المتعاطون يدمرون منازلهم بأيديهم

الزوجات والأبناء ضحايا الإدمان

  

مازال سكان الحرة الغربية بالمدينة المنورة يتذكرون تلك الحادثة البشعة عندما أقدم شاب في العشرينات بطعن والدته التي لم تكن راضية عن تصرفاته ليتضح بعد التحقيق وايداعه السجن انه كان لحظتها تحت تأثير جرعة زائدة حيث كان الابن من مدمني المخدرات. هذه الواقعة لأحد مدمني المخدرات الذي تلطخت يداه بدماء أمه تؤكد بجلاء نظرية الطب النفسي التي تعتبر مدمن المخدرات قاتلا لايدمر نفسه فسحب بل يدمر من حوله ايضا وبذلك يكون للادمان ضحايا اخرون غير الضحية الاولى الذي هو مدمن المخدرات.. والامثلة على ضحايا المدمنين اكثر من ان تحصى و هذه عينة منها فقط.. تمثل زوجات المدمنين بحكم المعايشة اللصيقة والعشرة الزوجية اولى الضحايا باعتبارهن اكثر من يكتوين بجحيم الادمان فضلا على ان كثيرا من الزوجات اللائي ابتلين بالمخدرات كان السبب في ادمانهن ازواجهن الذين يدعونهن الى مشاركتهم في التعاطي.

 

زوجي سبب ادماني                                                   

زوجي كان السبب في ادماني فلقد ازدادت المشاكل بيننا بسبب ادمانه وفي لحظة غلب عليّ حب الاستطلاع اردت ان اجرب الشعور الذي يعيشه ظنا مني بأنه سوف يعطيني الجرأة والشجاعة لمواجهة حياتي الا انه للاسف الشديد لم تنته مشكلاتنا بل تفاقمت واسوأ من ذلك انني اصبحت مدمنة اذ ظللت اتعاطى المخدرات لمدة عشر سنوات مع صديقاتي وذلك ما ادى في نهاية الامر الى انفصالي عن زوجي فتركت اطفالي عند اهلي الذين اصبحوا مسؤولين مسؤولية كاملة عنهم فيما اصبحت انا اسيرة للمخدرات الى ان سافر بي والدي لاحدى الدول للعلاج وعندما عدت ابتعدت عن صديقات خطر.

 

مدمنة سارقة

القصة بكل ما فيها من ألم ترويها «ام محمد» بعد تعافيها من رحلة الادمان ولكن قصة زميلتها الاخرى وان تشابهت في اسبابها الا انها اكثر فداحة فتقول المرأة: «زوجي قادني الى طريق الادمان واستمررت عليه 15 سنة تعاطيت خلالها الحشيش والهيروين وشربت المسكر، ولم تمض فترة طويلة حتى تحولت الى سارقة لكي اوفر ثمن المخدر فرفضني المجتمع وكان مصيري الشارع بعد وفاة والدي حيث بعت اثاث منزلي ولجأت الى السرقة فلم يكن امامي بعد ان ساءت حالتي وظروفي سوى اللجوء الى مستشفى الامل بالدمام للعلاج من الادمان وقد تعافيت الان ولله الحمد بل اصبحت داعية للتنبيه والتحذير من خطر المخدرات!!

 

زوجة المدمن تطلب الطلاق

ومواطنة من عسير ظلت لخمسة اعوام تبحث عن الخلاص من زوجها بعد ان اكتشفت انه مدمن مخدرات لايمكن التعايش معه.. وبينما تحاول المحكمة اقناعها بالرجوع الى زوجها تصر هي على موقفها بطلب الطلاق منه.

