يديعوت :الصُداع بقلم: اليكس فيشمان
عرف يورام كوهين انه انتُخب لتولي رئاسة "الشباك" في يوم الاثنين فقط في ساعات الظهر المتأخرة، قبل ساعات معدودة من الاعلان عن ذلك. وآنذاك ايضا حظر عليه رئيس الحكومة ان يتحدث كي لا يعلم أحد بذلك. كانت هذه الساعات حتى الاعلان آخر ساعات النعمة لكوهين. سلّوه بمرة واحدة من الظلام الى ضوء المصابيح وأصبح منذ الآن فصاعدا شخصية عامة ولم يُعده أحد لهذا.
تلقى الضربة الخاطفة بالكشف المفاجيء على النحو الأكثر فظاظة. يمكن أن نعُد عدد لقاءاته مع وسائل الاعلام قبل اختياره على اصابع اليد الواحدة. لكنه بعد دقيقة من الاعلان سمع وقرأ انه تعيين سياسي وانه حبيب الى اليمين المتطرف وانه لا يلائم العمل وانه كان مقطوعا في السنين الثلاث الاخيرة.
لم تُخف وسائل الاعلام خيبة أملها من حقيقة ان نائب رئيس "الشباك" الحالي، ي. لم يُختر. من سوء حظ كوهين انه يحب قراءة الصحف خاصة. وهناك يوجهون اليه انتقادا في أكثر النقاط حساسية لمنزلة رئيس "شباك" فقد عابوا سلوكه الرسمي.
يجب ان يكون الجمهور قلقا من "شباك" مستقل جدا أو قوي جدا، والحماية الرئيسة من "شباك" خطر هي السلوك الرسمي لهذه المنظمة. إن المصفاة الطويلة العمر لهذا الجهاز يفترض ان تخرج من تحت يديها اجراءات غير سياسية. وعندما يعيبون السلوك الرسمي لرئيس "شباك" فانهم يشككون في الحقيقة بأهليته للمنصب ويلقون عليه واجب البرهان. وهكذا بسبب القبعة الدينية فوق رأس كوهين سيثبت منذ الآن لامتحان يومي.
على سبيل المثال: ستواجه الحكومة قريبا قرارا حاسما سياسيا على تجديد التفاوض مع الفلسطينيين وعرض خطة سياسية. ورئيس "الشباك" أحد اللاعبين المختصين المركزيين في مسار اتخاذ هذه القرارات. يفترض أن يشير الى المخاطر في خطوات مثل تنازلات عن ارض وتنازلات عن وسائل أمنية والتخفيف عن الفلسطينيين وما أشبه.
مع ذلك لا يستطيع كوهين في مقامه الجديد ان يتجاهل احتمالات نجاح الاجراء. يجب على رئيس "الشباك" ان يكون ذا رؤية سياسية واسعة ومتزنة وأن يدرك مصالح دولة اسرائيل، الى جانب فهم عميق للتطورات لا في الجانب الفلسطيني فحسب بل في العالم العربي كله ايضا. وهنا يشفق العائبون من أن تقفز عنده الايديولوجية اليمينية الى الخارج وتُفشل الاجراء بتقديرات متشائمة ومنحازة.
هل منح كوهين في مناصب رفيعة سابقة – كان رئيس منطقة القدس ويهودا والسامرة أو إذ كان نائب رئيس "الشباك" – المسؤولين عنه ذات مرة الشعور بأنه يُشرك تصوره الشخصي – العقائدي في تقديرات الوضع التي عرضها؟ اذا كان الجواب بنعم فثم شك كبير في انه كان سيصل الى منزلة مرشح لمنصب رئيس "الشباك".
إن كوهين باعتباره رئيسا لـ "الشباك" سيكون هو الذي يقرر بدء تحقيقات ونوع الوسائل التي ستُستعمل في التحقيق مع اشخاص في الوسط اليهودي. إن من يشك في سلوكه الرسمي كأنما يقول: هذا الرجل غير ملائم لاتخاذ هذه القرارات. لم يكن الوسط اليهودي قط من مسؤولية كوهين المباشرة. ومع ذلك وباعتباره كان رئيس منطقة القدس كان التآمر السياسي اليهودي والارهاب اليهودي جزءا من عمله. لا يتذكر أحد من تلك الفترة شكوكا أو خواطر تتعلق بعمله. فقد عالج الارهاب اليهودي كما عالج ارهاب حماس.
