د. محمد ناصر 


نحن والآخرون
من ( نحن ) ومن هم ( الآخرون ) ؟

هذا هو السؤال الأهم الذي يمكن طرحه بعد الانتهاء من قراءة كتاب : نحن والآخرون / النظرة الفرنسية للتنوع البشري ( لتودوروف )** ذلك أن معرفتنا بأنفسنا لا بد أن تسبق معرفتنا بالآخرين ....
كما أن النظرة الفرنسية – مهما كانت توجهاتها وطبيعة رؤاها – تظل نظره أحاديه إلى المجتمعات البشرية الأخرى . مثلما أن لتلك المجتمعات نفسها نظرات مختلفة نحو ألنظره الفرنسية .. والمجتمع الفرنسي .
وحين يقدم تودوروف ألنظره الفرنسية ، فإنما يقدم معرفته بمجتمع جديد عليه وقد تعرف عليه ودرسه وعاش تجاربه في مرحله من حياته .. وليس في حياته كلها .. فهل كان موفقا في تحديد هذه ( النظرة ) التي استنتجها واجتهد في شخصيتها ؟ 
قد يكون قول سيمون فيل كسب المعارف يقرب من الحقيقة عندما يتعلق الأمر بمعرفة ما نحب وليس بأي حال آخر - كما نقله تودوروف .. مفيد للاجابه . لكن المؤلف يوضح بعدئذ إن كتابه يعتمد في مادته على العقائد وانه لا يتكلم عن الأعراق بحد ذاتها ، ولا عن التصرفات العرقية ، وإنما عن المذاهب المتعلقة بالعرق ، لا يتكلم عن الفتوحات الاستعمارية ، وإنما عن المبررات التي أعطيت لهم . كذلك يوضح مسألة اهرى .. جاء فيها :
الأفكار وحدها لا تصنع التاريخ ، فالقوى الاجتماعية والاقتصادية تؤثر هي أيضا ، لكن الأفكار ليست في الوقت نفسه نتيجة سلبيه ، إنها في البدء تجعل الأفعال 