تروي هذه الزوجة المعذبة حكايتها قائلة: قبل 15 سنة تقدم لخطبتي من اسرتي وكالعادة تحرت عن دينه واخلاقه ولما وجدته رجلا صالحا زوجوني له وعشت في كنفه كأي فتاة تبحث عن الاستقرار وبناء اسرة في السنوات الثلاث الاولى كنت ألاحظ بعض التصرفات من زوجي خاصة تعامله القاسي معي وكنت كلما استشرت والدتي تحثني على تحمله وبأنه سوف يتغير مع الايام.. رزقت بمولودي الاول وقلت ان ذلك سيغير من تصرفاته الا انه ظل على حاله سبع سنوات اخرى رزقت منه ثلاثة اطفال اخرين وكنت اكتم امره واسعى جاهدة لاصلاحه واتحمله من اجل ابنائي ولكنه تمادى حتى اكتشفت انه ليس مجرد مدمن فحسب بل مروج مخدرات وذلك بعد ان تم القاء القبض عليه في قضية ترويج فحكم عليه ودخل السجن عندها لم اعد احتمل المزيد خاصة بعد ان اصبحت اخاف منه على نفسي وعلى ابنائي فقررت الانفصال عنه وتقدمت للمحكمة بطلب الطلاق والان لاشيء يهمني سوى استعادة حريتي وانا مصرة على الطلاق بعد هذه التجربة المريرة مع رجل مدمن ومروج استمرت عشرة اعوام ألحق خلالها بي وابنائي الاذى الجسدي والنفسي ولطخ سمعتنا في الوحل في مجتمع لايرحم!

 

«تعبت منه.. طفشت.. مللت.. اصبحت اكرهه» كلمات يائسة تطلقها زوجة مدمن اخر ما عاد يؤثر فيها ما يقدمه لها من هدايا واشياء لارضائها فهي لم تعد تحتمل سوء معاملته لها تقول «دائما يضربني امام اولادي ويتفنن في ايذائي بكل ما يقابله من اغراض. يقوم برميها عليّ دون أي سبب ظاهر ويحدث ذلك اكثر من مرة في اليوم.. تعبت من الحياة مع شخص يعيش في عالم المجهول وحتى اولادي لايحبونه فهو يسبب لهم الرعب كلما يرونه.

وتستطرد هذه الزوجة المغلوبة على امرها قائلة: «بعد سجنه الذي تكرر اكثر من مرة سكنت واولادي في شقة تابعة للجمعية الخيرية حتى نرتاح من شره ولكنه أتى الينا بعد خروجه من السجن وعاد الى اساليب التعذيب التي يمارسها ضدنا.. فكيف نقبل ان يسكن معنا او ان نعتبره ابا لأبنائه الذين وصلت اعمارهم 12 و 13 سنة وهم غير مضافين في كرت العائلة مما حرمهم من الدراسة حتى الان؟!

 

قصة شقيقين

الحكايات كثيرة والضحايا يتعددون في كل مرة فهذان شقيقان متقاربان في السن احدهما مدمن والاخر لا عهد له بالمخدرات ولكن خوفا على شقيقه كان يرافقه اثناء وجوده بين الشلة حتى اصبح مدمنا مثلهم!

 

مدمن تائب

ويروي مدمن تائب هذه الحكاية «انا شاب متزوج ابلغ من العمر 30 عاما ولي طفلان في عمر الزهور وبسبب المخدرات طردت من عملي ثلاث مرات لتكرار غيابي واهمالي ومشاحناتي المستمرة مع زملائي».

«اما زوجتي - يضيف - فمسكينة هي واطفالي تقضي معظم الوقت في بيت اهلها هربا من منزلنا الذي حولته الى جحيم لايطاق فقد قبض عليّ اكثر من خمس مرات ولم تعد لي كرامة بعد ان سقطت في بئر الادمان فقد جربت جميع انواع المخدرات: حشيش، افيون، حبوب، اقراص مخدرة حتى انني حاولت الانتحار ذات مرة بابتلاع كمية من الحبوب انتهت بي الى المستشفى.. مسكينة زوجتي فهي تنزوي خجلا من عيون المجتمع ومن ابنائها عندما يسألون: «اين ابانا»؟ ولكن بعد دخولي مجمع الامل للصحة النفسية ادركت اخيرا ان المخدرات لاتقضي عليّ بمفردي وانما تقضي كذلك على صحتي وديني وزوجتي واطفالي.

كل هذه القصص وغيرها كثير تؤكد ان هناك دائما ضحايا للمدمنين سواء كانوا زوجاتهم او امهاتهم او اولادهم وان المخدرات تقتل الاسرة اجتماعيا وتؤدي الى تفككها وتشل اقتصادها وقد كشفت دراسة عن العوامل المرتبطة بالجريمة في المجتمع ان 28% من المحكوم عليهم في جرائم جنائية كانوا يتعاطون المخدرات، وان المخدر يدفع الفرد بقوة الى ارتكاب جرائم الاعتداء.

