أولياء الله تعالى
قال الشيخ حافظ أحمد حكمي (ت1377هـ رحمه الله تعالى) في أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة = 200 سؤال وجواب في العقيدة الإسلامية:
س222: من هم أولياء الله؟
جـ222: هم كل من آمن بالله واتقاه واتبع رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62] ثم بينهم فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 63] الآيات، وقال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة: 257] الآية، وقال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ - وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55 - 56] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما أوليائي المتقون» (1) . وقال الحسن رحمه الله تعالى: ادعى قوم محبة الله، فامتحنهم الله بهذه الآية: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] الآية، وقال الشافعي رحمه الله تعالى: " إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير في الهواء فلا تصدقوه ولا تغتروا به حتى تعلموا متابعته للرسول صلى الله عليه وسلم ".
_________
(1) رواه مسلم (الإيمان / 366) كلهم بهذا المعنى.
(2) رواه البخاري (3116، 3640، 3641) ، ومسلم (الإيمان / 247) . انتهى.
والأصل في مسألة الولاية قوله تعالى في سورة يونس:
{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ 62 الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ63}
وكذلك ما جاء في الحديث الثامن والثلاثون: كل مؤمنٍ تقيٍّ هو لله تعالى وليٌّ
https://www.alukah.net/sharia/0/26083/
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ التي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ التي يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ<!--، وَمَا تَرَدَّدْتُ<!-- عَنْ شَىْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ<!-- الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ». رواه البخاري.
.............................................................................................................................
*** نُبْذَة عَنْ راوي الحَدِيثِ الشَّريفِ ومُخَرِّجِهِ:
أولاً: راوي الحديث الشريف السابق هو: أبو هُرَيْرَةَt، وقد تقدمت ترجمته في الحديث التاسع.
ثانياً: مُخَرِّج الحديث الشريف السابق وهو: الإمام البخاري، وقد تقدمت ترجمته في الحديث الأول.
*** يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ السَّابِقِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مِنْها:
<!--هذا الحديث أصل في باب ولاية الله تعالى وهو أعظم وأصح حديث خاص بأولياء الله تعالى.
<!--هذا حديث قدسي كبير الشأن: لما اشتمل عليه من أمور عظام توصل إلى درجة الوِلاية الحقة.
<!--الولي: هو كل مؤمنٍ تقيٍّ؛ لقوله تعالى: "﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس: 62- 63].
<!--أولياء الله تعالى هم المتقون من عباده المؤمنين كما قال تعالى: ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا المُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 34].
[ فائدة]: أولياء الله تعالى إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ<!-- تعالى ويدل على هذا ما يلي:
أ- قال رسول الله r: "أولياءُ اللهِ تعالى: الَّذِينَ إذا رُؤوا ذُكِرَ الله تعالى».رواه الحكيم الترمذي والبزار وأبو نُعيم وحسنه الألباني.
ب - قال رسول الله r: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قال: فَخِيَارُكُمُ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ الله». رواه الإمام أحمد في المسند و قال الإمام الهيثمي في المجمع: رواه أحمد وفيه شَهْر بن حَوْشَب وقد وثقه غير واحد، وبقية رجال أحد أسانيده رجال الصحيح. ورواه البخاري في الأدب المفرد وابن ماجَهْ في سننه وحسنه الألباني.
<!--في الحديث دليل على أن من عادى أولياء الله تعالى فقد آذنه اللهُ تعالى بالحرب، والولي ضده العدو فالولي: كل مؤمنٍ تقيٍّ والعدو: كل خاسر شقي.
<!--في الحديث إلماع إن أن مرتبة الوِلاية أعلى من مرتبة عامة المؤمنين وهي قطعاً أدنى من مرتبة النبي: فالنبي معصوم والولي غير معصوم عند المسلمين أما غير المسلمين ممن انتسبوا لغُلاة الصوفية الذين يدَّعون كفراً وطغياناً أن مرتبة الوِلاية فوق مرتبة الرسالة كما قال ابن عربي:
مقَامُ النُّبُوَّةِ فِيْ بَرْزَخٍ... فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِيّ
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة معلقاً على ذلك بقوله<!--: "وهذا قلب للحقيقة التي اتفق عليها المسلمون وهو أن الرسول أفضل من النبي الذي ليس برسول والنبي أفضل من الولي الذي ليس بنبي والرسالة تنتظم النبوة والولاية كما أن النبوة تنتظم الولاية وأن أفضل الأولياء أكملهم تلقياً عن الأنبياء وهو أبو بكر الصديق فإنه أفضل من عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وعمر».انتهى. وقال<!--: "هؤلاء الملاحدة يدعون أن الولاية أفضل من النبوة و يلبسون على الناس فيقولون: ولايته أفضل من نبوته وينشدون:
مقَامُ النُّبُوَّةِ فِيْ بَرْزَخٍ... فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِيّ
ويقولون: نحن شاركناه في ولايته التي هي أعظم من رسالته وهذا من أعظم ضلالهم: فإن ولاية محمد r لم يماثله فيها أحد لا إبراهيم u ولا موسىu فضلاً عن أن يماثله هؤلاء الملحدون.
