الهيروين
الآن يكاد يكون اسم الهيروين معروفاً للجميع.. قلة قليلة من الناس لا تعرف الهيروين، فوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، لا تكف عن ترديد هذا الاسم منذ سنوات عديدة. فالهيروين اسم ارتبط بالمآسي ومشاعر الخوف والقلق، وكثيراً ما يكون مصحوباً بالجريمة، الهيروين مادة خطيرة، سريعة الإدمان وهو من أكثر وأخطر المواد المخدرة التي يتعاطاها المدمنون سواءً كان ذلك عن طريق الشم أو التدخين أو الحقن، وهو أخطر أنواع الاستعمال لهذه المادة المخدرة. ورغم ان الهيروين اسم يتداوله الجميع إلا ان هناك الكثير من الغموض يحيط بهذا المخدر الخطير جداً.
ما هو الهيروين؟
لاول مرة ذكر الهيروين كان عام 1898م، عندما اكتشف أحد علماء شركة أدوية ألمانية اسمها باير (Bayer) مادة تشبه في مفعولها المورفين، وأطلق هذا العام واسمه هيلاش درسر اسم هيروين، ويعني هذا الاسم باللاتينية البطولة..!
في بداية اكتشافه أسرف الناس في استخدام الهيروين، حتى صدر قرار يمنع تداوله إلا للإغراض الطبية، ولكن استخدامه طبياً تضاءل، ولم يعد هناك طلب عليه، لكن هذا لا يعني عدم استخدامه، بل انتقل بيعه من الصيدليات والمستشفيات إلى الزوايا المظلمة في الشوارع المشبوهة في شتى بلدان العالم، أصبح الهيروين مصدر دخل خرافي للعصابات الخطيرة التي تتاجر به. رغم العقوبات الصارمة التي تنتظر من يقوم بتهريب الهيروين، إلا ان الكثيرين يقدمون على هذا العمل الإجرامي الخطير نتيجة الإرباح الخيالية التي ترافق تهريبه والاتجار به. لقد استخدم المهربون كل الوسائل الممكنة المنطقية والأخلاقية وغير المنطقية وغيرالأخلاقية، والتي تذهب بعيداً عن الأخلاق والأعراف الإنسانية.
فقد استخدمت جثث الموتى، حيث يتم نقلها من بلد لآخر بعد ان يتم تفريغ تجويفات الجسد وملئه بالهيروين. كذلك تم استخدام الإنسان الحي، حيث يوضع الهيروين في مغلفات ويتم بلعها حتى يتم السفر من بلد إلى آخر، عندئذ يتم استخراجها. كذلك يتم إدخالها عن طريق المناظير، خاصة في المستقيم، لأنه جزء خامل يستطيع المهرب حمل كمية لا بأس بها،كذلك نظراً لان المستقيم منطقة خالية فإن الشخص يستطيع الأكل والشرب والذهاب إلى الحمام دون ان تتأثر المادة التي يحملها، ويستطيع من يحملها أن يبقى هكذا لمدة 48ساعة. هذه المخاطر يتحملها من يتاجر ويهرب الهيروين نظراً للمبالغ الضخمة التي يحصلون عليها من التهريب. فكيس الهيروين الواحد يمكن ان يخرج منه نحو عشرة أكياس بعد خلطه بمواد اخرى.
الضحايا
اكتب هذا الكلام حتى يعرف الشباب ان هذه المواد خطرة جداً، وان المهربين يبحثون دوماً عن ضحايا لهم بين هؤلاء الشباب الذين يشكلون الغالبية العظمى من مستخدمي هذا المخدر الخطير. ان الإدمان على الهيروين سريع جداً، فالشخص يحتاج ربما لأيام أو أسابيع حتى يصبح مدمناً بالمعنى العلمي لكلمة الإدمان الجسدي والنفسي. وإذا حدث الإدمان فإن الانزلاق خطير.. خطير للغاية، عندئذ يعمل المدمن أي شيء مقابل ان يحصل على الجرعة التي يتعاطاها من الهيروين.. فقد يسرق من أقرب الناس اليه، ويسرق أشياء غالية الثمن من الوالدين ، وربما تكون تحمل ذكرى خاصة للوالدين، ولكن هذا الابن المدمن يبيعها بأبخس الإثمان فقط كي يحصل على ثمن الجرعة التي يتعاطاها من الهيروين. وربما ارتكب الشخص أكثر من ذلك، فربما قتل للحصول على المال. ويمكن للمرء ان يبيع أعز ما يملك مقابل ان يحصل على الهيروين، فكثير من الفتيات صغار السن في شتى بقاع الأرض امتهن البغاء، وأصبحن يبعن أجسادهن مقابل مبالغ بسيطة كي يحصلن على الهيروين. ان واحداً من أكثر أسباب انحراف الفتيات إلى الدعارة هو الإدمان على المخدرات، وخاصة الهيروين.