 

اسباب ودراسات

وفي هذا الاطار كشفت بعض الدراسات التي اجريت عن تعاطي المخدرات ان من اهم اسباب تفاقم مشكلة المخدرات في بعض مناطق المملكة خاصة في اوساط الشباب هو السيولة النقدية بين ايدي بعض المتعاطين اضافة الى البطالة والفراغ والتفكك الاسري.

وتشير الاحصائيات المتعلقة بقضايا المخدرات التي صدرت بها احكام شرعية في المملكة الى تزايد مضطرد في الجرائم الناتجة عن تعاطي المخدرات حيث تضاعفت خلال 10 سنوات الى 45 ضعفاً، كما ان نسبة تعاطي المخدرات والادمان لا تقتصر على الذكور فحسب بل تشمل الاناث ايضا.

يذكر الدكتور سعود الضحيان (اخصائي اجتماعي) في دراسة اجراها ان الجرائم الاخلاقية تتصدر النسبة العظمى في معظم الجرائم النسائية حيث تصل الى 50% تليها المخدرات والمسكرات فقضايا الرشوة والتزوير.

وتؤكد دراسة اخرى ان تعاطي المخدرات ينتشر بين الفــئة العمرية 15- 35 ســنة بنســبـــة 76% وان الــفـئات العمرية بين 6- 20 هي اكثر من يتعرض لادمان الحشيش والمنشطات والمواد الطيارة والغراء والتي تشكل خطرا كبيرا للغاية على الجهاز العصبي وتسبب الادمان السريع الذي يتلف الاعصاب المركزية للمخ وتنتهي بالاعاقة او الموت.

 

الهيروين والانتحار

وتؤكد دراسات بحثية ان نسبة الوفيات بين مدمني الهيروين تبلغ اكثر من 13 ضعف نسبة الوفيات العادية، كما ان معدلات الانتحار بالهيروين تتجاوز 14 ضعف معدلات الاقدام على الانتحار العادية نتيجة الاضطرابات النفسية والمشكلات الاسرية والعزلة الاجتماعية.

 

تحصين النشء ضد المخدرات

والى ذلك يؤكد الدكتور عبدالله الجوهي نائب مدير مجمع الامل للصحة النفسية بالدمام ان العدو الاول في هذه القضية هو الادمان نفسه دون ان نفرق بين من هو الشخص الاكثر تضرراً من هذا الادمان: هل هو المدمن؟ ام الاشخاص المحيطين به؟؟ موضحا في سياق ذلك ان المدمن قد يكون ضحية لهذا الادمان وقد يكون مذنباً في حق نفسه وفي حق مجتمعه بدخوله في هذا العالم ومتى ما توصلنا الى معرفة الاسباب التي قادته للادمان سهل علاجه فكثير من الاسر بسبب فرد واحد منها يتعاطى المخدرات تنعكس سلبيات ذلك عليها جميعها ومن هذا المنطلق لابد من ان تحرص الاسرة على متابعة ابنائها وان يتحمل كل ولي امر مسؤوليته تجاه اسرته وان نهتم كثيرا بالصحبة الصالحة وان نقضي على اوقات فراغنا وفراغ ابنائنا فأكثر الحالات سلكت طريق الادمان بسبب الفراغ الكبير الذي تعاني منه، مشيرا الى أهمية ان يسود الاسرة المحبة والحرص على مصلحة الاخرين خاصة ان بعض الحالات التي تصل الى المستشفى للعلاج من الادمان تكون احيانا لزوج حاول اسكات زوجته والهرب من سؤالها عن المخدرات وحتى يسكت لسانها يبحث عن وسيلة توقعها في شرك الادمان وهي حالات موجودة فكم من زوج كان سبباً في ادمان زوجته (شاهدنا امثلة لذلك في ثنايا القضية) ونفس الشيء ينطبق على الاب فهو امام ضعف وازعه الديني وامام احتياجه الدائم للتعاطي وافلاسه مادياً وبحكم ابوته، يحاول اغراء ابنه ان يسلك نفس الطريق وذلك من خلال حرصه على ان يجلس معه في جلساته فيقوم الابن بالمهمة حتى يصبح فيما بعد مروجاً ونفس الحال ينطبق على علاقة الاخ باخيه!