وكل رسول نبي ولي فالرسول نبي ولي ورسالته متضمنة لنبوته ونبوته متضمنة لولايته وإذا قدروا مجرد إنباء الله إياه بدون ولايته لله فهذا تقدير ممتنع: فإنه حال إنبائه إياه ممتنع أن يكون إلا ولياً لله ولا تكون مجردة عن ولايته ولو قدرت مجردة لم يكن أحد مماثلاً للرسول في ولايته ».انتهى.
<!--في الحديث بيان لكون الولي مداوماً على فعل النوافل والمسارعة في النوافل فضلاً عن الفرائض ابتغاء وجه الله تعالى.
[فائدة]: في هذا رد لأباطيل الذين يقولون: إنهم قد سقطت عنهم التكاليف؛ لأنهم وصلوا إلى درجة الوِلاية وهذا محض افتراء وبطلانه يظهر من وجوه:
الأول: أن سادات الأولياء وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفي مقدمتهم سيدنا محمد r كان يعبد الله تعالى حتى توفاه الله تعالى وكذلك أصحابه وآله y والتابعون لهم بإحسان إلى يوم الدين.
الثاني: استدلال هؤلاء الضُّلَّال المفترين بقوله تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾ [الحجر: 99] استدلال باطل؛ لأن اليقين هنا الموت.
أي: أن الله تعالى يأمر نبيه محمداً r بمداومة العبادة حتى يأتيه أجله.
ويقال لهؤلاء من باب التهكم: إذن سادتكم وأولياؤكم كفار مكذبون وفي جهنم خالدون بنص القرآن الكريم؛ لقوله تعالى حاكياً الحوار الذي دار بين الموحدين وبين أهل الجحيم بقوله: ﴿عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ﴾ [المدثر: 41-47].
فيقال لهم: اليقين واحد في الموضعين فهل هو الموت أم درجة إيمانية؟ وإن قالوا بالثانية فليأتوا بدليل للتفرقة بين المعنينن.
الثالث: نص هذا الحديث حُجَّةٌ عليهم لما تقدم آنفاً.
الرابع: الوليُّ: هو كل مؤمنٍ تقيٍّ فكيف يصل إلى درجةٍ يترك الإيمان ويتعالى على الله خالقه سبحانه؟! ومن المعروف أن أمثال هؤلاء الْمُدَّعِين للوِلاية عندما يُعَرِّفون بأنفسهم وبكبرائهم يقولون: العبد الفقير الحقير و أحقر خلق الله تعالى...وما شابه ذلك من عبارات فتجدهم يُكثرون من هَضْمِ أنفسهم لكن هنا تعالَوْا على ربهم Y. فتبًّا لعقول كان مشركو الجاهلية الأولى أعلم بالتوحيد منهم.
الخامس: التشريعات الخاصة بمن اقترب أجله وتلقينه الشهادة و... فإن كان من يصل إلى تلك المرتبة
المكذوبة المزعومة لا يعبد الله تعالى فلمن قالها الرسول r؟!
السادس: الآيات التي تَحُثُّ النبي r على الازدياد من الطاعات وأمره بالتسبيح والاستغفار، لاقتراب أجله r كقوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 1-3]... وغيرها تبطل تلك الفِرْيَةَ المزعومة.
<!--في الحديث إشارة إلى قسمي أوامر الله تعالى: فرائض ونوافل<!--.
<!--في الحديث إثبات لصفة المحبة لله تعالى من غير تأويل ولا تشبيه بل نؤمن بها على معتقد أهل السنة والجماعة: إقرار وإمرار.
10- في الحديث إشارة إلى تقدم الفرائض على النوافل.