ان الإدمان على الهيروين مرض خطير جداً ويحتاج للعلاج، وكلما بكر الشخص في طلب العلاج كانت الاستجابة للعلاج أفضل وكان مآل المريض أفضل من لو انه جاء بعد ان يكون الداء قد استفحل وخسر المدمن وظيفته وأسرته وأصدقاءه..!
التركيب الكيميائي وطريقة الاستعمال:
يحتوي الهيروين على مادة , 36داي أستيل مورفين (, Diacetyl Morphine36) وهذه هي المادة النشطة في الهيروين عادة لا يحتوي الهيروين الذي يباع للمدمنين على نسبة عالية من هذه المادة النشطة. ففي أغلب الأوقات يحتوي الهيروين المباع على نسبة تقل عن 30% من هذه المادة النشطة. غالباً يخلط الهيروين مع مواد عادية لتخفيفه، وبيعه بمكاسب كبيرة، لكن ثمة أحيان يخلط الهيروين بمواد مخدرة ارخص سعراً وتكون ذات مفعول قوي، وهنا أيضاً تكمن الخطورة، فكثير من الأحيان لا يكون معروفاً على وجه التحديد ما هي المواد المخلوطة مع الهيروين. فقد يخلطه البعض بزجاج مطحون وهنا يسبب خطورة كبيرة على الرئة إذا تم استخدامه عن طريق الشم. أما إذا تم استخدام هذه الهيروين المخلوط بالزجاج عن طريق الوريد فربما تسبب في جلطات في أماكن مختلفة من الجسم قد تكون قاتلة..! ثمة أحيان يخلط الهيروين مع مواد منشطة مثل الامفيتامين (المعروف محلياً باسم الأبيض أو أبو ملف)، وهنا يصبح الأمر أيضاً غاية في الخطورة لان مفعول كل مادة مضادة للآخر، وهو ما يرغبه البعض حيث يحصلون على متعة مختلطة لكل منهما ولكن هذا قد يتسبب في الوفاة، خاصة مع زيادة الجرعات، وعدم معرفة النسبة التي يتكون
منها كل من المواد المخدرة أو المنشطة.
استخدامه
يستخدم الهيروين اما بتدخينه، أو شمه بعد حرقه على أوراق القصدير، أو ان يحقن بعد ان يذوب بماء وعصير الليمون حتى يتم حقنه في الأوردة بطريقة أسهل. والحقن عن طريق الوريد أشد أنواع الخطورة والإدمان لمستخدمي الهيروين.
في بريطانيا وجد ان الهيروين المباع في الشوارع والأسواق السرية يحتوي مابين 30إلى 60% وكان هذا في بداية الثمانينيات من القرن الماضي. الآن النسبة أصبحت أقل نتيجة كثرة الطلب عليه، والنسبة قلت إلى أقل من 30% في الهيروين المباع في الشوارع. في الدول الخليجية ربما تكون النسبة تتراوح مابين 10إلى 30% وذلك نتيجة صعوبة تهريب الهيروين وكذلك صعوبة ترويجه في هذه البلدان، مما يحدو المروجين إلى خلطه مع المواد الأخرى حتى يصبح تقريباً أقل من 10% وهذا يشكل خطورة لان لا أحد يعرف ما هي المواد الأخرى التي يخلط معها الهيروين لبيعه وتحقيق مكاسب أكبر، مما قد يجعل المروجين يخلطونه بمواد مخدرة أرخص سعراً لكن أشد خطورة..!
في كثير من الدول الأوروبية هناك قانون للتعامل مع مدمني الهيروين، نظراً لما يشكله الإدمان على الهيروين من مشاكل اجتماعية كالجرائم مثل السرقة والقتل والدعارة. كذلك المشاكل الصحية التي تنشأ من جراء الاشتراك بين المدمنين في استخدام نفس الحقنة، وقد ينتقل مع الاشتراك في الحقنة أمراض خطيرة مثل مرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) وكذلك التهاب الكبد الوبائي، النوع .
