إن هذه النملة قد عرضت نفسها للخطر، حيث أن أقدام البشر وخطواتها تمثل بالنسبة للنمل عشرات الأمتار، وهذا يعرضها حتمًا للخطر، خطر أن تسحقها أقدام الإنس أو الوحوش، لقد كان من المفترض في هذا الموقف أن تلوذ النملة بالفرار لا تلوي على شيء، ولكنها قد وقفت تنادي على أمة النمل تحاول إنقاذها، مقدمة في ذلك مصلحة أمتها على مصلحتها الشخصية.

إن الأمة الإسلامية متعطشة لهذه الروح، روح التضحية من أجل المصلحة الأمة ولو كان على حساب المصلحة الشخصية، فلقد رفع الكثيرون شعار: أنا ومن بعدي الطوفان، واستشرت الأنانية وعشق الذات على حساب مصلحة الأمة ومصلحة المجموع، تلك الروح التي كانت بين جنبات الإمام أحمد بن حنبل الذي حفظ الله به الإسلام أيام المحنة.

فلقد كان حول الخليفة سياج من المعتزلة الذين ينفون صفة الكلام عن الله، وقالوا أن القرآن مخلوق، والقرآن كما عليه أهل السنة والجماعة هو كلام الله غير مخلوق، فتأثر بهم الخليفة وامتحن الناس على خلق القرآن، فمن قال أنه مخلوق خلى سبيله، ومن قال بأنه كلام الله ليس بمخلوق عذبه وسجنه حتى يقر بما يريد.

فقبل العلماء الرخصة وقالوا تقية: أن القرآن مخلوق، إلا الإمام أحمد، والذي رفض أن ينجو بنفسه ثم يترك الاعتقاد الفاسد ينتشر بين الناس، ولما نصحه بعض العلماء بالتقية، أمرهم أن ينظروا خارج الدار، فإذا بالألوف من الناس يمسكون بالأقلام والمحابر لكي يدونوا ما يقول الإمام أحمد في القرآن، فقال: (إذا تكلم العالم تقية والجاهل يجهل فمتى يعرف الحق؟).

وثبت الإمام ثبات الجبال، حتى قال أحد جلاديه: لقد ضربت الإمام مائة سوط لو كانت على فيل لبرك)، فثبت وأثر مصلحة الأمة على مصلحته الشخصية حتى أتاه الفرج من ربه، ورفع الله في العالمين ذكره.

فما أحوجنا لتلك الروح، إننا بحاجة إلى اقتلاع جذور الفساد، وغرس بذور الصلاح في تربتنا الحبيبة، نريد قلوبًا تنبض بحب الوطن، تحافظ عليه، تنظر إلى مصلحة الأمة وتوطن النفس على السعي الحثيث في تلك المصالح العامة، وهكذا علمتني النملة.

 

المصدر: محمد عبدالله
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 243 مشاهدة

Media Charity

MediaCharity
مـيديا الخـير »

ابحث

تسجيل الدخول

تلفزيون مـيديا الخـير

سُنن يوم الجمعة المهجورة