<!--في الحديث إلماع إلى أهمية المداومة على فعل الطاعات كما قال r: "إن أحب العمل إلى الله تعالى أدومة وإن قل».رواه الإمام أحمد وأبو داود والنَّسائي وصححه الألباني وفي رواية ابن ماجَهْ وصححها الألباني أن رسول الله r قال: "فإن خير العمل أدومه وإن قل». ووصفتِ السيدةُ عائشةُ ل عملَ رسولِ الله r فقالت: "كان عمله دِيمةً وأيكم يستطيع ما كان رسول الله يستطيع؟». متفق عليه وتُؤخذ هذه المداومة من قوله تعالى: "يتقرب " و " ومازال " بصيغه المضارع للدَّلالة على الاستمرار و الملازمة .
<!--في الحديث إشارة إلى أن الأعمال تتفاضل هي بنفسها " و"أنه كلما ازداد الإنسان تقرباً إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، فإن ذلك أقرب إلى إجابة دعائه وأعاذته مما يستعيذ الله به " <!--
<!--في الحديث إشارة إلى أن محبة الله تعالى ووِلايته سبحانه لا تُنال إلا بأمرين هما:
أ- المحافظة على فرائض الله تعالى .
ب- المسارعة في النوافل ابتغاء وجه الله تعالى.
[فائدة]: قال الحافظ في الفتح<!--: "وَقَدْ اسْتُشْكِلَ وُقُوعُ الْمُحَارَبَةِ وَهِيَ: مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَعَ أَنَّ الْمَخْلُوقَ فِي أَسْرِ الْخَالِقِ.
وَالْجَوَاب: أَنَّهُ مِنْ الْمُخَاطَبَةِ بِمَا يُفْهَمُ: فَإِنَّ الْحَرْبَ تَنْشَأُ عَنْ الْعَدَاوَةِ وَالْعَدَاوَةُ تَنْشَأُ عَنْ الْمُخَالَفَةِ وَغَايَة الْحَرْب الْهَلَاك وَاَللَّه لَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ، فَكَأَنَّ الْمَعْنَى فَقَدْ تَعَرَّضَ لِإِهْلَاكِي إِيَّاهُ. فَأَطْلَقَ الْحَرْبَ وَأَرَادَ لَازِمَهُ أَيْ أَعْمَلُ بِهِ مَا يَعْمَلُهُ الْعَدُوُّ الْمُحَارَبُ. قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: فِي هَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ؛ لِأَنَّ مَنْ حَارَبَهُ اللَّهُ أَهْلَكَهُ، وَهُوَ مِنْ الْمَجَازِ الْبَلِيغِ، لِأَنَّ مَنْ كَرِهَ مَنْ أَحَبَّ اللَّهُ خَالَفَ اللَّهَ وَمَنْ خَالَفَ اللَّهَ عَانَدَهُ وَمَنْ عَانَدَهُ أَهْلَكَهُ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي جَانِبِ الْمُعَادَاةِ ثَبَتَ فِي جَانِب الْمُوَالَاةِ، فَمَنْ وَالَى أَوْلِيَاءَ اللَّه أَكْرَمَهُ اللَّهُ. وَقَالَ الطُّوفِيُّ: لَمَّا كَانَ وَلِيُّ اللَّهِ مَنْ تَوَلَّى اللَّهَ بِالطَّاعَةِ وَالتَّقْوَى تَوَلَّاهُ اللَّهُ بِالْحِفْظِ وَالنُّصْرَةِ، وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِأَنَّ عَدُوَّ الْعَدُوّ صِدِّيقٌ وَصِدِّيقَ الْعَدُوِّ عَدُوٌّ، فَعَدُوُّ وَلِيِّ اللَّهِ عَدُوُّ اللَّهِ فَمَنْ عَادَاهُ كَانَ كَمَنْ حَارَبَهُ وَمَنْ حَارَبَهُ فَكَأَنَّمَا حَارَبَ اللَّه».انتهى.
[تنبيه]: لا يُفْهم من قوله I: "كنت سمعه... "لا الحلول ولا الاتحاد بين الخالق والمخلوق إنما هو تعبير بما يفهمه المخاطَبُ على لغة العرب من التقريب لإيصال المعنى إلى الأفهام بأيسر صورة وأوضحها ويتضح ذلك من خلال عدة أجوبة ذكرها الحافظ ابن حجر<!--:
<!--أحدها: أنه ورد على سبيل التمثيل والمعنى: كنتُ سمعه وبصره في إيثاره أمري فهو يحب أمري ويؤثر خدمتي كما يحب هذه الجوارح.
