مدمنات يقرعن جرس الإنذار
إعلام.. ورفقة سيئة.. وتفكك أسري "ثالوث" يهدد أبناءنا بالوقوع في المخدرات
إدمان النساء على المخدرات يأتي في مقدمة المشاكل الاجتماعية نظرا لتأثيره المباشر على أسر بأكملها . وتلجأ النساء للإدمان نتيجة تأثير الظروف الشخصية والاجتماعية التي تدفع بالكثيرات إلى الوقوع في براثن المخدرات ووجود مغريات تهيئ لهن الوصول إلى هذا الطريق، سواء من خلال الرفقة السيئة او التهاون في عواقب التعاطي مع علمهن الأكيد بأضراره على المستوى الشخصي والأسري والاجتماعي وانعكاساته السلبية على أمن البلاد. في هذا التحقيق، التقت "الرياض" عدداً من المدمنات في مستشفى الأمل بالرياض والدمام، وسألناهن عن تجربتهن مع الإدمان. حيث علمنا أن بعضهن بدأن بتناول المسكرات وتطورت حالاتهن الى الحشيش ثم الهروين وحبوب الكبتاجون.
السم القاتل
بدأت ص.ب. بالحديث قائلة: أدمنت في سن الرابعة عشرة، أي منذ أكثر من (خمسة وثلاثين) عاما، في ذلك الوقت لم تكن هناك وسائل إعلام تعرفنا بأضرار المخدرات التي تفتك بالإنسان وتجعله ليس فقط رهينة لهذا السم القاتل، وانما أيضا رهينة لغيره يتحكم فيه حسب رغبته. وتسكت طويلا ثم تبكى، ثم تضيف: لقد كان والدي ووالدتي (ضريرين) ونحن خمس بنات وولد واحد، ونعيش في بيت بسيط جدا، صحيح نحن فقراء ولكن كنا سعداء. حتي استدرج أصحاب السوء أخي الوحيد الى تعاطي المخدرات التي دهورت حاله الى هذا اليوم. وتواصل حديثها: لقد تزوجت وانا في الرابعة عشرة من عمري ومن سوء حظي أن زوجي متعاط هو وعائلته جميعا، فبدأت شرب الخمر معهم، وبعده الحشيش والهروين وبعد ذلك استسلمت لتعاطي جميع أنواع المخدرات وكنت جاهلة وصغيرة السن وليس هناك من ينصحني، وبعد خلاف بيني وزوجي استعصت الحياة بيننا، فرجعت إلى بيت أبي وطالبني زوجي بإرجاع المهر له. وقام أبي ببيع نصف البيت وأعطاه زوجي وتحررت من العيش من أسرة كلها مدمنة ولكن بعد أن أصبحت رهينة للمخدرات واليوم لا ينفع الندم. وبعد سكوت طويل تستطرد: انا اليوم أتعالج في (مستشفى الأمل) في الدمام من أثار السموم التي تسببت في إتلاف أجزاء من عقلي وجسمي، ونصيحتي للجميع توخي الحذر من أصدقاء السوء وهذه دعوة خاصة للشباب والشابات بعدم تجربة أي نوع من أنواع المهدئات التي توصف من قبل الأصدقاء أو المروجين؛ لأنها بداية الطريق نحو السم القاتل. وتؤكد أن الحرية والدلال الزائد سبب رئيس في الوقع في براثن المخدرات.
بعت كل ما أملك
انتقلنا للحديث مع (ش،ع)، وبداية كلامها كان: لقد عشت متشردة بين بيت خالي وخالتي وكنت لم أتجاوز الحادية عشرة من عمري وفي ذلك الوقت تعرضت إلى الاغتصاب من احد الأشخاص وحملت منه مما سبب لي انطواء على النفس وبدأت بتعاطي المخدرات وأدخلت دار الرعاية (31) مرة ولقد تعرفت على مجموعة من المدمنات وبدأت أجرب كل الأنواع المخدرة حتي وصلت الى الهروين مما جعلني أبيع جميع ما ورثته عن أبي رحمة الله. وتضيف: أنا اليوم أعيش في دوامة من الهموم التي لا تفارقني علما أنني أتعالج في مستشفي الأمل الذي يعتني بي كثيرا، الأمر الذي ساعدني علي ترك الإدمان. ونصيحتي للشباب والشابات عدم تجربة أي نوع من أنواع المخدرات فهي تقضي على العقل والجسم، وعدم الانسياق خلف أناس لا يخافون الله بل همهم أن يحصلون على المال فقط. اسأل الله أن يشفي الجميع من هذا المرض القاتل وان يرجعوا الي الله في كل أمورهم فعدم مخافة الله وضعف الوازع الديني تؤدي إلى مواقف تجعل الإنسان يهرب من واقعه الى المخدرات.