يمكن ان يُزعم على كوهين انه تعرض تعرضا قليلا جدا لعالم التقديرات السياسية الواسعة، وهذا زعم مشروع لان حوض "الشباك" يرى العالم عن طريق القشة الضيقة لمحاربة الارهاب. وهنا يمكن أن يأتي للدفاع عن كوهين مكوثه في واشنطن في معهد واشنطن لدراسات الشرق الاوسط، حيث احتك بالتصورات العامة للادارة الامريكية.
زعزعة في القيادة
الى ما قبل سنة كان ثمة انتقاد شديد على ديسكن الذي لم ينجح – أو لم يشأ – في الاشارة الى وريث طبيعي. بدأوا يضغطون من ديوان رئيس الحكومة على رئيس "الشباك" المنصرف للعمل في هذا الشأن واذا لم يعمل فسيُعين لرئاسة الجهاز شخص من الخارج ليس من صفوف المنظمة.
على هذه الخلفية دُعي ي. الذي كانت احدى رجليه قد أصبحت في الخارج الى تولي النيابة. في اثناء هذه الفترة أصبح ي. شخصا مقبولا جدا في نظر ديسكن وبدأ يُعده لوراثته – يرسله الى مباحثات ليظهر أمام رئيس الحكومة والوزراء.
في الحقيقة ان ي. ترك انطباعا عظيما عند كل من ظهر أمامه وبدأوا في وسائل الاعلام ايضا يوجهون اليه انتباها باعتباره مرشحا متقدما. بيد أن هذه الحقيقة كما يبدو كانت عبئا عليه في الطريق الى التعيين المرجو لان نتنياهو ترجم الاشارات التي بُثت اليه من وسائل الاعلام على أنها استعمال ضغط من عناصر في "الشباك" وخارجه وفضل نتنياهو كوهين عليه. لم تكن هذه أول مرة يحبط فيها رئيس الحكومة خطط ديسكن. كان الرئيس التارك لعمله ايضا مرشحا لتولي رئاسة الموساد، والى ما قبل اسبوع من تعيين تمير فردو، آمن رفاقه القريبين بأنه سيكون من يجلس على المقعد الذي يُخليه مئير دغان. وكان فردو نفسه قد أصبح خارج الجهاز عندما أعلمه نتنياهو بأنه مرشح بل اختاره للمنصب.
إن شيئا ما قد جعل رئيس الحكومة يسحب البساط مرتين من تحت قدمي ديسكن. يبدو انه ثار توتر ما بين الاثنين من تحت الطاولة بسبب شيء لا يعلمه على التحقيق سواهما – ربما يكون فشل "الشباك" في عرض حلول في قضية جلعاد شليط، أو شيئا ما آخر.
لا يعني الامر ان كوهين دخل جهازا فيه خصام ومواجهة بالسكاكين مع غضب في الخلفية. لكن للتعيين، كما لكل تعيين، تأثيرا مزعزعا في قيادة "الشباك"، فقد أعلن د. الذي كان النائب قبل سنة بأنه يترك المنظمة. وسيعلن ي. النائب الحالي الذي كان المرشح لديسكن ويمكن ان يرى نفسه خائب الأمل الرئيس، عن انهاء عمله كما يبدو. وسيزن مسؤول رفيع المستوى آخر هو ج. – لم يكن مرشح رئيس "الشباك" ومثل مع ذلك لمقابلات عند وزير الدفاع ورئيس الحكومة مرشحا من قبل نفسه – سيزن خطواته ويتوقع ان يُعين نائبا لكوهين.
إن زعم ان رئيس الحكومة استعمل تقديرات عقائدية في انتخاب رئيس "الشباك" هو إطراء ما للمستوى السياسي. إن المستوى السياسي على نحو عام يختار الخاضعين له – رئيس هيئة الاركان والقائد العام للشرطة ورئيس "الشباك" ورئيس الموساد – لاسباب تريحه. هل استطيع العمل مع هذا الشخص، وهل يحاول جعلي أتعثر وهل سيكون معارضا لي وهل استطيع ان أعتمد على انه لا يُسرب الامور. لو أن رئيس الحكومة اعتقد أن ي. يريحه أكثر من يورام كوهين لاختاره مع الحاخامين أو من غيرهم.
