مصر: التلوث البحري والنهري.. صرخة احتجاج"


"أقسم بالله ألا ألوث نهر النيل ولن أسمح لأحد بتلويثه".. كان هذا القسم هو الأهم للفرعون أمام الرب في مصر القديمة، وبعد آلاف السنين سمحنا لكل أشكال التلوث لتنال من نهر النيل ومن البحر المتوسط والأحمر، بل لينال التلوث من صحتنا واقتصادنا، ولنغمض أعيننا حاكمين ومحكومين دون أي تصد حقيقي لهذه المشكلة والاكتفاء بحلول وقتية. كانت هذه الكلمات هي الافتتاحية التي قدمها الدكتور عبد الغفار حنيش خبير التلوث البحري الأستاذ بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بمصر، في ندوة "قضايا التلوث البحري والنهري.. أبعاده وأساليب مكافحته"، والتي نظمتها مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع الجمعية العربية للإصلاح والتنمية.

أكد حنيش أن هذه الندوة هي صرخة احتجاج حضارية من أجل وضع حلول جذرية لمواجهة هذه المشكلة.

وقد أشار اللواء البحري وسام عباس حافظ كبير المرشدين بهيئة قناة السويس بمصر إلى أن خليج السويس الذي يبلغ 175 ميلا وعرضه 10 إلى 25 ميلا بحريا يعتبر من المناطق البحرية المنتجة للبترول على المستوى الإستراتيجي، إلا أنه مكان رئيسي للتلوث البحري نتيجة مرور السفن والناقلات البترولية العملاقة داخله، حيث يحدث تسريب دائم من سفن البترول وغيرها، والكارثة الأهم والأخطر قد تحدث عند وقوع تصادم بين حفار ومركب، وقد حدث ذلك بالفعل منذ 15 سنة، وظلت آثاره سنوات عديدة.

سلبية المجتمع

أما الدكتور عماد عدلي المنسق الوطني لبرنامج البيئة العالمية فقد أكد في كلمته على دور المجتمع المدني والتكنولوجيا الحديثة في مكافحة التلوث البحري؛ فقضية تلوث مياه البحار في مصر أصبحت مشكلة يشعر بها المواطن العادي الذي يحب الصيد أو يريد الاستمتاع بالسباحة في الشواطئ الخلابة التي تتمتع بها مصر، إلا أن هذه الشواطئ تعاني من سوء المعاملة حتى أنه وصلت هناك تحذيرات للسائح الأوروبي بألا يستحم داخل الشواطئ المصرية خوفا من الإصابة بالأمراض.

وقد ألقى الدكتور عماد باللوم على منظمات المجتمع المدني في مصر، مؤكدًا أن دورها محدود جدا وأن عددا قليلا جدا من الجمعيات يهتم بهذه القضية رغم أن هناك برنامجا للمنح الصغيرة تابعا للأمم المتحدة حقق عدة نتائج ولكنها غير كافية، ويقول: "توجد داخل هذا البرنامج منح مقدمة للجمعيات لدعم مشاريع تخص هذا الموضوع، إلا أن الخبرة المصرية ما زالت ضعيفة، وتعد مصر من أقل الدول التي حققت نتائج في مجال مكافحة تلوث البحار والأنهار رغم أنه يحيطها أكثر من 2500كم من السواحل ومعظم سكانها يقطنون هناك".

ويضيف د.عماد أن هناك مشروعًا جديدًا مع الاتحاد الأوروبي حول مكافحة التلوث الصناعي والبحري، لم يتقدم له من مصر إلا جمعية واحدة فقط، في حين هناك دول أخرى نجدها ممثلة بالكثير من الجمعيات والهيئات، وهذا يدلل على أن المجتمع المدني في مصر لا يشارك بفاعلية في حل الكثير من مشاكل المجتمع.

وينصح العدلي بضرورة تدريب الأفراد الفاعلين في المجتمع المدني على كيفية المشاركة وإمدادهم بنماذج وتجارب واقعية، خاصة أن مصر لها حصة تبلغ 15 مليون دولار حتى عام 2010 من مرفق البيئة العالمية، وهو صندوق عالمي تابع للأمم المتحدة يهتم بمشاكل البيئة العالمية إلا أنها غير مستغلة.

وقد أنشئ برنامج المنح الصغيرة الذي يموله مرفق البيئة العالمية، ويديره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 1992، بهدف تقديم الدعم المالي والفني لمشروعات صغيرة على المستوى المحلي في الدول النامية لصون وإعادة تأهيل البيئات الطبيعية، مع تحسين الأحوال المعيشية في المجتمعات المحلية، وتقدم هذه المنح التي لا يتعدى كل منها مبلغ 50.000 دولار أمريكي، إلى المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمعات المحلية، لدعم أنشطتها اعترافا بدورها المهم في العمل على حماية البيئة ونشر وترسيخ مفهوم التنمية المستدامة.