ممكنه ، من دون أن يوضح أن إمكانية الافتعال مرهونة بحركة المجتمع ، وليس هناك من أفعال من دون مجتمع يحركها ويبلور وجودها .
صحيح أننا نرى في كل الذين لا يشبهوننا نسميهم برابرة وهو خطا كبير وليس من شي قد نتمناه أكثر من رؤية الناس يتخلصون من هذا التحيز لعاداتهم وسلوكهم .. إلا أن هذا الخطأ .. ليس خطا عابرا ، إنما هو موقف عفوي لا بد من إدانته في ظل مجتمع بشري متحضر تحترم فيه قيم كل مجتمع وعاداته وتقاليده ..
انه على العكس من ذلك .. اكتشاف الخاص من خلال المختلف كما يقول روسو ، على الرغم من إدراكنا مقوله ديدرو في أن الكائن البشري :لن يعطيك .. إلا ما لا منفعة له منه ، وسيطلب منك دوما ما هو مفيد له .
إلا أن صيغة العطاء قد تكون متداخلة بالمنفعة ، وبالمقابل وبالحاجات المتقابلة وليس بنفيها عن الآخر أو استعدادنا الكامل للبذل من دون مقابل .. كذلك فان القوانين وجدت لتنظيم حياة البشر والقانون السيئ هو طبعا ذلك الذي يتعارض مع الطبيعة البشرية حتى أذا أردتم أن تكونوا طاغية على الإنسان ..مدنوه ، اسجنوه على قدر استطاعتكم في أخلاق مناقضه للطبيعة ، ضعوا له عوائق من كل نوع .
ألمدنيه هي إذن ضد الطغيان ، والطغيان جهل بالمقابل .. لكننا نجد في هذا العصر ، وفي بلدان متحضرة من الطغيان والعسف ما تجاوز مجتمعات التخلف بأشواط ..
تودوروف لا يجيب عن هذه الحقيقة ، ويغفل عنها .
كما لا يناقش ما ذهب إليه توديدرو من انه : إذا كانت القوانين سيئة فالأعراف سيئة فقد تكون الأعراف حسنه ، في حين يكون الطغيان سيئا ..وبالتالي يكون هذا السوء مصدرا لسؤ القوانين التي وضعها العسف والطغيان لتحقق له المنفعة ..وليس لسواه حسب وان لقمعه والتنكيل به ..
يقول تودوروف : إن الحيوانات تطيع قوانين طبيعتها بحذافيرها 
ونحن نرى أن ما يسميه (قوانين )غير دقيق ، فالحيوانات لا قوانين لها وإنما لها طبائع معينه تختلف فيه عن سواها .. في حين إن القوانين هي السمة المميزة للانسانيه كما يقول روسو .
وإذا ما عرفنا وسلمنا بما ذهب إليه كونت بود في أن هناك ثلاث ملكات إنسانيه كبرى هي : الذكاء ، العمل ، العاطفة ، وان كل من خاصة من الأعراق الثلاثة الكبرى :الأبيض ، الأصفر ، الأسود ، يحتفظ بتفوق لا يقبل الجدل في واحده من هذه الملكات فالبيض هم الأكثر ذكاء والصفر هم أفضل من يعمل والسود هم أبطال العاطف 
فإننا إزاء ذلك لابد أن نجد في الإنسان قيمه عاليه يحكمها ويحدد علاقاتها القانون .. على الرغم من الكلمات كلها التي تحدد صفة كل المريء ..ذلك آن : قوانين الوعي التي نقول إنها تنشأ من الطبيعة ، تنشأ من العرق ، ويحمل كل واحد احتراما داخليا للآراء والأعراف المصادق عليها والمقبولة من حوله . ولا يمكن آن يتركها دون ندم ولا أن يطبقها دون استحسان .
بإزاء ذلك يرى تودوروف إن الإنسان محكوم تماما بالعادة وبالمصلحة .
إلا انه لم يناقش مسألة أن تكون هذه العادة وهذه المصلحة ..عرضه للتغير فالبيئة والثقافة يمكن أن تشكل في الإنسان عادات حديده ومصالح وقيما مختلفة عن كل ما سبق للمرء معرفته ..
ومن هنا نشهد مدى التغير الحاصل لدى انس ما ينتقل من بيئة إلى أخرى ومن بلد إلى أخر ، ومن صداقه ومعايشه حميمة إلى أخرى .. على الرغم من خضوعه سابقا ولاحقا لجمله من الأعراف والقوانين والنظم .
وإذا كانت الجريمة لا تعد جريمة إذا ظهر أنها مفيدة للدولة : فان مهمتنا تتطلب أن نميز بين جرم وأخر .. فإنقاذ المجتمع من سفاح أو شخص يهدد امن المجتمع وسلامته لا يمكن أن نعده جرما وإنما هو بسالة وبطوله وتضحية وفداء 