صحيح ان كوهين معروف بأنه يقول رأيه بلا نفاق حتى لو كان معارضا لرأي القائمين عليه. لكن عنده قدرة تحمل كبيرة جدا فهو ينفذ القرارات حتى لو كانت تخالف توصياته مخالفة تامة. لن يضطر رئيس الحكومة الى النظر طوال الوقت الى الوراء ليرى من أين تأتيه سكين ما. وله صفة اخرى يحبها الساسة ألا وهي عدم الود الكبير بينه وبين وسائل الاعلام، في هذه الاثناء على الأقل.
ليست وسائل الاعلام وحدها هي التي لا تمنح يورام كوهين مئة يوم تفضل بل العدو ايضا. إن المنتحر الذي سيأتي بعد الخامس عشر من أيار أصبح من نوبته. ومهما تكن المفارقة فان مبلغ تأثير رئيس "الشباك" هو في بدء طريقه على التحقيق، في صد ذلك المنتحر، ضئيل نسبيا. إن رئيس "الشباك" أوكل اليه بناء القوة، أما استعمال القوة فيقوم بها رؤساء الدوائر ووحدات العمليات وناس الميدان والمحققون. لكن في منظمة تركيزية مثل "الشباك" ثم عنوان واحد للنجاحات والاخفاقات وثم شخص واحد فقط هو "الشباك" في نظر الجمهور. سيضطر كوهين الى استيعاب حقيقة انه لم تُرفع درجته فقط. انه يوشك ان يؤدي دورا يخالف ما قام به مدة ثلاثين سنة. فمنذ الخامس عشر من أيار يوشك ان يصبح واجهة عرض "الشباك".
وعينا رئيس "الشباك" تنظران الى تهديد هذا اليوم صباحا. المتوقع ان يأتي من الضفة قبل كل شيء. فالضفة في غليان. ومستوى العمليات في ارتفاع. "يوم النكبة"، و"الذكرى السنوية لمرمرة"، والسير نحو انتخابات بلدية واعلان الاستقلال الفلسطيني من جانب واحد في ايلول القريب – كل ذلك مراحل ممكنة في الطريق الى انفجار بركان. يجب على رئيس "الشباك" ان يجعل العناصر المُثورة عقيمة قبل الانفجار، ويجب عليه ان ينشيء قاعدة المعلومات التي تُمكّن الجيش من مواجهة ناجعة يوم الانفجار. وباختصار، يفترض ان يسبق العدو بخطوة واحدة على الأقل.
إن كوهين اليوم هو الشخص صاحب أكثر ساعات عمليات إزاء الفلسطينيين في قيادة "الشباك" ولا سيما إزاء الضفة. انه يعرف واقع هذه الساحة، ويعرف اللاعبين الرئيسين والشارع والاجهزة والقيادة. سيضطر بعد أكثر من سنتين خارج الساحة الى إزالة شيء من الصدأ، لكن لا أحد يعترض على خبرته.
على نحو مفارق يفترض ان يناور كوهين "الشباك" في الضفة لا لمواجهة عدو محتمل فقط بل للحفاظ على صديق محتمل ايضا. فما ظل أبو مازن ضروريا لاسرائيل وما ظلت المحادثات مع اجهزة الامن تخدم المصلحة الوطنية، فمن المفروض على كوهين التحقق من ألا ينهار نظام حكمه. وفي الوضع الحالي في حين لا يوجد قدر كاف من المعلومات الاستخبارية لتقدير المزاج العام في الشارع الفلسطيني، تستطيع التجربة والحدس ملء الفراغ.
لا يجب على كوهين ان يعرض مستندات تُبين مبادرة وإبداعا وأصالة وجرأة وشجاعة شخصية في مجال محاربة الارهاب. فعندما عُين في 2003 قائدا لمنطقة القدس، أخذ انجازات العملية العسكرية "السور الواقي" وجر "فتح" بمطاردة عنيفة مكثفة للمنظمات الارهابية الى قبول "اتفاق المطلوبين"، الذي سلموا به أنفسهم بارادتهم الحرة.
