الحوتيات Cetacea رتبة من صف الثديياتMamalia تكيَّفت أفرادها للحياة المائية. تشبه في شكلها الأسماك لدرجة أن البيولوجيين صنفوها سابقاً معها، إلا أن الدراسات المقارنة بينت أنها ثدييات انحدرت من حيوانات برية قد يكون لها علاقة بالحافريات مفردات الأصابع Peryssodactylae، لكن بعضهم يرى أنها انحدرت من مجموعة من الثدييات اللاحمة المعروفة باسم Cryodonta، إلا أن أصولها لا تزال غير واضحة.

صفاتها العامة و حياتها

تمتاز الحوتيات بطبقتها الشحمية السميكة التي توجد تحت الجلد والتي قد يصل سمكها إلى نحو 15 سنتيمتراً، تحافظ بها على حرارة جسمها، كما تمثل مدخراً غذائياً جيداً لها، وتشكل لدى بعض الأنواع نصف وزن جسمها. كما يفتقد جلدها الغدد الدهنية أو العرقية.

جلدها مجرد من الأشعار عدا البعض الذي يوجد على الخطم. كما أنها من دون رقبة، رافق ذلك انضغاط شديد للفقرات الرقبية السبعة (المتطاولة لدى الزرافات) التي غالباً ما يلتحم بعضها مع بعض. لذلك فإن الرأس لا يستطيع الدوران بالنسبة للجسم.

تحوّل الطرفان الأماميان للحيتان إلى مجدافين لهما هيكل الطرف الأمامي بكامله، وهما يتحركان إلى الأعلى والأسفل لكنهما لا يسهمان في دفع الحيوان إلا أنهما يساعدان في تحقيق توازنه.

وهي من دون أطراف خلفية، لكن تبقى أحياناً بقايا الفخذ أو القصبة داخل الجسم،وهذا برهان على انحدار أفراد هذه الرتبة من ثدييات برية رباعية الأطراف. لكن يلاحظ وجود بقايا للحوض.

للحيتان زعنفة ظهرية صغيرة، هي عبارة عن ثنية جلدية لا يدعمها أي هيكل، يبدو أنها تحافظ بها على مسار الحوت أثناء سباحته، لكن بعضـها ليس له هذه الزعنفـة وتكون حركتها أبطأ من الحيتان الأخرى. كما لا يوجد لديها ما يطابق الزعانف الذيلية والحوضية في الأسماك.

عضو الحركة الحقيقي لدى الحيتان هو الذيل المضغوط أفقياً والمشطور إلى شطرين جانبيين وبهذا يختلف عن الزعنفة الذيلية للأسماك. وهذا الذيل يعمل على دفع الحيوان مثلما تعمل المراوح الدافعة للسفن، وتوجه حركاته يمنة ويسرة مثل دفة السفينة.

يتثنى الجلد تحت الفم وعلى الصدر، لدى بعضها، بشكل أخاديد (شكل-1)، تسمح بتمددها بتوسع تجويف الفم، ومن ثم استيعاب كمية كبيرة من صيدها الغذائي.

 
الشكل (1)
 

يميز في معدة الحيتان جوفان، الأول يطابق حوصلة الطيور والثاني جزء هاضم يفرز العصارات الهاضمة. لكن أكثر ما يميز الحيتان تنفسها وجهازها الدوراني. فهي تغطس إلى عمق يراوح بين 50-100 متراً، ويبقى بعضها تحت الماء نحو الساعة. وهي، قبل الغوص، تُدْخِلُ كمية كبيرة من الهواء إلى رئتها التي تمتد ضمن البطن، والتي تتسع إلى نحو 100-140 قدماً مكعباً من الهواء الذي يحتوي على نحو 28 قدماً مكعباً من الأكسجين الصافي، وهو يكفي الحيوان كي يبقى تحت الماء نحو ثلاثة أرباع الساعة. ويلاحظ أن  للحيتان عدداً أكبر من الأسناخ الرئوية، فمساحة أسناخ الدلافين مثلاً تقدر بثلاثة أضعاف ما هو عند الإنسان،  لذلك فإن سطح التبادل الغازي لدى الحوتيات، بصورة عامة، أكبر بكثير مما هو لدى الإنسان، ودمها أغنى بالأكسجين من دمه. كما أن كلاً من نصفي قلبها، الأيمن والأيسر، يعمل منعزلاًعن النصف الآخر. ففي الوقت الذي ينقبض فيه القلب الأيمن ببطء، مرسلاً كميات أقل من الدم غير المؤكسج إلى الرئتين، فإن النصف الأيسر يقوم  بضخ الدم المؤكسج إلى أكثر أعضاء الجسم أهمية وهو الدماغ.