كلفني كثيراً
تحدثت س.م ك قائلة: كانت بداية أدماني عن طريق صديقاتي حيث كن يستخدمن (الكبتاجون) وفي أيام الامتحانات كنا نجتمع ونواصل السهر حتى اليوم الثاني، وكنا نظن أنها حالة مؤقتة فقط أيام الامتحانات وما أن تنتهي سيكون التخلي عنها سهلا ولكن ما إن انتهينا من فترة الامتحان وجدنا أنفسنا ليس لنا غني عنها فهي تحثنا علي عدم الخجل و تمدنا بالطاقة التي تجعل منا في حالة سعادة، غير مبالين بمن حولنا، حتي اكتشفت والدتي تأخري عند صديقاتي وخروجي كثيرا وطلب مبالغ كبيرة منها باستمرار كما أنني اضطررت للسرقة بعد بيع مقتنياتي للحصول علي المال.. وقامت والدتي بحجزي بغرفة خاصة وسلطت الأضواء علي كثيرا، وبعد حبسي بثلاث أيام أخبرت والدتي أنني مدمنة ولا استطيع ترك المخدرات. وبعد إخبارها والدي بالموضوع قاموا بإدخالي مستشفى خاص للعلاج وقد كلفني هذا كثيراً حتي بعد خروجي متعافية فانا اخجل بأن انظر في عين والدي لأني خالفت ثقتهم وأقدمت علي شئ لا يرضاه الله ولا المجتمع بالرغم أن والدي ساعدني كثيرا لتخطي هذه المحنة وأكن له الفضل في ذلك.
الحشيش
تقول :ج .م وقعت في هذا البلاء بعد أن تعرفت إلى مجموعة من بنات المجتمع الراقي حيث السفر والحفلات والسهر متأخرا خارج المنزل، وقد أعجبتني حياتهم في بادئ الأمر. حيث الحرية والسعادة والضحك، وفي البداية جربت الخمر، ثم بدأت التطورات فصرت أدخن وادخل بعد ذلك بدوامات الحشيش، ثم الحبوب المخدرة حتى أصبحت في هذا العالم بلا كرامة أو هوية، فانا أسيره للمخدرات. وأهلي أناس غير مقتدرين ماديا، فكنت استغل فرصة وجودي مع هذا المجتمع للحصول عليها بالمجان حتى جاء اليوم الذي وجدت نفسي وحيدة ولم يعد لديهم الرغبة بوجودى فكشف أمري أمام أهلي الذي لم يكن بوسعهم أي شئ سوى أدخالي أحد مراكز العلاج لإنقاذي مما أنا فيه من ضياع واتمنى من الجميع بأخذ العبرة من ما حصل لي.
المنشطات تدمر خلايا المخ
الدكتور أسعد بن محمد صبر (استشاري الطب ورئيس قسم الإدمان في المجمع الطبي في مستشفى الأمل).. يقول: إن الحالات التي تصلنا بسيطة وتأتينا من السجون ودور الرعاية الاجتماعية وبعضها من الأسر التي ترغب في علاج أبنائها، ومن المهم جدا أن يجبر المدمن على العلاج، وهذا في صالحه حتى يكون لديه دفعة للعلاج وبعضهن تكون مدمنة على أنواع مختلفة من المخدرات مثل الحشيش والكحول والحبوب المنشطة وتصل إلى الإدمان على الهروين ويحصل هذا عادة بإغراء من الزوج أو الصديقة. وبعضهن لديهن شخصيات اندفاعية فتحاول تجربة المخدرات أو رغبة في الاستطلاع بتأثير من مشاهد في التلفزيون مثلا فيلم، أو برنامج فتبحث عن المخدرات للتجربة. وهذا ما يحدث نتيجة لعدم الوعي أو يكون في الأغلب مغررا بهم، وأغلب المدمنات يأتي من اسر مفككة، وتكون لهن حرية اكبر حيث يتم خروجها مع صديقاتها دون رقابة من الأسرة لأن الأسرة التي تعيش في حالة مترابطة بالاضافة الى الرقابة هي اقل عرضة لإدمان، بعض الأزواج يجبر زوجته علي الإدمان حتى لا يكتشف أمره أو تطالبه بالعلاج ويقنعها أن (الحشيش) و(الكابتجون) أنها غير مخدرة وليس لها ضرر رغم أن ضررها فادح علي المتعاطي والأسرة بسبب أتلاف للخلايا العقل وكثير من المروجين يترصدون الشباب بهذه الإشاعات الكاذبة.