الوضع اليوم في الضفة أكثر تعقيدا، فثمة ست كتائب مسلحة قد تصبح قوة معادية في حال الفوضى. وثم ايضا اجهزة أمنية قوية جدا، واحتمال نشاط ارهابي أكبر كثيرا مما كان في الماضي. وكل هذا مدعوم بتأييد دولي واسع. سيحتاج كوهين هنا الى الإتيان بتلك الرؤية العملياتية الحديثة المنسوبة اليه.رجل اتصال
كوهين رجل اتصال، رجل استعمال عملاء. هذا مجال أخذ يضعف على مر السنين وتحل التقنية محله. من المحتمل فرض ان يفعل ما فعله أسلافه في بداية طريقهم وأن يُقوي مجال الاتصال الميداني – تجنيد العملاء ودخول في جهات متهمة بالارهاب أو التآمر السياسي. مع ذلك لا يتجول رئيس "الشباك" طول النهار مع مسدس مسلول. إن جزءا لا يستهان به من وقته مخصص لمواضيع أقل اثارة جنسية من التجسس المضاد ومحاربة الارهاب مثل: مجال التقنيات ومجال القوة البشرية. ولهذين تأثير في كل مجالات عمل "الشباك" سنين طويلة. إن المجال التقني هو مجال يحتاج الى نفقة كبيرة، تقتطع جزءا كبيرا جدا من نفقات "الشباك"، وللحفاظ على التفوق في جمع المعلومات وحفظها يجب على "الشباك" ان يقف في الصف الاول للتقنيات التي تقفز درجة في اوقات أخذت تقصر. وفي مقابلته يقفز حزب الله والجهاد العالمي والسلطة الفلسطينية وحماس قفزاتهم الخاصة التي تهدد تفوق "الشباك" في جمع المعلومات.
اليوم أصبحت توجد ميادين تتحدى فيها اجهزة أمن منظمات ارهابية ما "الشباك" على نحو مقلق. وليس صدفة ان خصص كوهين السنة ونصف السنة الاخيرين لمشروع استراتيجي يتناول بناء القدرات التقنية لـ "الشباك" لأمد طويل. ويشتمل هذا ايضا على حماية بنى تحتية وطنية من هجمات في شبكات السايبر والقدرة على جمع معلومات من الشبكة.
في مجال القوة البشرية ايضا أصبحت النفقات لمدة عشر سنين قُدما. يتلقى كوهين "شباك" في مسار مضاءلة القوة البشرية. وبخلاف رئيس الاركان، من الممكن لرئيس "الشباك" ان يتدخل وان يؤثر مباشرة في كل تعيين ولو كان الأصغر في واقع الامر، فرئيس "الشباك" يبني مجموعة المديرين – من اولئك الذين سيصلون الى مناصب رؤساء أقسام ورؤساء ألوية ورؤساء فروع. الحديث عن ناس كثيرين جدا يتبدلون في كل ثلاث سنين أو اربع. وهكذا فان الانشغال في الملفات الشخصية فوق طاولة رئيس "الشباك" لا يكاد ينتهي. إن اختيار عمود فقري قيادي مستقر جيد هو احدى المهام الأثقل الملقاة عليه.
سيعرف كوهين من تجربة الماضي كل واحد من المرشحين والمنافسين، سواء كان رئيس فرع أو رئيس شعبة. أولا لان له ذاكرة للمظاهر، وثانيا لانه معروف بأنه قاريء للملفات والمواد على نحو وسواسي، ويضطر في خلال ذلك الى ان يقرر من يكون نائبه في الجزء الاول من ولايته وأن يفكر في النائب الثاني الذي سيتولى عمله بعد ثلاث سنين والذي يجب عليه ان يُعده عن طريق اعمال رئيس شعبة.
في كل ترتيب للأولويات سيحظى مجالان لم يتناولهما حتى الآن على نحو واضح – شعبة الحراسة والقسم اليهودي – بانتباهه. منذ كان قتل رابين يعلم كل رئيس "شباك" انه لا يجوز ان تتكرر هذه الحادثة، كما هو واضح له ان كل عملية ينفذها يهودي في جبل الهيكل يمكن ان تقود المنطقة الى خراب.
فشل "الشباك" في قضية شليط. فهو لم ينجح في الإتيان بمعلومات وإحداث خيار عملياتي، سيكون ملف شليط موضوعا على طاولة كوهين منذ اللحظة الاولى. فثم للتكريم المهني معنى ايضا وله تأثيرات في الصورة وفي الردع وهذا الفشل وصمة ستقوم طوال الوقت إزاء عيني رئيس "الشباك".