هذا في ظل دوله ترعى الشعب وتسعى إلى تحقيق الرفاهية له . في حين يعد التخلص من وطني باسل له رأي وموقف يختلف عن ممارسة ألدوله جرما يفترض أن يحاسب المجتمع عن اقترافه في ظل دوله وجهت لاقترافه ..
هذا التباين في الجريمة والإجرام .. يحسن أن نميزه ، وان نعرف مصدره وأسابه .. من القاتل ؟ ومن القتيل ؟ .. حتى يسود العدل في مجتمع عادل ننشده .. ولا سيما إننا بتنا ندرك أن الحضارة تفرض تعايش ثقافات .. ومن شأن هذه الثقافات أن تتعايش وتتحاور لا أن تذوب في نظام العالم الجديد أو ما يسمى بـ ( العولمة ) .. فليس من العدل أن نبدأ بحرمانهم –البشر – من خصوصيتهم من ذاتيتهم ..إذا أردنا أن ينتظم البشر ضمن الأنواع البشرية الأخرى "كما يقول ليفي شتراوس . ضلك آن "الذاتية سمه مميزه ومكونه للكائنات البشرية .
ويميز تودوروف في هذا الجانب بين ( العنصرية ) و ( العنصراويه) في نظرتها إلى العالم والى البشر .. يقول : العنصرية سلوك قديم ذو امتداد شمولي على الأرجح ، أما العنصرية حركه فكريه ولدت في أوربا الغربية . وتمتد أهم مراحلها في منتصف القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن العشرين .
ونحن نعتقد أن السلوك العنصري ما زال قائما وقد تحول إلى توجه فكري يمارس ضد الشعوب والقوميات الصغيرة في أنحاء عديدة من بلدان العالم .
صحيح إن : كل أمه ليس فيها قاعدة ولا قانون ولا سيد ولا مجتمع اعتيادي ليست أمه بقدر ما هي تجمع صاخب لبشر برابرة مستقلين لا يخضعون إلا لأهوائهم الخاصة .. الأمر الذي رأى فيه بوفون .. كلمة ( برابرة ) تتوافق مع ( المستقلين ) أي ( اللا اجتماعيين ) .
إن التوافق الإنساني يتطلب ممارسه نظم وقوانين وافق تعاون ووعي .. فلون بشرة الإنسان ما يتعلق كثيرا بالمناخ " وقد تكون التغذية من الأسباب الاساسيه للون والقوه والطبع .. على عكس مما ذهب إليه تودوروف من أن نقص الحضارة ينتج سواد البشرة وإنهم يعيشون بطرقه قاسيه ومتوحشة ، وهذا يكفي لكي يكونوا اقل بياضا من شعوب أوروبا الذين لا ينقصهم شي ء، مما يجعل حياتهم عذبه .." في حين إن المنتمين إلى الأمة البربرية سيكونون أكثر سمره وأكثر بشاعة وأكثر تغضنا من الأمة المتمدنة .
أن هذه النظرة تعد .. نظره عنصريه بدليل أن عددا من ابرز العاملين في حقول العلم والمعرفة والإبداع هم من السود .. أما البيئة وفي ظروف قاسيه ..فإنها قد تكون من صنع البيض أنفسهم ، وقد تكون موجودة مع ذلك المجتمع الذي يبرز من خلاله عدد من بناة الحضارة الإنسانية ..
وإذا ما راجعنا الأعراق البشرية المختلف فأننا سنجد أن الآريين والساميين كانوا "يجدون في طريقه عروقا نصف متوحشة فيبيدونها " وذلك بوصفها " غير قابله للتحضر ، وغير قادرة على التقدم " وانه ليس لدينا . مثال واحد عن عشيرة متوحشة سمت إلى الحضارة وان " الطفولة الأبدية لهذه العروق غير القابلة للكمال " وإنها شعوب كتب عليها الجمود ".. أو كما يقول رينان : ليس هناك أي مثال في التاريخ القديم آو الحديث عن عشيرة زنجية سمت إلى مستوى حضاري ما ...
يناقش تودوروف هذه المسالة من زاوية محدده تقول : لقد حكم بكل تأكيد على لغة وثقافة تبعا لمعايير لغة أخرى وثقافة أخرى وهكذا يقدم كل اختلاف وكأنه نقص " إن معاير شعب أخر وثقافته أخرى ولغته لا يمكن أن نعممها على البشرية جمعاء وكأنها مسلمات ينبغي على الجميع الانصياع لها والاستجابة لأنموذجها ..
