جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
معركة اليرموك
وقعة معركة اليرموك يوم الإثنين (5 من رجب لعام 15 هـ) في بلاد الشام بين العرب المسلمين والإمبراطورية البيزنطينية (الروم) ويعتبرها بعض المؤرخين من أهم المعارك في تاريخ العالم لأنها كانت بداية أول موجة انتصارات للمسلمين خارج جزيرة العرب، وآذنت لتقدم الإسلام السريع في إنحاء المعمورة
الاستعداد للمعركة
تولَّى خالد بن الوليد القيادة العامة للجيش بتنازل كريم من أبي عبيدة بن الجراح، الذي كان له السلطة العامة على جيوش المسلمين بالشام، وكان خالد من أعظم الناس بلاء وأعظمهم بركة وأيمنهم نقيبة.بدأ خالد في تنظيم قواته، وكانت تبلغ 36 ألف مقاتل، وقسَّم الجيش إلى كراديس، أي كتائب، وتضم ما بين 600 إلى 1000 رجل، والكردوس ينقسم إلى أجزاء عشرية؛ فهناك العرّيف الذي يقود عشرة من الرجال، وآمر الأعشار الذي يقود عرفاء (100 رجل)، وقائد الكردوس الذي يقود عشرة من أمراء الأعشار (1000) رجل.
ويُجمِع المؤرخون على أن خالد بن الوليد هو أول من استحدث تنظيم الجيوش على هذا النحو، وعُدَّ عمله فتحا في العسكرية الإسلامية؛ فقد اختار رجال الكردوس الواحد من قبيلة واحدة أو ممن يعودون بأصولهم إلى قبيلة واحدة، وجعل على كل كردوس قائدا منهم ممن عُرفوا بالشجاعة والإقدام، ثم جمع الكراديس بعضها إلى بعض وجعل منها قلبا وميمنة وميسرة، وكان على رأس كراديس القلب أبو عبيدة بن الجراح، ومعه المهاجرون والأنصار، وعلى كراديس الميمنة عمرو بن العاص ويساعده شرحبيل بن حسنة، وعلى كراديس الميسرة يزيد بن أبي سفيان.وبلغت هذه الكراديس 36 كردوسًا من المشاة، بالإضافة إلى عشرة كراديس من الخيالة، يقف أربعة منها خلف القلب واثنان في الطليعة، ووزعت الأربعة الباقية على جانبي الميمنة والميسرة.أما جيش الروم فكان يضم نحو مائتين وخمسين ألف مقاتل، يقودهم "ماهان"، وقد قسّم جيشه إلى مقدمة تضم جموع العرب المتنصّرة من لخم وجذام وغسان، وعلى رأسها "جبلة بن ألأيهم"، وميمنة على رأسها "قورين"، وميسرة على رأسها "ابن قناطر"، وفي القلب "الديرجان"، وخرج ماهان إلى المسلمين في يوم ذي ضباب، وصَفَّ جنوده عشرين صفا، ويقول الرواة في وصف هذا الجيش الرهيب: "ثم زحف إلى المسلمين مثل الليل والسيل".
وفي فجر يوم الاثنين (5 من رجب 15 هـ) أصبح المسلمون طيبةً نفوسهم بقتال الروم، منشرحة صدورهم للقائهم، واثقة قلوبهم من نصر الله، وخرجوا بالنظام الذي وضعه القائد
العام يحملون رايتهم.وسار أبو عبيدة في المسلمين يحثُّ الناس على الصبر والثبات، يقول لهم: يا عباد الله انصروا الله ينصركم، ويثبت أقدامكم، يا معشر المسلمين اصبروا فإن الصبر منجاة من الكفر، ومرضاة للرب؛ فلا تبرحوا مصافكم، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدءوهم بقتال، وأشرعوا الرماح، واستتروا بالدرق، والزموا الصمت إلا من ذكر الله حتى آمركم.وخرج معاذ بن جبل يقول للناس: يا قراء القرآن ومستحفظي الكتاب وأنصار الهدى وأولياء الحق، إن رحمة الله- والله- لا تُنال، وجنته لا تدخل بالأماني، ولا يؤتي الله المغفرة والرحمة الواسعة إلا الصادقين المصدّقين بما وعدهم الله (عز وجل)، أنتم- إن شاء الله- منصورون، فأطيعوا الله ورسوله، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا إن الله مع الصابرين، واستحيوا من ربكم أن يراكم فرارا من عدوكم وأنتم في قبضته ورحمته، وليس لأحد منكم ملجأ من دونه.