هآرتس :يترددان بقلم: الوف بن
بعد سبعة اسابيع سيقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الى منصة الخطابة في تلة الكابيتول لالقاء خطابه السياسي "بار ايلان 2"، امام اجتماع مشترك للمجلسين الامريكيين. هذه هي الساحة المنزلية لنتنياهو. هنا يحبونه، او يخافون من اللوبي الذي يؤيده. رئيس الوزراء سيتحدث الى السناتوريين واعضاء الكونغرس، ولكن اقواله ستوجه الى مستمع لا يجلس في القاعة بل في البيت الابيض على مسافة 3كم من سفح التلة. نتنياهو يريد أن يري براك اوباما بان الكونغرس خلفه، ويردع الرئيس من فرض تسوية تطرد اسرائيل من الضفة الغربية والمستوطنين من منازلهم.
بعد شهر من زيارة نتنياهو الى واشنطن، كفيل اوباما بان يأتي الى القدس للمشاركة في مؤتمر "الغد" برئاسة الرئيس شمعون بيرس. اوباما هو الاخر سيلقي خطابا، في المؤتمر أو في مقر الكنيست، واقواله عن المسيرة السياسية ستوجه الى نتنياهو. "خطاب القدس" سيوضح الى أن سيصل اوباما كي يقيم دولة فلسطينية، وينهي الاحتلال في المناطق ويصفي المستوطنات التي في نظره "غير شرعية".
الان يتردد الزعيمان في مسألة ماذا سيقولان: رسالة حازمة وقاطعة أم الثرثرة العادية عن "العلاقات الخاصة وغير القابلة للانكسار" بين أمريكا واسرائيل. خطة عمل سياسية أم عناق أحبة يساعد اوباما في بداية الحملة لاعادة انتخابه، ونتنياهو ضد الضغوط الداخلية.
موازين القوى ليست متساوية، بالطبع. نتنياهو يخاف اوباما غير المتوقع، الذي ركل حسني مبارك ويقصف معمر القذافي. في القيادة السياسية في القدس يرون الرئيس كجهة معادية، لولا اضطراراته السياسية لانضم الى حركة "بي دي أس" (المقاطعة، وقف الاستثمارات والعقوبات) ضد اسرائيل. ثمة غير قليل من الادلة المؤيدة لهذا الرأي. مثلا، الشرح الذي قدمته الادارة على استخدام الفيتو ضد شجب المستوطنات في الامم المتحدة، وبموجبه وافقت على مبدأ الشجب وتحفظت فقط على الاجراءات. أو قصة "الايكونومست" التي جاء فيها ان اوباما طلب من رئيس وزراء بريطانيا دافيد كمرون وزعماء آخرين ابداء تصلب تجاه اسرائيل (البيت الابيض نفى). واقوال اوباما لزعماء يهود امريكيين، قبل نحو اسبوعين ان محمود عباس جدي اما نتنياهو فلا. وقد اقتبست ذلك هذا الاسبوع "واشنطن بوست".
ترقب المستقبل
ما العمل؟ نتنياهو يمرر الوقت في حملة "ايران هي ليبيا"، التي تدعو الغرب لتهديد ايران بهجوم عسكري اذا واصلت برنامجها النووي. ليس لهذه الرسالة حاليا من يشتري. ربما تستخدم في المستقبل كمبرر لعملية اسرائيلية ("عرضنا عليكم الهجوم فرفضتم، وعليه فلم يكن أمامنا مفر"). ولكن ايران، مع كل أهميتها، تضغط اقل من المشكلة الفلسطينية.
نتنياهو ينظر الى الامام، الى ايلول، الشهر الذي سيتوجه فيه الفلسطينيون الى الامم المتحدة بطلب للاعتراف بدولتهم المستقلة. الادارة الامريكية وعدت اسرائيل، حسب مصدر سياسي كبير، بان يحبطوا قرارا بالاعتراف في مجلس الامن. الملف سينتقل بعدها الى الجمعة العمومية، التي يمكنها أن تتخذ (حسب اجراءات من عهد حرب كوريا) "قرارا ذا أسنان"، يعترف بفلسطين ويتعاطى مع كل نشاط اسرائيلي في اراضي السلطة الفلسطينية كخرق للقانون، يعاقب بالعقوبات وبخطوات اخرى من مجلس الامن.