المشكلة في مصر أن الإيمان بدور المجتمع المدني غير موجود وذلك منعكس على صانعي القرار؛ فلا توجد أي وزارة من الوزارات دعت في خطتها منظمات المجتمع المدني للمشاركة معها في تنفيذ هذه الخطط، بل نجد العكس حيث تسحب الحكومة البساط من هذه المنظمات عند اكتشاف مشاريع جيدة وتنسبها لنفسها.

حقوق الإنسان

وحول الالتزام القانوني والمعايير الدولية لمكافحة التلوث البيئي في المجال البحري والنهري أكد الدكتور سعيد الدقاق أستاذ القانون بجامعة الإسكندرية أن مكافحة التلوث تقتضي تعاونًا دوليا للقضاء على هذه الظاهرة، بل إن مكافحة التلوث حق أساسي من حقوق الإنسان؛ لأن المشرع الدستوري نص على أن الحفاظ على البيئة هو واجب وطني ولكن يجب علينا خلق ثقافة عامة ورأي عام من أجل هذه القضية.

ويرى الدقاق أن الحكومة وحدها لن تستطيع خلق هذه الثقافة؛ فهناك العديد من التشريعات التي تحد وتجرم هذه الظاهرة، إلا أنها غير مفعلة ولا ينفذها أحد، ولو تم إنشاء العديد من القوانين والقواعد لتجريم التلوث فإن ذلك لن يكفي، قائلاً: "الأمم المتحدة جعلت التلوث الجسيم جريمة دولية، ولكن عدم وجود تعريف محدد للتلوث الجسيم جعل المشاكل تزداد".

عقدة الخواجة

وأكد الكيميائي أحمد قاسم شتا مدير إدارة الكوارث البيئية بجهاز شئون البيئة أن هناك العديد من القرارات التي يتم اتخاذها بدون دراسة وكلها تضر بالبيئة، معللا ذلك بأن المشاكل البيئية دائمًا لا تظهر في وقتها، وعندما تظهر لا يتم علاجها بسهولة، ويضيف: "الدليل على ذلك مشكلة تشرنوبيل والتي ما زالت عالقة بالأذهان؛ فتأثيرها ما زال موجودًا حتى الآن"؛ فالبيئة موجودة في اتزان طبيعي كما خلقها الله عز وجل، ولكن تدخل الإنسان بقصد أو بدون قصد لكي يصلح ويعدل من أسلوب حياته هو ما يؤثر سلبيا على البيئة.

والمثال على ذلك أنه وقت الثورة الصناعية في أوروبا كان شعار أي مصنع هو وجود مدخنة، وعادة ما كانت تستخدم في الدعاية والملصقات، هذا الشعار لا يمكن أن يتم استخدامه الآن؛ لأنه علامة على التلوث البيئي، ويقول شتا: "عندما تم استغلال نهر النيل كمقلب للقمامة ظهر العديد من الأمراض التي لم تكن موجودة من قبل؛ وهو ما اضطر الحكومة إلى زيادة وسائل العلاج وعدد المستشفيات، وزيادة برامج البحث العلمي لمكافحة الأمراض الجديدة".

ويضيف: "لدينا مشكلة ثقافية مهمة وهي وجود عقدة الخواجة؛ فعند أي مشكلة لا بد أن أستعين بخبير أجنبي يضع لي خططا جاهزة لكي أستخدمها، دون أن أعرف كيف سأطبق هذه الخطة؟" هذا ما نتجاهله دائما؛ فهل من يقوم بالتطبيق لديه الوعي الكافي بها؟ وهل هذه الخطة تتواءم مع ظروف البيئة المحيطة والتي لا يعلم عنها الخبير الأجنبي أي شيء

المصدر: إسلام اون لاين
HaresAmmar

د/حارص عمار ـ دكتوراة في المناهج وتكنولوجيا التعليم

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 670 مشاهدة
نشرت فى 14 مايو 2011 بواسطة HaresAmmar

ساحة النقاش

د/حارص عمار

HaresAmmar
هذا الموقع متخصص في المقالات العلمية ورسائل الماجستير والدكتوراة عامة والتربوية خاصة، كما يهتم هذا الموقع بكل ما يتعلق بمناهج وطرق تدريس الدراسات الاجتماعية وكيفية استخدام التكنولوجيا المتطورة مثل الانترنت والوسائط الفائقة والنظم الخبيرة الكمبيوترية والتراث العربي مثل الامثال العامية في تطوير الجوانب والاهداف المختلفة للدراسات الاجتماعية، وقد تم إضاقة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

659,382