ويقول الدكتور اسعد حول علاج المدمنة: يتم تقويمها عن طريق أخصائية نفسية واجتماعية وبعد اخذ المعلومات، يتم علاجها بكل سرية وباسم مستعار، وكذلك يكون علاجها بالتوعية ودورات تبسط لهن طريقة العلاج والكيفية التي يتم بها العلاج. يؤكد الدكتور اسعد بأن بعض أنواع الشخصيات المدمنة تميل الى المؤثرات العقلية، وهو الاسم العلمي، ومعناه كل مادة تؤثر علي نشاط العقل لها دورها في التفاعل مع كل عقل والمؤثرات العقلية تشمل المخدرات والمنشطات، ويختلف الناس في ميولهم لها فالشخصية الهادئة تستخدم الحشيش، والعصبية أو الخجولة والقلقة تستخدم الكحول، وأكثر الشخصيات الحماسية الاندفاعية تستخدم المنشطات.
ويضيف أن أغلبية الذين يتعالجون من الإدمان من النساء تراوح واعمارهن من 18إلي 35، واغلب ادمانهن يكون على (الكحول) و(الهروين) (والحشيش) (والكبتاجون الابيض) وأشار الدكتور اسعد أن هناك خطاً ساخناً لعرض الاستفسار وطريقة العلاج وتسمي وحدة الدعم الأسري في مستشفي الأمل وكيفية الحصول على المعلومات المطلوبة وضمان السرية لحل مشكلة المريض بالإدمان وإرشاد الأسرة لحل هذه المشكلة بكل سرية. أما الخطة العلاجية فتبدأ من الطوارئ، للتأكد من الحالة النفسية والعقلية ومدي تأثرها من التعاطي ثم إحالتها الى مستشار نفسي للنظر في حالتها ان كانت تحتاج الى تنويم أو من الممكن ان تعالج وهي خارج المستشفى. الكثير من الناس يخاف من المجتمع ومن كلام الناس فيفضل السكوت على معالجة ابنته حتى تكبر المشكلة ويبدأ المدمن بالتعدي على الأهل أو الجيران والوالدين، ويضطر الأهل لإحضار الشرطة ويكبر الموضوع. ولكن هناك قليل من يأتي من نفسه للعلاج، علما أنهم يرون الإدمان وصمة عار والقليل من الناس يكون لديه شجاعة للعلاج من الإدمان، ومن الضروري القول إن المدمن ليس مجرما يحتاج الي عقاب، فهو ضحية تحتاج الى علاج واهتمام فقط، حتى يصل الى الحياة السوية الطبيعية.
ويضيف الدكتور اسعد: يجب أن يكون هناك توعية لطلاب وطالبات المدارس عن طريق إدراجها ضمن المناهج أو أنشطة الصيفية علما أن هناك دورات مقامة في مستشفي الأمل وشرح للطلاب من المعالجين بدورات تثقيفية للمرشدين والمعلمين والطلاب ويجب على وسائل الإعلام تكثيف الصور والشعارات عن طريق التوعية بآثار الإدمان ومدي تلف المخ وفقدان الحياة. علمان أن الإدمان مرض انتكاسي ويحتاج لمجموعة الدعم فالوقاية من المخدرات والتوعية بمدي تدميرها للفرد أفضل بكثير من انتظار حصولها وعلاجها.
وعن سبب وضع المتعافين من الإدمان الذين يعملون كمرشدين وكيف يسمح لهم أن يكونوا مرشدين.. أجاب الدكتور اسعد: قبل كل شي المتعافون من الإدمان يعملون مرشدين يستخدمون لتوعية الطلاب او الناس الأسوياء ونطلب منهم عدم أظهار رحلة الإدمان كبطولة بالعكس أظهار ما خسره في حياته من علاقاته بين أهله وعمله أو دراسته ويوضح لهم خبرته في العلاج والتعافي واستمرارية العلاج وأنهم بالإمكان أن يكونوا أشخاصاً ناجحين اذا تقدموا واستجابوا للعلاج.