في حين أنها تشكلت ضمن بيئة وظرف وتجربه معينه .. وهي ليست شرطا لان تتشكل بالمعطى نفسه وبالحس ذاته الذي تولدت فيه ثقافة شعب دون أخر .. إن التحضر .. ظاهره مكتسبه ، وليست إرثا يتوارثه البشر .. فالإنسان الذي يعيش في ألعزله وفي مجتمع بعيد عن التحضر ، يمكن أن يتشكل على نحو جديد إذا ما وضع في بيئة اجتماعيه متحضرة جديدة .. ويمكن أن يكتسب مهارات لم يعرفها أبناء جلدته .
الإنسان ابن بيئة وظروفه ومحيطه .. والسعي إلى تغيره مرهون بالمتغيرات التي عرفها وسكن إليها وتالف معها .. وانه ليس من المنطقي أن يظل : "العرق الأبيض وحده ينعم بجدارة الذات الإنسانية وكرامتها . في حين إن على العروق الأخرى أن تبقى ضمن وظائف وسيليه . فلا وجود لها بوصفها عروقا بحد ذاتها وإنما فقط كمجموعات ضمن منظور المشروع الامبريالي الذي اصطفى له العرق الأبيض " . يوضح رينان قائلا : صنعت الطبيعة عرق عمال وهو العرق الصيني ، عرق عمال في الأرض وهو العرق الزنجي ، عرق ساده وجنود وهو العرق الأوروبي " على وفق هذا الفهم .. هل يمكن أن تحل العروق مكان الطبقات ؟
إذا كانت الطبقية .. عامل فرقه في المجتمع ، فان العرقية كذلك يمكن أن تجعل الفرقة بين فئات المجتمع .. مختلفة كذلك . ونحن في هذا الشأن نختلف مع ما ذهب إليه رينان من انه : يكفي وضع كميه قليله من الدم النبيل في الدورة الدموية لشعب لجعله نبيلا كما أن تحديده أن لا يضع نصب عينيه أكثر العروق انحطاطا ( السود) فوضعها ميئوس منه ، وهي كما نعرف من جهة أخرى ، مكرسه للإبادة ، بل العروق الوسيطة أو الطبقات الدنيا من العرق نفسه : إن هذه العرقية ، من شانها أن تلغي مجتمعات بشريه متكاملة ، وتجعل السيادة لمجتمعات أخرى وجدت سبيلها إلى التحضر .. في حين بقية الأقوام الأخرى لا تعاني من التحضر حسب وإنما من الجوع والعافية والمعرفة أصلا .
كذلك قد لا نجد في التقنيات ألحديثه معنى التحضر ، فقد يستطيع البشر استخدام التقنيات العلمية بدءا بأفران الغاز الشديد الفاعلية وحتى القنابل النووية مرورا بتنظيم الدول ..
إذن مسألة التحضر ، مسالة تقوم على وعي بالسلوك الإنساني المتحضر ، باللافرقه ، وبالمساواة والعدالة وحفظ الأمن والعمل والسعادة والخير للبشر جميعهم فالحرب سياسة قوة لا سياسة حق ، إنها إذن ضد الحضارة ويحسن بالقوة ، قدرتها على فرض السلام ، لا فرض الفناء .
إن تودوروف الذي عرف كونه من ابرز المجددين في الحركة النقدية للأدب في العالم ، يقف على مرجعيه هائلة للأعراق البشرية ويدرسها دراسة مفصله في كتابه القيم هذا ( نحن والآخرون ) كما يناقش عشرات الأعلام الذين درسوا العرق البشري ليصل إلى استنتاج مفاده :
إن أفضل نظام في العالم ليس إلا النظام الأقل سوءا، وحتى لو كنا نعيش فيه فلا بد من إعادة النظر في كل شي.. يشكل تعلم العيش مع الآخرين جزءا لا يتجزأ من هذه ألحكمه . أن حكمه أن نعيش، لا نفترض عدم عيش سوانا فالأرض تتسع للبشر جميعا، لخيرهم وسعادتهم وحوارهم المشترك، من اجل حياه أمنه جديرة بالإنسان .. جديرة بان نكون ( نحن والآخرون ) في قلب الحياة وبناء حضارتها وأمنها وسلامة أبنائها ..

*****

** تسفيتان تودوروف / ناقد أدبي بلغاري ولد عام 1939 من أهم كتبه : نظرية الأدب ، نقد النقد ، مدخل إلى الأدب الخيالي ، نظرية الرمز ، بويطيقيا النثر ، أجناس الخطاب ، الرمزية ، والتأويل ، باختين / المبدأ الحواري ، فتح أمريكا ، مفهوم الأدب ، نحن والآخرون .

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 421 مشاهدة
نشرت فى 2 مايو 2011 بواسطة MOMNASSER

ساحة النقاش

د .محمد ناصر.

MOMNASSER
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

358,180