مجلة مشكاتي للشعر ..... للشاعر هشام عوض

 

" لو تعلقت همة المرء بما وراء العرش لناله "
بقلم : ماهر اللطيف
"لو تعلقت همة المرء بما وراء العرش لناله..."
قد يبدو المعنى السطحي للجملة واضحا وقد يعطينا الاصطلاح مزيدا من التوضيح والاقتراب من المعنى الحقيقي للجملة وهو إمكانية نيل المنى متى شئنا ذلك وسعينا له...وهو المقصود فعلا من الجملة حالما نقرؤها قراءة أولى...
وبما أن القراءة قراءات وكل قراءة تعيننا على مزيد الفهم والتمعن،فإننا حتما سنصل إلى نتيجة حقيقية لا ريب فيها أراد الله إيصالها لنا حتى نتبين ما لنا وما علينا....فقد أريد بهذا القول تبيان مدى قوة الإنسان ومقدرته على الخلق والإبداع وولوج عوالم قد تبدو لنا مجرد أوهام أو تخيلات في الوقت الراهن مثلما كانت غيرها قديما لأجدادنا باتت لنا حقائق ملموسة وممكنة...فقد حبا الله الإنسان بمميزات وقدرات خارقة لا تتوفر عند بقية الكائنات والمخلوقات الأخرى وأهمها العقل المدبر والمفكر،لذلك ميزه الخالق وجعل الجميع في خدمته إلى يوم البعث....
إذن،فمحتوى المقولة يفهمنا أن الإنسان بإمكانه الوصول إلى أي شيء يريد اكتشافه ومعرفته ماعدا العرش وما يحوم حوله ويدور في فلكه لأنه إلهي وخاصية من خصوصيات الكمال الالاهي،شرط توفر الإرادة،العزيمة،التخطيط،المقدرة على الفعل وتحدي الصعاب،،الهدف والغاية،توفر المستلزمات الأدبية،المالية والفكرية وعدم تجاوز الدين او التشكيك فيه وفي محتوياته...
فبإمكان البشر صنع العجائب وفك طلاسم المبهمات متى أراد ذلك وتوكل على الله وعلم الطريق السوي الواجب إتباعه لتحقيق النصر ،النجاح والتألق دون المساس أو الاقتراب من المحرمات والممنوعات
،وما اختراعات واكتشافات البشر على مر العصور والحضارات إلا دليل على ذلك وشاهد حي على قدرة الإنسان وقوته متى تعلقت همته بأهداف ورؤى قد تبدو صعبة المنال والتحقيق منذ الوهلة الأولى...
غير أن ما سبق تبيانه لم يبين أي جديد ولم يشد اهتمام القارئ لأنه عار من كل تشويق وجلب للانتباه،ومنها وجب علينا طرح التساؤل التالي:
ما الغاية من تفسير هذه الجملة مادام معناها واضحا؟وما هدفنا من ذلك؟
فلو أعدنا القراءة والفهم الجيد بعد هذا الطرح الأولي لتبين لنا ما يلي:
بما أن الكمال لله وحده عز وجل فانه من الطبيعي أن يحجب عن كائناته ما يشاء وكيفما يشاء ومتى شاء أيضا ليبقى الواحد الأحد...،ومن الطبيعي أن يجعل ما بوسعنا نسبيا وهو ما ترسخ لدينا فعلا فالخير نسبي مثل الشر والصحة نسبية مثل المرض و هلم جر...فكل شيء نسبي مهما بلغ الإتقان والاكتمال ....
ومن خلال هذه المقولة فالمقصود جلي للعيان وهو إمكانية الوصول إلى أي شيء ماعدا العرش وما تعلق به،أي إن العلم والمعرفة لا حدود لها ما لم تتعلق بالممنوع المشار إليه سلفا،والاختراع والاكتشاف كذلك لا قوانين مانعة لها ولا ضوابط أو قيود.....
أي - و هذا المهم - إن مصطلح " مستحيل " لا وجود له ولم يؤشر عليه الدين أو الكتب السماوية ولا الأعراف او العادات والتقاليد ولا المدارس الفقهية آو الأدبية أو العلمية أو غيرها...بل هو - المصطلح - من وضع الفاشلين الذين لا يرون غير أقدامهم،محدودي الرؤى والعزائم والقدرات،المستهلين والمتواكلين الذين لا يريدون الإنتاج والإبداع،دعاة التخلف والرجعية والبكاء على الأطلال وندب الماضي التليد متى كان المسلمون العرب مخترعين ومبدعين،قادة العالم وموجهيه...
فالمستحيل كلمة لا وجود لها إلا فيما تعلق بالعرش وما دونه ممكن ووارد مهما بدا صعب المراس والإدراك ومهما التصقت به الأدران والأوساخ والحفر إذ علمنا ديننا وتاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا أن السقوط وارد وممكن وقد يخلف لنا الجراح والآلام،لكنه ليس علامة من علامات الفشل بل إنه مرحلة من مراحل النجاح والتألق متى قمنا ،نفضنا الغبار عنا،تقوينا على جراحنا وآلامنا واستخلصنا العبرة من هذه السقطة حتى لا نعيدها ثانية واعدنا التوكل على الله ومواصلة المسير نحو الهدف المنشود...
غير أن المجتمع العربي الإسلامي تبنى هذا المصطلح حتى كاد يكون شعاره ،فسقط في التبعية والعبودية والاستغلال،الديكتاتورية والأنانية والعنجهية وحب الذات وكنز الثروات والمكتسبات....،وانبهر بما يفعله الآخرون الذين أعجبهم عجز العرب ووقوف عربة إبداعهم واكتشافهم،فنصبوا له الشباك واصطادوه بكل يسر ليصبح تابعا ،عبدا مطيعا...بعد أن كان سيدا،آمرا وناهيا،فأمسى مستهلكا بعد أن كان منتجا....
وصار مجتمعنا مثل الأرملة التي تبكي دوما فراق زوجها وتركها وحيدة دون عائل وسط هذه الغابة التي لا ترحم....فقد بتنا نبكي ماضينا ولا نريد تجاوزه،نقول كنا ولا نريد
قول ها نحن ،نحتاج فنطلب العون من الغير وبإمكاننا إطعامه ونرفض العمل،نجنح إلى الكسل ونمقت العمل،نعبد المال والجاه والجنس الآخر ونتفاخر بما ورثناه عن السلف وأضعناه بهذه الطريقة من الأعمال والتلف...
مجتمع مستهلك،مستهتر،غير مبال،ضائع،مائع،تائه...،يقلد الغرب في كل شيء ويتغلب عليه فيما يتعلق بالسلبيات كالخمر والزنا والقمار وغيرها...ولا يتجرأ على تقليده في العلم،الأدب،الاختراع،المعرفة....،إلى أن بات جد قريب من الأمية إن لم اقل الجهل الذي سنصل إليه قريبا إن لم نغير ما بأنفسنا كما قال جل جلاله" لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" .فالتغيير يبدأ منا،من ذواتنا،من القاعدة وليس من هرم السلطة....

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 125 مشاهدة
نشرت فى 6 يوليو 2015 بواسطة Meshkaty2

عدد زيارات الموقع

110,278