السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته صحبة الخير والايمان معا نستكمل سلسلة علمتني سورة النساء
ج الثامن عشر والاخير
🥀
﴿ فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُوا۟ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَٰتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيرًا ﴾
[ سورة النساء آية:﴿١٦٠﴾ ]
أخبر تعالى أنه حرَّم على أهل الكتاب كثيراً من الطيبات التي كانت حلالاً عليهم، وهذا تحريم عقوبة؛ بسبب ظلمهم واعتدائهم، وصدهم الناس عن سبيل الله، ومنعهم إياهم من الهدى، وبأخذهم الربا وقد نهوا عنه؛ فمنعوا المحتاجين ممن يبايعونه عن العدل،
فعاقبهم الله من جنس فعلهم، فمنعهم من كثير من الطيبات التي كانوا بصدد حلها لكونها طيبة.
وأما التحريم الذي على هذه الأمة فإنه تحريم تنْزيه لهم عن الخبائث التي تضرهم في دينهم ودنياهم.
🥀
﴿ لَّٰكِنِ ٱلرَّٰسِخُونَ فِى ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ وَٱلْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ۚ وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَ ۚ وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ أُو۟لَٰٓئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾
[ سورة النساء آية:﴿١٦٢﴾ ]
لما ذكر معايب أهل الكتاب، ذكر الممدوحين منهم فقال:
(لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) أي:
الذين ثبت العلم في قلوبهم، ورسخ الإيقان في أفئدتهم؛
فأثمر لهم الإيمان التام العام (بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِن قَبْلِكَ)،
وأثمر لهم الأعمال الصالحة من: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة اللذَين هما أفضل الأعمال، وقد اشتملتا على الإخلاص للمعبود والإحسان إلى العبيد.
🥀
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا
النساء (163)
قوله تعالى : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح هذا متصل بقوله : يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ، فأعلم تعالى أن أمر محمد صلى الله عليه وسلم كأمر من تقدمه من الأنبياء
🥀
﴿ رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌۢ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾
[ سورة النساء آية:﴿١٦٥﴾ ]
(لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل):
ولهذا لا يجوز قتال الكفار الذين لم تبلغهم الدعوة حتى يدعوا إلى الإسلام.
🥀
﴿ رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌۢ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾
[ سورة النساء آية:﴿١٦٥﴾ ]
(لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل):
يقول: أرسلت رسلي إلى عبادي مبشرين ومنذرين لئلا يحتج من كفر بي، وعبد الأنداد من دوني، أو ضل عن سبيلي -بأن يقول إن أردت عقابه-:
(لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى)
[طه: 134].
🥀
﴿ لَّٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ ۖ أَنزَلَهُۥ بِعِلْمِهِۦ ﴾
[ سورة النساء آية:﴿١٦٦﴾ ]
عطاء بن السائب قال: أقرأني أبو عبد الرحمن السلمي القرآن، وكان إذا قرأ عليه أحدنا القرآن قال:
قد أخذت علم الله؛ فليس أحد اليومَ أفضل منك إلا بعمل، ثم يقرأ قوله: (أنزله بعلمه).
🥀
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَصَدُّوا۟ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّوا۟ ضَلَٰلًۢا بَعِيدًا ﴾
[ سورة النساء آية:﴿١٦٧﴾ ]
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ) أي:
جمعوا بين الكفر بأنفسهم وصدِّهم الناس عن سبيل الله؛
هؤلاء هم أئمة الكفر ودعاة الضلال. (قَدْ ضَلُّوا ضَلالا بَعِيدًا): وأي ضلال أعظم من ضلال من ضل بنفسه وأضل غيره،
فباء بالإثمين ورجع بالخسارتين وفاتته الهدايتان ...
(لَم يَكُنِ اللَّهُ لِيَغفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهدِيَهُم طَرِيقًا * إِلا طَرِيقَ جَهَنَّمَ): وإنما تعذرت المغفرة لهم والهداية لأنهم استمروا في طغيانهم، وازدادوا في كفرانهم، فطبع على قلوبهم، وانسدت عليهم طرق الهداية بما كسبوا.
🥀
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَظَلَمُوا۟ لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا ﴾
[ سورة النساء آية:﴿١٦٨﴾ ]
إن الذين جحدوا رسالة محمد- صلى الله عليه وسلم- فكفروا بالله بجحود ذلك، وظلموا بمقامهم على الكفر على علم منهم، بظلمهم عباد الله، وحسدا للعرب، وبغيا على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ (لم يكن الله ليغفر لهم)
يعني: لم يكن الله ليعفو عن ذنوبهم بتركه عقوبتهم عليها.
🥀
﴿ وَلَا تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْحَقَّ ۚ ﴾
[ سورة النساء آية:﴿١٧١﴾ ]
وهذا الكلام يتضمن ثلاثة أشياء: أمرين منهي عنهما؛ وهما:
قول الكذب على الله، والقول بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله، وشرعه، ورسله،
والثالث مأمور به، وهو: قول الحق في هذه الأمور.
🥀
﴿ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ لَا تَغْلُوا۟ فِى دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا۟ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْحَقَّ ﴾
[ سورة النساء آية:﴿١٧١﴾ ]
الغلو في الدين أن يظهر المتدين ما يُفَوِّت الحد الذي حدد له الدين ... فاليهود طولبوا باتباع التوراة ومحبة رسولهم، فتجاوزوه إلى بغض الرسل؛ كعيسى ومحمد- عليهما السلام-
والنصارى طولبوا باتباع المسيح فتجاوزوا فيه الحد إلى دعوى إلهيته أو كونه ابن الله، مع الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وخوطبوا بعنوان أهل الكتاب تعريضا بأنهم خالفوا كتابهم.
🥀
﴿ لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ ۚ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِۦ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ﴾
[ سورة النساء آية:﴿١٧٢﴾ ]
وجاء في الحديث عنه ﷺ: (لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر)،
فقال رجل: يا رسول الله، إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسنة، قال ﷺ: (إن الله جميلٌ يحب الجمال, الكبر: بطر الحق وغمط الناس).
🥀
﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِۦ ﴾
[ سورة النساء آية:﴿١٧٣﴾ ]
(ويزيدهم من فضله):
من التضعيف ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
🥀
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُم بُرْهَٰنٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ﴾
[ سورة النساء آية:﴿١٧٤﴾ ]
(ربكم): والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطَبين لإظهار اللطف بهم، والإيذان بأن مجيء ذلك لتربيتهم وتكميلهم.
🥀
﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُوا۟ بِهِۦ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَٰطًا مُّسْتَقِيمًا ﴾
[ سورة النساء آية:﴿١٧٥﴾ ]
أي: ومن لم يؤمن بالله، ويعتصم به، ويتمسك بكتابه منعهم من رحمته، وحرمهم من فضله، وخلَّى بينهم وبين أنفسهم؛ فلم يهتدوا، بل ضلوا ضلالاً مبيناً؛ عقوبة لهم على تركهم الإيمان، فحصلت لهم الخيبة والحرمان.
🥀
{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
النساء (176)}
والاستفتاء هو طلب الفتيا.
ومعناها إرادة معرفة حكم شرعي لله في أمر لا يجد السائل علماً له فيه. وكان الصحابة يستفتون رسول الله، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم:
{(ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه.}
🥀
غداً بحول الله وقوته نستكمل معا هذه السلسلة المباركة من علمتني سورة ومع سورة المائدة
من إعداد
ليالي الرسول عتمان 🌷