<!--ثانيها: أن المعنى: كُلِّيْتُهُ مشغولةٌ بي فلا يصغي بسمعه إلا إلى ما يرضيني ولا يرى ببصره إلا ما أمرته به.
<!--ثالثها: المعنى: أُحَصِّلُ له مقاصده كأنه ينالها بسمعه وبصره... إلخ.
<!--رابعها: كنتُ له في النصرة كسمعه وبصره ويده ورجله في المعاونة على عدوه.
- خامسها: قال الفاكِهاني وسبقه إلى معناه ابن هُبَيرة: هو فيما يظهر لي أنه على حذف مضافٍ والتقدير: كنتُ حافظَ سَمْعِهِ الذي يسمع به فلا يسمع إلا ما يحل استماعه وحافظ بصره كذلك... إلخ
<!--سادسها: قال الفاكِهاني: يحتمل معنىً آخر أدق من الذي قبله وهو: أن يكون معنى سمعه: مَسْمُوعُهُ؛ لأن المصدر قد جاء بمعنى المفعول مثل: فلان أملي بمعني مأمولي والمعنى: أنه لا يسمع إلا ذكري ولا يلتذ إلا بتلاوة كتابي ولا يأنس إلا بمناجاتي ولا ينظر إلا في عجائب ملكوتي ولا يمد يده إلا فيما فيه رضائي ورجله كذلك... وقال الخَطَّابي: هذه أمثال والمعنى: توفيق الله لعبده في الأعمال التي يباشرها بهذه الأعضاء وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه عن مواقعة ما يكره الله من الإصغاء إلى اللهو بسمعه و...».انتهى.
قلتُ: وهذا واضح وبين ولا إشكال فيه فإننا في حياتنا نقول: فلانٌ سَمْعُ فلانٍ وفلانٌ يَدُ فلانٍ وأنا عينُك ويَدُكَ ولا يُفهم منها إلا التقرب من المخاطَبِ ونصرته ولا يفهم أحد من العقلاء أن ذلك حلولاً كما يقول الاتحادية وغيرهم من الحلولية وأهل الزيغ والفساد فتعالى الله عما يقولون علواً كبيراً وأدلة علوه سبحانه وتعالى تبطل ذلك المعتقد الفاسد الردي والذي لا يصدر إلا ممن لا يعرفون قدر الله تبارك وتعالى.
[تنبيه]: قال بعضهم<!--: "القلب إذا كان محفوظاً مع الله كانت خواطره معصومة من الخطأ».
فقال الحافظ معلقاً على ذلك: "وتعقب ذلك أهل التحقيق من أهل الطريق فقالوا: لا يُلتفت إلى شيء من ذلك إلا إذا وافق الكتاب والسنة والعصمة إنما هي للأنبياء ومن عداهم فقد يخطئ: فقد كان عمر t رأس الْمُلْهَمِين ومع ذلك فكان ربما رأى الرأي فيخبره به بعض الصحابة y بخلافة فيرجع إليه ويترك رأيه». انتهى.
[لطيفة]: قال شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة<!--: "وفي رواية في غير الصحيح فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي».
فقوله: "بي يسمع... وبي يمشي..." بيََّنَ معنى قوله: "كنتُ سمعه... وبصره... ويده... ورجله"، لا أنه يكون نفس الحدقة والشحمة والعصب والقدم وإنما يبقى هو المقصود بهذه الأعضاء والقُوى وهو بمنزلتها في ذلك: فإن العبد بحسب أعضائه وقُواهُ يكون إدراكه فإذا كان إدراكه وحركته بالحق ليس بمعنى خَلْق الإدراك والحركة فإن هذا قدر مشترك فيمن يحبه وفيمن لا يحبه وإنما للمحبوب الحق من الحق من هذه الإعانة بقدر ماله من المعية والربوبية والإلهية فإن كل واحدة من هذه الأمور عامة وخاصة». انتهى.
(فائدة): الرواية التي أشار إليها شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّة ذكرها الطُّوفي وسكت عنها الحافظ في الفتح<!-- وسكوت الحافظ ابن حجر في الفتح يعني أنها لا تنزل عن رتبة الحُسْنِ كما هي قاعدته ومع ذلك فقد قال الشيخ الألباني<!-- أثناء تخريجه لهذا الحديث الشريف: "ولم أر هذه الزيادة عند البخاري ولا عند غيره ممن ذكرنا من المُخَرِّجين وقد ذكرها الحافظ في أثناء شرحه للحديث نقلاً عن الطُّوفي ولم يعزها لأحد».انتهى.