الان، يتردد نتنياهو في مسألة أي رسالة يعرضها كي يحبط تهديد التدويل والتسوية المفروضة. وزير الدفاع ايهود باراك يقترح عليه ضمان انسحاب اسرائيلي على مراحل من الضفة، اخلاء متدرج للمستوطنات خلف الجدار، وتقسيم القدس. اذا رفض الفلسطينيون الاقتراح، كعادتهم، فتختار اسرائيل انسحابا احادي الجانب وتنطوي داخل حدود الجدار. هكذا ستظهر اسرائيل محقة وتسمح لامريكا بدعمها. باراك يخشى ان يكون قول "لا" لاوباما يضعضع الدعم الامريكي لاسرائيل ويؤدي الى مصيبة سياسية، ان لم يكن مقاطعة دولية.
حيال باراك يقف خصمه، النائب الاول لرئيس الوزراء موشيه بوغي يعلون الذي زار واشنطن الاسبوع الماضي. ويعتقد يعلون بانه محظور على اسرائيل أن تقترح مرة اخرى انسحابات وتنازلات، وان عليها أن تقترح مسارا مختلفا عن الكليشيه الفاشل "الارض مقابل السلام". وحسب نهجه، فان على نتنياهو ان يعرض في خطابه مطالب اسرائيل، بدلا من ارضاء الفلسطينيين. وماذا يطالب يعلون؟ قبل كل شيء، القول ان المسيرة ستؤدي الى اعتراف باسرائيل كدولة يهودية. بعد ذلك الالتزام بانهاء النزاع وانتهاء المطالب، وتحديد ترتيبات امنية. وفقط بعد أن تلبى هذه المطالب، هناك معنى للحديث عن الاراضي الاقليمية. وحسب نهجه، على اسرائيل ان تصر على موقفها، بدلا من اظهار الضعف في محاولات لا نفع فيها لارضاء العالم بالانسحابات.
فوضى
نتنياهو يتردد. بافعاله يميل الى موقف بوغي، ولكن في خطاباته الاخيرة عرض نهجا متوسطا، ابرز اهمية السيطرة في غور الاردن. هذا قلب الموضوع من ناحيته. منع "قاعدة ارهاب ايرانية" في الضفة. ولكنه لا ينجح في تسويق هذه الرسالة في أي مكان ليس "فوكس نيوز". تهديداته بان اسرائيل ستتخذ "خطوات احادية الجانب" من جهتها ردا على اعلان دولة فلسطينية بقيت غامضة، وفي هذه الاثناء لا تردع أحدا.
اوباما هو الاخر يتردد كيف سيتصرف في رحلته الى القدس: هل يأتي في رحلة حملة انتخابية توازن زيارة خصومه الجمهوريين هنا، أم يعرض خطة سلام. مؤيدوه من اليسار، مثل منظمة "جي. ستريت" يدعونه الى ان يعرض مسارا للتسوية. خسارة بالنسبة لهم ان تضيع رحلته الى اسرائيل على تصريحات حب فارغة من المحتوى. شخصيات أكثر مركزية في الحزب الديمقراطي، مثل رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ جون كيري، يعتقدون بان الزمن ليس ناضجا لمبادرة سلام رئاسية.
لقد زار كيري القدس الاسبوع الماضي، التقى نتنياهو وحذر من ان الضغط الدولي يتصاعد. واقترح أن تقوم اسرائيل ببادرة طيبة تجاه الفلسطينيين، نقل اراض اخرى الى مسؤوليتهم – لمنع الاعلان عن دولة من طرف واحد.
الترددات ستستمر حتى الصيف، اذا لم تقطع بتصعيد أمني غير متوقع. نتنياهو وقادة حماس نجحوا في تهدئة اشتعال الاسبوعين الاخيرين. فقد أوضحت اسرائيل بانها تريد حماس قوية ومسؤولة، يمكنها أن تكبح جماح مطلقي الصواريخ من الجهاد الاسلامي. وبدلا من الدعوة الى اسقاط حماس، يريدون أن تخلق إمرتها في غزة وتمنع "الفوضى"
(على حد قول قائد المنطقة الجنوبية، تل روسو).
يروي نتنياهو بان الهدوء تحقق بفضل تهديداته برد قوي، مما ردع حماس. ولكن في الواقع تتبنى اسرائيل في غزة "عقيدة نصرالله" المتبعة في الشمال. فهي تفضل جارا معادية وقويا، يسيطر على الارض، على ميليشيات وعصابات تفعل كل ما يروق لها دون أن تتحمل المسؤولية...الهدوء الذي عاد يسمح لنتنياهو واوباما بالاستعداد لنزال الخطابات، الذي سيجري في جولتين، في تلة الكابيتول وفي القدس.
ساحة النقاش