صحف عبرية
الهزات التي تعصف بالعالم العربي لا تزال في بدايتها، ومستقبلها يوجد في انعدام يقين قاس للغاية. بالنسبة 'للثورات' التي سبق أن بدأت، لا يمكن أن نعرف كيف ستتطور، ولا كيف ستنتهي ومتى. توجد علامات استفهام حول ثورات محتملة في دول اخرى. كل شيء في حضن المجهول. ولكن من الزاوية الاسرائيلية تبرز منذ الان على الاقل نقطتان ايجابيتان.
الاولى، اعلامية ـ سياسية. منذ صعود ادارة اوباما كان مفهومها المركزي من الشرق الاوسط كالتالي: كل مشاكل العالم العربي تكمن في نزاع اسرائيل مع الفلسطينيين، المصلحة العليا للولايات المتحدة في الشرق الاوسط هي تحقيق حل وانهاء هذا النزاع. حتى ذلك الحين، لا يمكن لواشنطن ان تقود 'المعسكر العربي المعتدل' للتصدي كما ينبغي لايران. وعليه، فان البناء في حي ما في القدس الشرقية يصبح في تلك اللحظة الامر الاهم الذي على الدبلوماسية الامريكية ان تعنى به.
خلف هذا الفهم يقبع افتراض بموجبه الامر الاشد ازعاجا لحكام الدول العربية وشعوبها هي المشكلة الفلسطينية. في هذه الفرضية، يوجد نوع من اغماض العيون وتجاهل المشاكل الاساسي للعالم العربي من خلال ايجاد حجة غيبة غبية. وهكذا تملصت الولايات المتحدة من التصدي الحقيقي لايران ومن بلورة جبهة عربية ناجعة مؤيدة للغرب.
وعلى أي حال، فان الهزات في العالم العربي كشفت عن هراء هذا النهج على الملأ. بالضبط مثلما كشفت امام نور الشمس حقائق عديدة اخرى فضلت الولايات المتحدة والغرب (وبالطبع في اوساط غير قليلة عندنا ايضا) تجاهلها: مثلا، ان مبارك هو طاغية سرق أموال الشعب المصري؛ وانه في مصر توجد دكتاتورية؛ وان في ليبيا يحكم قاتل مجنون يعرف كيف يشتري بماله حكومات دول ومؤسسات اكاديمية في اوروبا.
لم أرَ، لم أسمع ولم اقرأ عن صرخة واحدة من الجماهير المتظاهرة في العالم العربي في صالح الفلسطينيين المساكين، في صالح حل مشكلة هؤلاء المساكين. ودرءا لسوء الفهم: الجماهير في الدول العربية يكرهون دولة اسرائيل التي تعتبر كرأس حربة للثقافة الغربية؛ ولكن الفلسطينيين ومشاكلهم يعنونهم كما تعنيهم قشرة الثوم.
في أجواء انعدام اليقين والهزات توجد في الولايات المتحدة وفي الغرب معضلة: الديمقراطية أم الاستقرار؟ بمعنى الطغيان الذي ينتج الاستقرار. هناك دول عربية ربما قد تصبح ديمقراطية على نمط 'شرق اوسطي'، مثل العراق، ولكن واضح انه لن يكون استقرار.
مصر قد تكون بمثابة ديمقراطية ولكنها ليست مستقرة. السعودية قد تكون مستقرة حاليا، ولكن من دون ديمقراطية، وهكذا بالنسبة لكل الدول العربية. الاستثناء الوحيد، البارز، هو اسرائيل. ديمقراطية، مستقرة، قوية والحليفة الاكثر اخلاصا للولايات المتحدة كله على حد سواء.
اذا كانت انطلقت في السنوات الاخيرة في واشنطن اصوات تقول ان اسرائيل اصبحت عبئا استراتيجيا، فقد جاء الواقع ليثبت العكس تماما: اسرائيل هي الذخر الاستراتيجي الوحيد المصداق والمخلص الذي للولايات المتحدة في الشرق الاوسط الغني بالنفط.
وهذه، بالتالي، هي الفرصة للرفع المتزايد لمستوى العلاقات الامنية بين الدولتين.
هل نقطتا النور هاتان تعنيان أنه على مستوى التسويات السياسية يتعين علينا ان نجلس مكتوفي الايدي؟ بالتأكيد لا. كل خطة ومبادرة 'حكيمة' للتسوية مع الفلسطينيين مباركة فقط. ولكن كل شيء ينبغي أن يتم في هذه المرحلة في ظل الحفاظ على المصالح الامنية. نشبه نحن الان شخصا يقف على جرف، حين يهبط الليل عليه ويسود الظلام في المحيط. الحكيم هو من ينتظر نور الفجر. اما من ينقصه الصبر ويراهن، فسيسقط في الظلام. اولئك الذين يدعون الان بالذات الى مفاوضات مع سورية (وهو الاسم المستعار للتنازل المسبق عن هضبة الجولان)، ينتمون برأيي الى المجموعة الثانية.
ساحة النقاش