ممَّ نهرب؟؟؟؟
الهروب...
هو قدر الإنسان في كل زمان ومكان
قدره أن يهاجر.. أن يتطلع شاخصا نحو أفق بديل.. نحو عالم أفضل..
قدره أن ينزح بعيدا عن عالم الآخرين، كلما ناءت روحه بأثقال الهم والمفارقات.. كلما أضناه الضيم ومرارة الأسى.. كلما جرفه سيل اليأس بعيدا عن دنيا مزقتها الحروب والمآسي وكل ممارسات القهر والعنف الرهيب... بحيث لا يبقى أمامه من مهرب إلا الهجرة النفسية.. يلوذ فيها بعالمه الباطني.. يهرب نحو ذاته.. نحو أناه المفردة.. نحو حلمه المفتقد عساه يحتمي من وقائع زمن قاسي، ومن نُظم مجتمع بئيس تحكمه آليات القوة والظلم والطغيان، وتتداعى في يومياته صور الخراب والدمار، وتنطفئ في عتمة أفقه الداجي شموع الأمل والأمن والصدق والسلم والمحبة الصافية والأمان...
هجرتنا النفسية تعبير عن اغتراب "الأنا"، وحزن الروح الحائرة، وعن شفافية الوعي، وصدق الوجدان.
نهاجر بعيدا عن هذا العالم القاسي وكل كينونتنا تنشد السلام الروحي والسكينة والاطمئنان..
لكننا محكومون في نهاية المطاف بالعودة لعالم "النحن"، حتى وإن ظللنا نشعر دوما أننا مجرد غرباء منزوين في صمت تأملي طويل لا تكسر طوقه الجلبة التي يثيرها من حولنا الآخرون، وهم يتحدثون لغة النفاق والرياء والمداهنة والمراء والسطحية والمغالطات والتمويهات المضللة، وكل ما يحيل الوجود رحلة عدمية بلا جدوى وبلا معنى!!!
لكننا نعود في كل مرة من ارتحال المهاجر، وتغييب الذات المنفية، وقد ازددنا حزنا ورهافة وشفافية.. نعود وقد غار جرح اغترابنا أعمق وأعمق في غور الوعي والحنايا، ولا نتخلى عن محاولة اللحاق بحلمنا المتطلع إلى العالم الجميل.. عالم الإنسانية الحق...
يتبع
نعيمة الحامد
نصوص حيرى.. أضمومة سردية (قيد الإعداد للطبع)