وعندما ينطلق الحوت نحو سطح الماء فإن أول ما يبرز منه هو الفتحة التي ينطلق منها هواء الزفير بشكل النافورة، التي يعتقد أنها تتشكل بسبب تكاثف هواء الزفير الدافئ لدى ملامسته الهواء البارد. كما دلت بعض الدراسات على أنها تتألف من قطيرات  مخاطية.

والحيتان حيوانات ولودة، ونادراً ما تضع الأنثى مولودين. وفي الوقت الذي يحوي فيه الليتر الواحد من حليب البقر 40 غراماً من المواد الدسمة وكمية مساوية من البروتينات، فإن الليتر الواحد من حليب الحيتان يحتوي على نحو 200 غرام من المواد الدسمة و20 غرام من البروتينات، فهو لذلك غني جداً بالطاقة، مما يساعد في نمو الصغير بسرعة أكبر وتشكّل الطبقة الشحمية تحت الجلد.

تصنيف الحيتان

يميز في الحيتان، بحسب طبيعة غذائها، ثلاثة مجموعات، حيتان البالين التي تتغذى بالحيوانات الصغيرة كالقشريات العالقة planktonic في الماء، لذلك تسمى المتغذيات بالعوالق Planktonophagous، وصائدات أسماك تسمى المتغذيات بالأسماك Ichtphyophagous، ومتغذيات برأسيات الأرجل Teuthophagous.

لكن من الناحية التصنيفية تميز رتيبتان فقط، هما الحيتان ذات الصفائح والحيتان ذات الأسنان.

الحيتان ذات الصفائح Mysticeti: وتسمى حيتان البالين whalebone wheals، فهي مجردة من الأسنان ويحل محلها تشكلات قرنية خاصـة هي صفائح الباليـن baleen (whalebone)، لذلك سميت باسم حيتان البالين، وهي عبارة عن صفائح قرنية مثلثية الشكل قاعدتها في الفك العلوي، ويصل طول بعضها إلى نحو المتر أو المترين بحسب النوع، تشكل مصفاة للطعام. وعندما يريد الحيوان التغذي يفتح فمه ويندفع ضمـن سـرب من القشــريات Crustacea الصغيرة التي تشبه القريدس (الاربيان) تسمى krill. ولدى امتلاء الفم بهذه الحيوانات يغلق الحيوان فمه ليطرد الماء عبر شبكة صفائح البالين، محتفظاً بالطعام في الداخل ليبتلعه بلسانه. ويكرر الحيوان هذه العملية مرات عدة بحيث يمكن أن تتألف الوجبة الواحدة من نحو عشرة أطنان من هذه الحيوانات الصغيرة.

يميز فيها ثلاث فصائل، أهمها:

أ- الباليناتBalaenidae : التي تضم الحيتان الحقيقية. و يميزها من باقي الحيتان أنها من دون زعنفة ظهرية ومن دون أخاديد صدرية. وتضم ثلاثة أجناس هي: جنس البالين Balaena وفيها بالين غرينلند B.mysticetus الذي أصبح اليوم نادراً ويراوح طوله بين 15-16 متراً وطول صفائح البالين فيه بين 3-4م، ويساوي رأسه ثلث طول جسمه تقريباً، وجنس البالين الحقيقي Eubalaena وفيه بالين الأطلسي E.glaciali النادر أيضاً والذي يساوي رأسه ربع طول جسمه تقريباً، وبالين جنوب الأطلسي E.australis وبالين جنوب الهادئ E.antipodarum الذي يرى بعضهم أنهما ينتميان للنوع E.glacialis نفسه.

ب- البالينات المجنَّحة Balaenopteridae: ويميزها من فصيلة البالينات الزعنفة الظهرية وأخاديد الصدر ورأسها الأصغر حجماً وجسمها الأكثر انسيابية. ينتمي إليها الحوت الأزرق Balenoptera musculus  وهو أكبر الحوتيات وربما أكبر الحيوانات في العالم. يصل طوله إلى نحو 30 متراً، ويعادل وزنه نحو 1500 إنسان أو 24 فيلاً. وهو ذو لون أزرق أردوازي غامق ماعدا مقدمته الأمامية والسطح السفلي لمجدافيه. ويبلغ عدد الأخاديد تحت الصدر بين 80-100 أخدود. وبسبب صيده الجائر بدأت أفراده تختفي من البحار. وهناك الحوت ذو الزعنفة B.physalus الأكثر انتشاراً من الحوت الأزرق لكنه أصغر منه حجماً، وكانت أكبر عينة منه بطول 24 متراً. زعنفته الظهرية أكثر وضوحاً  وأكثر سرعة من الحوت الأزرق، لكن رأسه غير متناظر. وهناك الحوت ذو السنام Megaptera novaeangilae ذو الحدبات على الخطم والمجاديف الطويلة التي يمكن أن تصل إلى نحو ثلث طول الحيوان أو نحو 3 أمتار. هذا ولا يتجاوز عدد الأخاديد الصدرية لديه 24 أخدوداً.

