غربتي عن ذاتي
مذ كنتِ كنتُ، كالكلمة في البدء كانت، ملتحمة بحروفها ثمّ تجسّدتْ حبّاً اقتحم تاريخ البشر. مذ كنتُ كنتِ ولكنّي تغرّبتُ عنكِ واغتربتِ،  وما عرفت مرارة ارتحالي إلّا عندما احتفيت بكِ بعدما عبثت السّنون بجثماني، ودارت به حول برحاء الشّجوِ.
لم أعِ حرقة العزلة وكربها إلّا وأنتِ تحضنين روحي، كما تضمّ الشّمس قمم الجبال فتنتشلها من أديم اللّيل ووحشته. ولم أنجُ من وِقر الدّمع إلّا بعد أن لامست أطراف أناملكِ وجنتيّ المشقّقتين.
يا ذاتي الحبيبة، كيف غفلت عنك عمراً كاملاً، أسير وحدي على الرّمال ولا ألحظ آثارك تواكب خطواتي. تمكّنت منّي البلايا، ولم أشعر بيدك تربّت على كتفي لتمنحني الأمان والطّمأنينة. صرعتني الأدهار وتشتّت في برّيّة العالم، ولم أسمع نداءك إلى أن تفجّر حضورك سيولاً من الرّقّة والحنان.
... والتحمنا يا ذاتي الأخرى كما تمتزج الجذور بترابها، وذبنا في لهيب الهيام ، كما يتعشّق النّسيم وريقات الياسمين، فيبدّد عطرها ليبعث الحياة  للأنام بعد إغماء عظيم .
بيني وبينكِ شوق قديم لا تروي غليله لحظة لقاء أبديّ، ولا يشبع جوعه انصهار كامل اجتاز بَوناً شاسعاً ليحلّ في صومعة الحبّ ويتنسّك فيها أبداً .فاغفري لي ارتحالي، يا ذاتي الأخرى، واصفحي عن نفس كانت لك منذ البدء وتثبت فيك إلى أبد الآباد.

 

MadonaAskar

إزرع محبّة تحصد إنساناً

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 91 مشاهدة
نشرت فى 1 أغسطس 2012 بواسطة MadonaAskar

ساحة النقاش

مادونا عسكر

MadonaAskar
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

67,061

مادونا عسكر


 من مواليد 1974- بيروت/ لبنان مدرسة لغة عربيّة/ نشر العديد من المقالات والقصائد في مجالات النشر المختلفة الإلكترونية والورقية. »