والحال كهذا، كيف نحمي مجتمعنا من هذه السموم للتقليل من ضحايا المخدرات.

 

هنا يشير عبدالاله محمد الشريف مستشار اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات الى الاسرة كنقطة البداية في هذه الحماية المنشودة فعليها يقع العبء الاكبر في تحصين ابنائها، على ان نبدأ اولاً بتحصينهم بالوازع الديني وتهذيب النفس وزرع القيم والمبادئ الاسلامية السمحة واعطائهم مزيداً من الثقة وتخصيص الوقت الكافي للاستماع اليهم ومشاركتهم بالرأي في القرارات العائلية.

 

وعلى الاسرة ان تتسم بالعقلانية كقناة تواصل هامة مع الابناء ذلك انه عندما يكون الاب هادئاً في تصرفاته مع ابنائه وودوداً في التعامل معهم يجعل ذلك الابناء يبوحون بما في دواخلهم مع مكافأتهم على تصرفاتهم الايجابية وتحذيرهم من رفقاء السوء مع المراقبة والمتابعة لاسيما عند تجوالهم عبر الانترنت والقنوات الفضائية، ويتكامل مع هذا الدور للاسرة دور المدرسة باعتبارها المحطة الثانية التي لاتقل عن الاسرة من ناحية التربية والتعليم والمتابعة وبث الرسائل الارشادية عن طريق المعلم للطالب الذي ينقلها بدوره للاسرة، ثم يأتي في النهاية دور الاعلام باعتبار ان الوسائل الاعلامية مهمة جداً في تربية النشء وذلك عن طريق البرامج التوعوية التي تهدف الى حماية وتحصين الاطفال ضد المخدرات وتزويد الاسرة بمعلومات عن مخاطرها.

 

مناهج التعليم

وفي اطار هذه التربية المنشودة لحماية الابناء ضد مخاطر المخدرات يؤكد الاخصائي الاجتماعي عارف السحيمي من جامعة طيبة على ضرورة ان تتضمن مناهج التعليم ما يبين للنشء مخاطر هذا الداء العالمي والخطر الجسيم الذي يفتك بالارواح والاسر والمجتمعات، اضافة الى تفعيل الدور الارشادي داخل سجون الاحداث والتركيز على تثقيف وتوعية الاحداث الذين يقضون فترة محكومية في قضايا تتعلق بتعاطي وترويج المخدرات وتبصيرهم بخطورة الادمان وبأهمية العلاقات الاسرية والترابط الاسري، والعمل على تهيئتهم للمشاركة في محيط الاسرة والمجتمع بعد خروجهم من السجن لتفادي معاودتهم لتعاطي وادمان المخدرات مرة اخرى.

 

الحبوب المنشطة

وكانت الدكتورة عبلة حسنين رئيسة القسم النسائي بالادارة العامة لمكافحة المخدرات بجدة قد اكدت كل ماجاء في تلك الدراسات محذرة من انجراف الشباب خلف تعاطي الحبوب المنشطة التي تعتبر من اكثر واخطر انواع المخدرات انتشارا حتى بين كبار السن، مشيرة الى وجود ايدٍ خفية تحاول العبث في الخفاء لنشر المخدرات مع التركيز على الحبوب المنشطة التي تضاعف عدد مستعمليها في السنتين الماضيتين، مبدية مخاوفها من ان هذه الحبوب باتت تصنع داخلياً، مؤكدة حرص جميع اجهزة وزارة الداخلية وبالذات اجهزة المكافحة على نشر التوعية ووضع البرامج والخطط الاستراتيجية للتصدي لآفة المخدرات.

المصدر: عكاظ /( الجمعة 12/04/1429هـ ) 18/ أبريل/2008 العدد : 2497
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1079 مشاهدة
نشرت فى 21 نوفمبر 2012 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

944,474

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.