الكولونيا الخطرة

 

 

 

 ضعف الوازع الديني والفراغ سبب مباشر في اللجوء إلى هذه المادة

المختنقون والمحبطون اجتماعياً يلجأون إلى تعاطي «الكولونيا» لفشلهم في التكيف مع الحياة

ـــــــــ

 

    عادات خطيرة بدأت تظهر على السطح وتهدد المجتمع وتشكل خطراً يمس كامل شرائحه سواء الكبيرة أو الصغيرة وإن لم تصل إلى درجة الظاهرة ولله الحمد، وهي شرب الكولونيا، ففي أقل من عشرة أيام ارتفعت حصيلة الأشخاص الذين تعاطوا هذه المادة السامة إلى أربعة وخمسين شخصاً ما بين متوفى ومصاب بإصابات متفرقة منها جلطات دماغية وتليف كبدي كانت جميعها إصابات مزمنة لعل أقلها هي فقد الإنسان بصره.

الهروب من المجتمع وضعف الوازع الديني والضغوطات التي يواجهها متعاطي هذه المادة السامة هي من تقف خلفه لكي يقتل نفسه بطريقة غير مباشرة إضافة إلى نسبة منهم مدمنو مخدرات والتي تكون بأسعار باهظة لم يستطيعوا أن يؤمنونها لعدم قدرتهم المادية.

ويعد الكحول الايثيلي من أهم الكحوليات من حيث التأثير السام، فهو المكون المشترك في كافة أنواع الخمور والمشروبات الكحولية، وهو المسؤول عن الأثر السمي الناجم عن تعاطي هذه المشروبات.

يحضر الكحول الايثيلي بتخمير السكريات بفعل فطر الخميرة. يتراوح تركيز الكحول في المشروبات المخمرة ما بين 4٪ كمشروب البيرة، وعشرة أضعافه في المشروبات المقطرة.

عند تعاطي المشروبات الكحولية يمر حوالي 80٪ من الكحول إلى الامعاء الدقيقة، حيث يتم امتصاصه إلى مجرى الدم بإحساس متزايد بفقدان السيطرة.

يصاب المدمن بمتلازمة كورساكوف، حيث يفقد الذاكرة للأحداث القريبة ولتعويض ذلك يبدأ في اختلاق الأحداث لملء فجوات ذاكرته.

إن محتوى الكولونيا من أخطر الكحوليات لاحتوائها على مادة الميثانول التي يمكن أن تتسبب غالباً في فقدان البصر، ويتعرض متعاطي الكولونيا للإصابة بالتليف الكبدي إضافة إلى إصابة العصب البصري، كما أن لها تأثيراً على المعدة والجهاز العصبي، ويلجأ لاستخدام الكولونيا الأشخاص غير القادرين على شراء أنواع الكحوليات الأخرى الأقل خطراً والغالية الثمن.

هم من أبناء الأسر التي تمر باضطرابات اقتصادية ومشاكل أسرية ويلجأون لتناولها تحت تأثير الضغوط النفسية وفي غالبية الذين تناولوها هم من المدمنين منذ ما يقارب الثلاثة أعوام إلى خمسة بحسب التقرير الذي أوضحته وزارة الصحة.

أسباب وتساؤلات عديدة يطرحها أفراد المجتمع خلال متابعتهم لحالات الذين تعاطوها والارتفاع في أعدادهم بشكل مقلق. إلا أن البعض عزاها نتيجة الوضع الاجتماعي المفكك الذي يعيشونه وأن هناك خللاً في التواصل فيما بينهم.

«الرياض» تطرح تحقيقاً حول هذه الظاهرة والأسباب التي تدفع بعض الأشخاص للتعاطي وما هي الحلول لايقافه.

ويوضح الدكتور سعد الشهراني وكيل الدراسات العليا بجامعة نايف للعلوم الأمنية أن من يتعاطى الكولونيا هم من المدمنين والعاطلين إضافة إلى أنهم مهمشون اجتماعياً وفي نفس الوقت لا يستطيعون أن تتوفر لهم المسكرات الغالية ذات الثمن الباهظ فليجأون إلى الكولونيا والتي تتوفر بسعر زهيد والتي يتم خلطها بخلطات عشوائية من أجل الكسب سواء من الداخل أو الخارج.

ويبين الشهراني أنه يبدو أن المتعاطين ليسوا على مستوى اجتماعي متماسك ويجوز أن تكون الظروف النفسية هي السبب في مثل هذه الأمور والقرناء معظمهم واعون لابعاد ما قد يلحقهم من شرب الكولونيا.

ومن يتعاطها ليس لديه خلفية اجتماعية تمنعه من ممارسة هذه السلوكيات. مطالباً أن يتم دراسة الوضع الاجتماعي لهؤلاء الأشخاص الذين قاموا بتلك الأفعال نظراً لأنه ليس لهم انتماء اجتماعي لعائلة قوية متماسكة والوضع الاقتصادي له دور في ذلك مستبعداً أن تسمى هذه الحالة بالانتحار صحيح أن النتيجة واحدة وهي الوفاة لكن لكل حالة ظروفها.

ويرى اللواء المتقاعد الدكتور إبراهيم العتيبي أنه من سخافة التفكير وضعف العقل، فليس هناك مبرراً للإنسان أن يقوم بشرب

الكولونيا وقتل نفسه، فالمجتمع لا يلام على مثل هذه التصرفات التي يقوم بها هؤلاء الأشخاص.

من جانبه يوضح الدكتور جمعان أبا الرقوش مساعد رئيس جامعة نايف للعلوم الأمنية أن تعقيدات الحياة المعاصرة وكثرة المتغيرات المتناقضة وسرعة ايقاع التغير في المعيشة اليومية من خلال تمازج الثقافات تشكل عوامل لا يمكن اغفالها في حركة السلوك اليومي للفرد.