تجدر الإشارة إلى أن الحوت الأزرق والحوت ذو الزعنفة يوجدان في جميع البحار، بينما يقتصر وجود الحوت ذي السنام على المياه الدافئة.

الحيتان ذات الأسنان Odontoceti: ويميزها أسنانها البسيطة التي يختلف عددها بحسب الأنواع. يميز فيها 7 فصائل، أهمها:

أ- حيتان العنبر Physeteridae التي، بسبب حجمها الكبير، تُلْتَبَسْ مع الحيتان الحقيقية (البالينات ). توجد أسنانها على الفك السفلي، وعددها 40 سناً، ويقارب طول الواحد منها 15 سنتيمتراً ويزن نحو 3كغ. ليس لحيتان العنبر زعنفة ظهرية لكنها تحمل حدبات صغيرة على ذروة ثلثها الخلفي. يصل طول الذكر منها إلى نحو 20 متراً، أما الأنثى فيصل طولها إلى نصف ذلك. وهي تتميز بالحدبة الضخمة على خطمها، متجاوزة الفم وتحتوي على سائل زيتي شفاف لا لون له يتصلب لدى ملامسته الهواء متحولاً إلى كتلة شحمية كبيرة. تفرز أمعاؤه مادة كريهة الرائحة، تتحول مع الزمن إلى مادة تشكل أساساً لصناعة العطور الفاخرة. وتعيش حيتان العنبر في أسراب ( الشكل-2)، كما أنها متعددة الزيجات polygamous. وهي تختلف عن الحيتان الأخرى بكونها عدائية وتهاجم الحيوانات الأخرى، وإذا استثيرت تهاجم القوارب الضخمة. ينتمي إليها النوع الوحيد Physeter catodon الذي يوجد في المناطق المعتدلة بين خطي العرض40 شمال خط الاستواء وجنوبه.

ب- الحيتان القزمة Kojiidae والجنس الوحيد فيها منتشر في المحيط الأطلسي والهادئ والهندي، وهو يشبه حوت العنبر.

ج- الفقميات Phocaedae وهي أصغر الحيتان. والفقمة الشائعة Phocaena phocaena (الشكل-3) منتشرة في المياه الأوربية والبلطيق، ويصل طولها إلى نحو المترين، سوداء الظهر بيضاء البطن، ذات زعنفة ظهرية قليلة الارتفاع لكنها سباحة ماهرة. لها 100 سن وتتغذى بأسماك الهرنغ والسردين. وهناك أنواع أخرى في المحيط الهندي والشرق الأقصى.

د- الدلافين Delphinidae ولها ما بين 100-200 سن مخروطية متشابهة ذات تثبت ضعيف على الفكين، وظيفتها التقاط الأسماك التي تتغذى بها. وهي تستخدم كثيراً في أحواض الاستعراضات البحرية.

     
 

الشكل (2) أسراب حوت العنبر

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحيتان وفوائدها

يستخلص من كبد الحيتان «زيت السمك» الذي يحتوي على كميات كبيرة من الفيتامين د الذي تتجلى أهميته في النمو والتطور السوي للإنسان، والتكون السوي للعظام والأسنان، ويحث المعي على امتصاص الكالسيوم والفسفات، كما يؤثر في مستوى العظم مؤدياً إلى حضه على زيادة تحرر الكالسيوم والفسفات واستنفارهما. وينجم  عن عوزه تلين العظام وعن زيادته تيبس الأنسجة.

وتبين آخر دراسة أجريت احتواء زيت السمك على حموض دهنية معينة تقوم بدور هام في الصحة الذهنية للإنسان، وذلك بتنظيمها للاستجابات العصبية. كما تبين أنها تحمي الكليتين بسبب الايميونوغلوبولين آ Immunoglobuline A، وتقلل من مستويات الكالسيوم في البول، مما يعني المساهمة في عدم تشكل الحصى في الكليتين، كما تبين أنها تمنع تشكل الخثرات الدموية الأمر الذي له أهميته في عمليات غسل الدم (الديلزة) dialysis بالكلية الصناعية.

كما تجري دراسات علمية أيضاً لتحديد فعالية العلاج اليومي بهذه الأحماض في الآثار المناعية لعقار سايكلوسبورين الذي يوصف عادة مثبطاً للمناعة عند المرضى الخاضعين لعمليات زرع الأعضاء.

حسن حلمي خاروف

أعدته للنشر على الموقع/ أمانى إسماعيل

MedSea

أمانى إسماعيل

ساحة النقاش

MedSea
موقع خاص لأمانى إسماعيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

849,400