<!--في الحديث وجوب قصر جميع أنواع العبادة لله تعالى وحده لا شريك له؛ لقوله تعالى: "سألني، استعاذني " فأضاف الفعل ونسبه إلى ذاته الشريفة المقدسة العلية، للدَّلالة على شرف عبادته وتشريف العباد باصطفائهم عباداً له I؛ لأن الإنسان إما أن يسأل شيئاً ليأخذه أو ليصرف عنه فمن فعل شيئاً من العبادة لغير الله تعالى صرفاً أو أخذاً فقد أشرك بالله تعالى.
<!--في الحديث تأكيد على أن لله تعالى أولياء وأعداء.
فنسأل الله تعالى بحبه وبحبنا لسيد الأولياء r أن يشرفنا بنصرة شريعته وأن يحشرنا ويجمعنا تحت لواء سيد الأولياء وخاتم الرسل والأنبياء الأصفياء سيدنا محمد r. آمين.
الحديث التاسع والثلاثون: من خصائص أمة النبي r
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ب أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِى عَنْ أُمَّتِى: الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ». حديث حسن رواه ابنُ ماجَهْ والبيْهَقِيُّ وغيرُهما.
.............................................................................................................
*** نُبْذَة عَنْ راوي الحَدِيثِ الشَّريفِ ومُخَرِّجِهِ:
<!--[if !supportFootnotes]-->
<!--[endif]-->
<!-- - الإمام النووي ما ذكر خاتمة الحديث الشريف السابق وهي خاتمة عظيمة بل اقتصر على ذكر الشاهد من الحديث الشريف السابق إلى قولهr: »... وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّه...».
<!-- - أفضل من شرح معنى التردد الوارد في خاتمة هذا الحديث القدسي الكريم بما يوافق معتقد أهل السنة والجماعة هو الإمام ابن تيميَّة في مواضع من كتبه منها في مجموع الفتاوي جـ 18 ص: 129 و 130، وخُلاصته أن العبد لما فعل ما أحبه الله تعالى من محافظة على الفرائض ومسارعة إلى النوافل وأتى بكل ما يقدر عليه وهو مع ذلك يكره الموت والله تعالى يحب لمحبوبه ما أحب ويكره إساءته بالموت لكن الله تعالى قضى بالموت وفيه الخير للعبد؛ لأن العبد لا يعلم عواقب الأمور فصار الموت مراداً للحق من وجه مكروهاً له من وجه وهذا حقيقية التردد ولكن لابد من ترجيح أحد الجانبين وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه... وضرب شيخ الإسلام لذلك مثلاً - ولله المثل الأعلى- بقوله: ومثل هذا إرادة المريض لدوائه الكريه بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب وفي الصحيحين وهذا لفظ مسلم أن رسول الله: "حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره" وقال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].
<!-- - كراهية المؤمن للموت كراهية فطرية لكنه يحبه اختياراً؛ لأنه سيرى الله تعالى بعده ثم يرى النبي r ويتمتع بنعيم الجنة فيحبه حباً اختيارياً.
<!-- - وهنا أشرطة للشيخ الدكتور/ عبد الرحيم الطحان استقصى فيها الآثار المرفوعة والموقوفة والمقطوعة المتعلقة بذكر الله تعالى عند رؤية الصالحين. http://www.al-tahaan.com/page2.htm l
<!-- - في الصفدية،جـ1 ص 252.
<!-- - في رسالة: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان كما في مجموع الفتاوى،جـ11 ص 226 وهذه الرسالة من أفضل ما كُتب في هذا الباب والله تعالى أعلى وأعلم.
<!-- - كما في شرح الشيخ ابن عثيمين علي الأربعين، ص 73.
<!-- - قالها الشيخ ابن عثيمين في شرحه للأربعين، ص 74.
<!-- - جـ 7ص 125.
<!-- - نفسه، جـ7 ص125.
<!-- - كما في الفتح، جـ7 ص125.
<!-- - كما في مجموع الفتاوى، جـ2ص390 – 391 وهو في مواضع غيرها أيضاً كما في: جـ 5 ص511 وجـ 10 ص58 وجـ 11 ص75 وجـ17 ص 133.
<!-- - جـ 7ص 125.
<!-- - في السلسلة الصحيحة، تحت رقم: 1640.
ساحة النقاش