هذه التضاريس النفسية لا يمكن اغفال أهميتها في دفع الفرد إلى بعض أنماط السلوك غير المألوفة لأن الفرد في هذه الحالة يبحث عن ما يضع له الانسجام مع ما يختلج في نفسه من انفعالات طمعاً وطلباً للتكيف النفسي مع واقع الحياة لذلك فما نراه هو سوياً من استجابات لمتغيرات معينة يراه غيره سوياً وشاذاً لأنه يتجاوز المسطرة الاجتماعية.

كذلك فإن الثقافة الخاصة التي يعيشها الفرد داخل المجموعة المنتمية مثل جماعة اللعب وجماعة الأصدقاء من هذه المجاميع التي تتحد تحت قاسم مشترك لها ثقافة ذات تأثير بالغ في الفرد وتتداول مفردات ثقافية لا يستطع الفرد تجاوزها إلى ثقافة المجتمع عندما يكون داخل مجموعته الصغيرة وعليه فإنه يمكن أن يمارس قناعات ومسلمات الجماعة حتى ولو تعارضت مع قناعاته أحياناً.

وما يمارسه الشباب اليوم من تناول مادة الكولونيا إلا نمط من هذه الأنماط السلوكية التي يؤكد من خلالها المتعاطي التزامه بقوانين جماعة الرفاق خصوصاً إذا كانت هذه الجماعة ترى في استعمال هذه المادة عوضاً عن الحصول على المشروبات الكحولية الممنوعة في هذه البلاد الطاهرة وهذا ما يلجأ إليه متعاطي الكحوليات عن عدم الحصول على المادة الأصلية فإنه يتم البحث عن مادة بديلة وهنا تكمن الخطورة لأن معظم من يمارس هذه الممارسة يجهل تماماً خطورة التفاعلات الكيميائية للمواد البديلة وبالتالي تقع الكارثة، فكثير من المواد عند تفاعلها تعطي نتائج مختلفة قد تقود إلى الهلاك كما هو الحاصل مع متعاطي هذه المادة ولا شك أن من يقدم على هذه الممارسات هم أفراد لديهم اخفاقات وإحباطات لم يستطيعوا أن يتجاوزوها إلى مرحلة السواء فيبحثوا عن ذلك من خلال الهروب النفسي عن المواجهة والتكيف السوي مع تضاريس الحياة وعادة ما تكون هذه الفئة من الذين لهم تجارب سابقة لكل أنواع الكحوليات لأنهم يشعرون أحياناً بأنهم أمام تحد بين الذات والمجتمع في البحث عن البديل المثير عن الأصل المتعسر.

ويشير أبا الرقوش إلى انه تكمن الصعوبة في التوعية بأضرار كثيرة من المواد الخطرة في أنها غير معلومة من جميع أفراد المجتمع خصوصاً الأطفال، فأحياناً التوعية بأضرارها قد يلفت النظر إليها ويمكن أن تطفو المشكلة على السطح ويعلم بها الجميع فإن التوعية بذلك تصبح لزاماً ولكن يجب أن تكون بمنهجية علمية لايضاح الأضرار الصحية الناتجة عن خلط و استخدام بعض المواد للحصول على نوع من النشوة المحرمة.

وليكن ذلك من قبل مختصين في مثل هذه المواد وذلك عبر وسائل الإعلام المتاحة وعدم ممارسة التوعية لبعض المواد التي تشكل خطراً ولكن استخدامها قليل حتى لا تأتي النتائج عكسية.

أيضاً أن تكون التوعية داخل محيط المجتمع المستهدف أولاً ولا تخرج للمجتمع بشكل عام إلا بعد أن تحقق نتائج في هذا الوسط لأن قناعة أحدهم أو بعضهم سوف تتنقل إلى الآخرين كما أتت إليه أولاً وتصبح جزءاً من ثقافة الرفاق الإيجابية وبالتالي تعطيها التوعية الخاصة وربما لا يكون هناك حاجة للتوعية العامة لأفراد المجتمع.

مخالفة للدين

ويقول الدكتور عبدالله المطرود بوزارة التربية أنه لا بد أن يعلم الإنسان أن نفسه وعقله وروحه أمانة خطيرة سوف يسأل عنها وتعاطي الكولونيا مسألة خطيرة انتشرت في الفترة الأخيرة لقلة الوازع الديني وكثرة الفراغ وتزيين الشيطان {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} وفي ذلك مخالفة للدين والعقل والعرف وفيه تحطيم وتهديم أكبر للدين ثم الوطن وبينهما النفس البشرية {من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً}.

لقد وقف الدين حصيناً ومنيعاً للنفس البشرية والفكر النظيف فحرم كل ما فيه الفساد والإفساد للمعنويات والأرواح والأفكار والأجساد والمجتمعات أفراداً وجماعات.

لكن الشخص الذي يقع في مثل هذه الممارسات ضعفت بصيرته وانطفأ بصره وساءت حالته وأصبح في واد سحيق. ومن هنا أدعو الشباب إلى الحذر من مكائد العداء ووساوس الشيطان والهوى ودعوات أصدقاء السوء واحذرهم من الموت البطيء وهو ضياع واهدار الوقت والمال واتباع الشهوات وأقول إن ما وصل إليه أمثال هؤلاء هداهم الله وشفاهم هو بسبب تضييع الصلوات وضعف الخوف من الله وعدم الاهتمام بأنفسهم ومجتمعهم.

المصدر: الرياض العدد 13786
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1263 مشاهدة
نشرت فى 21 نوفمبر 2012 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

938,443

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.