إن مسألة اللغة العربية والتعليم ، تشمل الثقافة أساس المشترك العربي وفي مركزها اللغة العربية . ومن هنا، فإن ما يمكن أن تسمح به مستعمرات سابقة مثل الهند، لا يمكن للعالم العربي أن يسمح لنفسه به . فالهند دولة واحدة يحافظ عليها الإطار السياسي حتى عندما يجري التدريس في قسم كبير من مؤسساتها باللغة الإنجليزية . أما في بلادنا فلا يقتصر التهديد بالتفتيت على استهداف الأمة وحدها بل يمس وحدة الدولة القطرية ذاتها، فلا بد من الحفاظ على اللغة العربية كلغة تدريس في المدرسة والجامعة على حد سواء .
لقد حققت دول مثل كوريا واليابان ناهيك بفرنسا وإيطاليا وإسبانيا نهضتها الحديثة وساهمت في الحضارة المعاصرة بلغتها القومية، وليس باللغة الإنجليزية . وكذلك فعل الكيان الاستيطاني “الإسرائيلي” إذ وحّد اللغة العبرية وصهر جميع القوميات بواسطة اللغة والجيش في لغة عبرية واحدة، هي لغة التدريس الوحيدة لا الرئيسية في “إسرائيل” .
ومن شأن الاستهتار باللغة العربية، بخاصة من قبل النخب الاقتصادية والسياسية من خلال إنشاء مدارس خاصة تدرّس بالإنجليزية، أن يحوِّل الفجوات الطبقية والاقتصادية إلى تنافر ثقافي وسياسي ضمن أفراد الشعب الواحد، كما يؤدي إلى اغتراب الطبقات ثقافياً وليس فقط سياسياً واقتصادياً، كما يحول دون تطور اللغة العربية ذاتها .
إن الاعتقاد أن التخلي عن اللغة القومية لصالح غيرها في التدريس وفي التعامل اليومي عند بعض الفئات الاجتماعية، يفقد الأمة طريق التطور الأكيد نحو المعاصرة والحداثة، ويحل محلها فقدان الهوية من دون اكتساب أخرى، فتخرج نخب هجينة لا هي عربية ولا هي إنجليزية بل مقلدة مستهلكة تحاكي غيرها دون إبداع .
ولا بد في عصرنا من تمكين الطالب من اللغة الإنجليزية للتفاعل مع العالم المعاصر علمياً واقتصادياً . ولكن لغة التدريس يجب أن تكون عربية .
وتحتاج قضية التعليم العالي إلى اهتمام خاص متعلق بوضع ميزانيات عربية لمجلس تعليم عال مشترك لدعم التعليم الجامعي ومواءمته مع المستوى العالمي من حيث الأبحاث والميزانيات، بشكل يوزع المشاريع بناء على توافر الكفاءات في الدول العربية المختلفة .
ولا بد من التأكيد أن مهمة التعليم هي مهمة الدولة . ويمكن تشجيع تعددية ما بواسطة المؤسسات الأهلية . ولكن لا يجوز أن يتحول التعليم إلى عمل تجاري . هنالك إرباك بين وجود جامعات خاصة تملكها جمعيات ومؤسسات أهلية وقد تستثمر بها الصناعة وغيرها، بخاصة في مجال الأبحاث، وبين تأسيس جامعات ومدارس كمشاريع تجارية ربحية لا تملكها جمعيات ومؤسسات خاصة بل رأس مال خاص . ولا بد من وجود جامعات خاصة إلى جانب جامعات الدولة، وهي الأساس، ولكن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يكون التعليم خاضعاً لقوانين السوق .
نشرت فى 25 أغسطس 2011
بواسطة MOMNASSER
د .محمد ناصر.
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
379,920
ساحة النقاش