كما ان استخدام الحقن في حد ذاتها دون الاشتراك مع الآخرين، كثيراً ما يحدث التهاب الأوردة. والتهاب الأوردة مرض مزعج ومؤلم جداً، كذلك قد يؤدي ذلك إلى حدوث التهابات في الأغشية المحيطة بالقلب أو ربما بعضلات القلب، وهذا مرض مزعج ومؤلم وقد يسبب الوفاة. هذه الأسباب الاجتماعية والصحية أدت إلى ان تفكر السلطات الصحية والاجتماعية في بعض الدول الأوروبية لإيجاد حلول عملية لهذه المشاكل المترتبة على إدمان الهيروين، بريطانيا رأت ان مشكلة الالتهابات والمضاعفات الصحية نتيجة الاشتراك في استخدام الحقنة، يجب ان ينظر لها بصورة جدية، فبدؤوا تجربة،
اول ما بدأوها في مدينة ليفربول، حيث أنشأوا مراكز صحية متخصصة في رعاية المدمنين الذين يستخدمون الحقن. بدلاً من ان يشترك عدد من المدمنين في استخدام حقنة واحدة، بدأت هذا المراكز الصحية في توزيع حقن نظيفة للمدمنين الذين يسجلون أنفسهم مع هذه المراكز، على هؤلاء المدمنين ان يحضروا الحقن المستخدمة واستبدالها بحقن جديدة معقمة، هذا ليس تشجيعاً على تعاطي الهيروين بل هو حماية لهم من الالتهابات الخطيرة التي قد تنتج عن الاشتراك بين المدمنين في استخدام الحقنة الواحدة، و بالتالي يكلف هذا الالتهاب السلطات الصحية مبالغ كبيرة.
في دولة اوروبية اخرى مثل سويسرا، يحضر مدمن الى العيادة (مدمني الحقن فقط) و يعطى الكمية التي يتعطاها، ولكن عليه ان يحقن نفسه داخل العيادة، دون المساعدة من أي شخص، كذلك لا يسمح له بمغادرة العيادة بأي كمية من الهيروين.! هذا التصرف ايضاً ليس تشجيعاً على تعاطي الهيروين ولكن الحد من الجرائم التي يرتكبها المدمنون صغار السن الذين لا يتورعون عن فعل اي شئ مقابل حصولهم علي الهيروين، وإحضارهم الى العيادات المتخصصة، فيه ضبط لهم، وكذلك ضمان بأن لا أحد يساعدهم في الحقن، بل هم من يقومون بحقن انفسهم، وهذا فيه صعوبة كبيرة حيث بعد فترة من الحقن للهيروين عن طريق الأوردة فإن هذه الأوردة تضمر ويصبح من الصعب الوصول لها للحقن ويعاني المدمن من صعوبة كبيرة في الحصول على وريد جيد لحقن نفسه. هذا الضمور واختفاء الاوردة كبيرة، وموقعها يشكل خطراً على حياته، مثل الاوردة التي في الرقبة او الاوردة التي في اعلى الفخذ، وهي اماكن خطرة جداً قد يؤدي الحقن فيها الى الوفاة..!
أثر الهيروين النفسي والجسدي؟
الهيروين كما ذكرنا في بداية هذا المقال يحتوي على مادة مخدرة نشطة، وتؤثر هذه المادة على موصلات عصبية في الدماغ تسبب للمستعمل في البداية الشعور بالسعادة، والنشوة السريعة جداً، والشعور بالخدر، وكذلك يؤدي الهيروين الى انخفاض ضغط الدم، وبطء حركة عضلات القلب، وكذلك يقود الى ضعف مركز التنفس في الدماغ، وعند استخدام كميات كبيرة من الهيروين فإن ذلك قد يقود الى الوفاة عن طريق التأثير على مركز التنفس في الدماغ، فيحدث هبوط شديد في وظيفة مركز التنفس في الدماغ والتي بدورها تؤدي الى الوفاة، وربما يكون هذا اكثر اسباب الوفاة في تعاطي الهيروين.!
الهيروين كما ذكرنا سالفاً يقود الى شعور سريع بالسعادة، وهذا يقود الى الادمان النفسي السريع.. وكذلك يحتاج الشخص الى رفع مقدار الجرعة حتى يصل الى نفس الشعور الذي كان يحصل عليه سابقاً بجرعة أقل.