اللقاء الحاسم ونتائجه
زحفت صفوف الروم الجرارة من مكانها إلى المسلمين، لهم دويٌّ كدوي الرعد، ودخل منهم ثلاثون ألفًا كل عشرة في سلسلة حتى لا يفروا، قد رفعوا صلبانهم، وأقبل معهم الأساقفة والرهبان والبطارقة.وحين رأى خالد إقبالهم على هذا النحو كالسيل، وضع خطته أن يثبت المسلمون أمام هذه الهجمة الجارفة؛ حتى تنكسر وتتصدع صفوف الروم، ثم يبدأ هو بالهجوم المضاد.وكان خالد بن الوليد رابط الجأش ثابت الجنان وهو يرى هذه الجموع المتلاحقة كالسيل العرم، لم ترهبه كثرتهم، وقد سمع جنديا مسلما قد انخلع قلبه لمَّا رأى منظر الروم، يقول: ما أكثر الروم وأقل المسلمين- فانزعج من قولته وقال له: ما أقل الروم وأكثر المسلمين، إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال، أبالروم تخوّفني؟!
تلاحم الفريقان وشد الروم على ميمنة المسلمين حتى انكشفت، وفعلوا كذلك بالميسرة، وثبت القلب لم يتكشف جنده، وكان أبو عبيدة وراء ظهرهم؛ ردءا لهم، يشد من أزرهم، وأبلى المسلمون بلاء حسنا، وثبت بعضهم كالجبال الراسخات، وضربوا أروع الأمثلة في الشجاعة وتلبية النداء، وقاتلت النساء أحسن قتال.تحمل المسلمون هذا الهجوم الكاسح بكل ثبات؛ إذا اهتز صف عاد والتأم ورجع الى القتال، حتى إذا جاءت اللحظة التي كان ينتظرها القائد النابغة خالد بن الوليد صاح في القوم: يا أهل الإسلام، لم يبق عند القوم من الجلد والقتال والقوة إلا ما قد رأيتم، فالشدة، الشدة فوالذي نفسي بيده ليعطينكم الله الظفر عليهم الساعة.
وزحف خالد بفرسانه الذين لم يقاتلوا، وكان يدخرهم لتلك الساعة الحاسمة، فانقضوا على الروم الذين أنهكهم التعب واختلت صفوفهم، وكانت فرسان الروم قد نفذت إلى معسكر المسلمين في الخلف، فلمَّا قام خالد بهجومه المضاد من القلب حالَ بين مشاة الروم وفرسانهم، الذين فوجئوا بهذه الهجمة المضادة؛ فلم يشتركوا في القتال، وخرجت خيلهم تشتد بهم في الصحراء، تاركين ميدان القتال. ولمَّا رأى المسلمون خيل الروم تهرب أفسحوا لها الطريق ودعوها تغادر ساحة القتال. انهار الروم تماما، وتملَّكهم الهلع فتزاحموا وركب بعضهم بعضا وهم يتقهقرون أمام المسلمين الذين يتبعونهم؛ حتى انتهوا إلى مكان مشرف على هاوية تحتهم، فأخذوا يتساقطون فيها ولا يبصرون ما تحت أرجلهم، وكان الليل قد أقبل والضباب يملأ الجو، فكان آخرهم لا يعلم ما يلقى أولهم، وبلغ الساقطون في هذه الهاوية عشرات الألوف، وتذكر بعض الروايات أنهم كانوا ثمانين ألفا، وسميت تلك الهاوية "الواقوصة"؛ لأن الروم وقصوا فيها، وقتل المسلمون من الروم في المعركة بعدما أدبروا نحو خمسين ألفا، خلاف من سقطوا في الهاوية.
ولما أصبح اليوم التالي، نظر المسلمون فلم يجدوا في الوادي أحدا من الروم، فظنوا أن الروم قد أعدوا كمينا، فبعثوا خيلا لمعرفة الأمر، فإذا الرعاة يخبرونهم أنهم قد سقطوا في الهاوية أثناء تراجعهم، ومن بقي منهم غادر المكان ورحل.
كانت معركة اليرموك من أعظم المعارك الإسلامية، وأبعدها أثرا في حركة الفتح الإسلامي، فقد لقي جيش الروم- أقوى جيوش العالم يومئذ- هزيمة قاسية، وفقد زهرة جنده، وقد أدرك هرقل حجم الكارثة التي حلت به وبدولته، فغادر المنطقة نهائيا وقلبه ينفطر حزنا، وهو يقول: "السلام عليك يا سوريا، سلاما لا لقاء بعده، ونعم البلد أنت للعدو وليس للصديق، ولا يدخلك رومي بعد الآن إلا خائفا".
وهكذا فقد نصر الله المسلمين في هذه المعركة الحاسمة التي كانت مفتاح الفتوحات في بلاد الشام، ولا شك أن الإيمان وحده هو الذي كان سبب نصر المسلمين في معركتهم ضد الروم على الرغم من قلتهم وقلة إمكانياتهم.
نسال الله أن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين ويعود العز والنصر للمسلمين .
المصدر: أهم مصادر :-
· ابن جرير الطبري: تاريخ الأمم والملوك-
· محمد عبد الله الأزدي: تاريخ فتوح الشام-
· أحمد عادل كمال: الطريق إلى دمشق-
· الموسوعة الحره0