّ على قبول شرع الله.. مدركا أن الله يراه في كل لحظة ويرى أنه ملتزم بأمره حبّا في طاعته وإيمانا بمنهجه.. وذلك هو حالك اختاه حين تلتزمين بالحجاب الشرعي.. إنك تشعرين إذ ذاك أنك مع الله.. فلا يعنيكِ من بهرج الجاهلية الضاغطة ومن فتنتها العارية أي سوء حين ترتضين حمى الله.. حين تدركين في نفسك أنك حقّقتِ انتصارا عليها، لأنك استطعتِ أن ترتفعي فوقها.. لتحلّقي في ذرى المجد والإيمان!
إنّكِ إذ ذاك تشعرين بالتناسق العجيب مع الكون من حولك.. الكون العابد لله.. فحين يخضع كيانك الاختياري لأمر الله ونهيه يتحقّق هذا التوافق الجميل الشفيف:
{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (فصلت: 11).
{إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} (مريم: 93).
{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (آل عمران: 83).
{وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} (الروم: 26).
إن هذا الكون هو من خلق الله تعالى، وهذه الفطرة البشرية كذلك. فإذا كان الكون مقهورا على طاعة الله عزّ وجلّ، فإن الله قد وهب الإنسان خصالا كرّمه بها وفضّله على جميع من خلق:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء: 70).
لقد كرّمه إذ أعطاه خصالا تميّزه عن بقية الخلق، أعطاه الإرادة والوعي وحرية الإختيار. ومقتضى هذا التكريم والتفضيل من الله العليّ العزيز أن يطيع الإنسانُ ربّه ويلتزم شرعه. دون تلكؤ ولا تحجّج بهذا الواقع. فإذا كان واقع الجاهلية البشرية ضاغط إلى الأسفل أفلا يكون واقع هذا الكون العابد لله كلّه أثقل في حسّه ليرتفع معه في طريق الله؟! أفلا يحسّ الإنسان بالوجود الحقيقي حين يشعر بتلك الوشيجة الحيّة التي تربطه بهذا الكون العابد وكلّ ما فيه من عوالم الجماد والحيوان والنبات؟!
إن معنى حجابك أختي الكريمة أن تكوني على صلة بمنهج الله.. وأن تكوني حيّة في معيّة الله.. وأن تكوني جزءًا من ذلك الرهط الكريم المبتدئ بسيدنا آدم عليه السلام.. مرورا بنوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى عليهم السلام.. ونبيّنا المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.. امتدادا له ما دمتِ على اتصال بالمنهل الذي تلقّوا جميعا منه.. الوحي الرباني.. تسيرين في طريق الله واثقة الخطى.. مترفّعةً عن كل ما تتوهّمينه من ضغط أو تخلّف عن ركب الناس.. فهو ركب التائهين.. وذاك ركب المكرمين فأي الركبين أحق بالمتابعة؟!
وسوف تصادفين في طريق الله ابتلاءاتٍ كثيرة.. ولكن ثقي دوما أن الله إذا أحبّ عبدًا ابتلاه.. وسوف ينفثُ شياطينُ الإنس والجنّ في روعكِ أنْ أعرضي عن منهج الله.. ولكن تذكّري دوما أن الشيطان {ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون} (النحل: 99).